رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
133   مشاهدة  

معاوية.. مسلسل تاريخي يتفادى التاريخ

معاوية
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



زي الحلقة الأولى من مسلسل معاوية ما كانت “غير مُبشرة” أستمر الوضع في الحلقة التانية؛ إن كان على مستوى الأخطاء التاريخية، واللي رصدها الزميل وسيم عفيفي في مقاله “لهذه الأسباب وقعت الحلقة الثانية من مسلسل معاوية في أخطاء“، أو على مستوى البُنا الدرامي لشخصية معاوية الدرامية كشخصية غير شخصية معاوية التاريخية.

تركيبة توحي إن المشروع ماشي في سكة شبه الراحل يوسف شاهين لما قدم في فيلم الناصر صلاح الدين شخصية درامية مفارقة بنسبة كبيرة جدًا للشخصية التاريخية لمؤسس الدولة الأيوبية.

معاوية
الفنان الراحل أحمد مظهر في فيلم الناصر صلاح الدين

غزوة حنين وأزمة المسلمين الجُدد

رغم الاهتمام بتقديم مشاهد من “غزوة حنين”، على عكس اللي حصل مع “بدر” و”أُحُد” وحتى “فتح مكة”، إلا إنه تم إغفال إن جيش المسلمين أوشك ع الهزيمة؛ كما هو مذكور في الآية 25 من سورة التوبة ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾، لكن ربنا ستر ﴿ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ (26 التوبة).

الهزيمة في البداية كانت بسبب فرار “الطُلقاء” من المعركة، وده حسب عدة مصادر منها كتاب أمين بن محمد المدري غزوة حنين دروس وعبر، واللي بيقول نصًا في الصفحة 33 من المجلد الأول: “وعلى الرغم من الهزيمة التي لحقت بالمسلمين في بداية غزوة حنين وفرار معظم المسلمين في ميدان المعركة؛ لأنهم فوجئوا بما لم يتوقعوه, فإن رسول الله لم يعنف أحدا ممن فرَّ عنه، حتى حينما طالبه بعض المسلمين بأن يقتل الطلقاء لأنهم فروا، لم يوافق على هذا“.

معاوية في قلب أزمة الغنايم

تاريخيا حصلت أزمة كبيرة بسبب عملية توزيع الغنايم، بعد المعركة، أزمة كان “معاوية” أحد أطرافها.. لكن المسلسل عدا على الموضوع بخفة ودون توضيح أبعادها وتفاصيلها؛ اللي بتوضح إن النبي عامل معاوية -هو وأبوه (أبي سفيان)- مُعاملة “المؤلفة قلوبهم”، حسب ما ورد نفس المرجع السابق في الصفحة 34:

رأى صلى الله عليه وسلم أن يتألف الطلقاء والأعراب بالغنائم تأليفًا لقلوبهم لحداثة عهدهم بالإسلام، فأعطى لزعماء قريش وغطفان وتميم عطاء عظيمًا، إذ كانت عطية الواحد منهم مائة من الإبل، ومن هؤلاء: أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن الفزاري، والأقرع بن حابس، ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان، وقيس ابن عدي. وكان الهدف من هذا العطاء المجزي هو تحويل قلوبهم من حب الدنيا إلى حب الإسلام، أو كما قال أنس بن مالك: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها. وعبر عن هذا صفوان بن أمية بقوله: لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ“.

ودي وقائع وأحداث تاريخية تتعارض ورواية إن معاوية أسلم قبل “فتح مكة”.. وتهد حالة الميل لتصديق النبي من الصِغر ثم الإيمان القوي بمجرد إعلان إسلامه كتفاصيل مهمة في تركيبة الشخصية الدرامية.

YouTube player

تفادي التاريخ

واصل صناع المسلسل تفادي محطات هامة وفارقة في تاريخ “دولة الإسلام”؛ وبرضه بسبب إن الوقائع التاريخية هتتعارض والصورة المطلوب تقديمها لـ”معاوية الدراما”.

فمعاوية الدراما بيقول لمراته “كنود” عن حلمه “للأمة”: “آرى للإسلام مُلكًا سيجمع الناس تحت راية واحدة لا تُفرِق بين عربي وأعجمي، وتنشُر جناح عِزها بين المشرق والمغرب.. في ملك أكبر من ذلك الذي كان للاسكندر“. جُملة مش بس بتقدم “معاوية الدراما” -عن دون كل “صحابة الدراما”- في صورة صاحب “حلم دولة الإسلام”؛ إنما كمان بتقدمه في صورة الرومانسي الحالم المؤمن بالمساواة والرافض للقبلية.

صورة مش هتتماشى أبدًا مع كونه وصل للسلطة بوصفه “قُرشِّي”؛ وهي القاعدة اللي أسسلها الخليفة الأول أبو بكر الصديق خلال الفترة بين وفاة النبي وبين دفنه، بالتحديد في “سقيفة بني ساعدة”، عشان كده صناع المسلسل “التاريخي” كانوا مضطرين يواصلوا تنفيض للتاريخ؛ فيقدموا واقعة احتضار النبي ووفاته من خلال مشاهد معتمدة على مشاعر الحزن الجماعي.. وكلمتين من “أبو بكر الدرامي” على دمعتين من “معاوية الدرامي” واتعشت على كده، وهوب نلاقي نفسنا فيما بعد حروب الزكاة/الرِدة.

فيتفاجئ المواطن إن مسلسل المفروض يحكي “قصة الدولة الأموية التي كتبت تاريخا لا ينسى، امتد من الشرق إلى الغرب” تفادى إنه يحكي لحظة التأسيس لفكرة “دولة الخلافة”.. وشرعنِة إن الحكم فيها قَبَلِي وقيادتها حِكر على قريش، لحظة فارقة نقدر نتعرف عليها -طبقًا لرواية أهل السُنة- من الفيديو التالي.

YouTube player

أزمة السردية السُنية/الأموية

تفادي المسلسل “التاريخي” لوقائع “التاريخ” مش بس بسبب الفرق بين “معاوية التاريخي” ومشروع “معاوية الدرامي”، إنما كمان لإن السردية السُنية للتاريخ الإسلامي بتتحاشى بروزة وضع “الانصار” -أهل يثرب- بعد “فتح مكة”، والمسلسل طبقًا لإيقاع سرده حاطط “غزوة حنين” ووفاة النبي في حلقة واحدة.

إقرأ أيضا
معاوية

فالجمهور يشوف في بدايتها أزمة تقسيم الغنايم وأسبابها وحل النبي ليها وكلامه للأنصار، وفي نُصها يشوف إزاي بعد وفاة النبي تم تأسيس “دولة الخلافة” على قاعدة “الحكم لقريش”.. واستبعاد الأنصار من سباق السلطة للأبد.

ثم بمرور الحلقات يشوفوا بطل الحدوتة بعد ما أسلم كنتيجة لسيطرة جيش المسلمين (اللي أتكون وبقى قوي بفضل الأنصار) على مكة، وبعد ما كان بياخد حوافز مادية (أثرت بالسلب على نصيب الأنار من الغنايم) لاستمالة قلبه أكتر للإسلام، بيمسك السلطة ويحكم  ويأسس “الدولة الأموية” ويورث حكمها لإبنه “اليزيد بن معاوية”.

متوالية أحداث مش هتمشي مع شخصية “معاوية الدرامي” اللي صناع المسلسل عاملينها على أيديهم؛ وفق انحيازات سياسية أو مذهبية.. أو مزيج من الإتنين، مزيج هيؤدي في الحلقات الجاية للمزيد من تفادي التاريخ.

الكاتب

  • معاوية رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان