معضلة التحولات الدينية في مصر
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
لا ريب في أن التحولات الدينية للإنسان صادم تماما للأخرين، ومثير للشكوك وفاتح لأبواب الأسئلة، غير أنه وارد جدا مع ذلك، جرى فيما فات ويجري على الدوام، يتحول الشخص من الإسلام إلى المسيحية، أو العكس، وقد يكون جريئا ويعلن الأمر ويحكي التجربة، لا سيما إذا ابتعد عن بلاد تدعي حرية العقيدة لكنها لا تؤمن بها واقعيا، وقد يكتفي بلذته الروحية، كنتيجة لهذا التحول، فلا يكلف نفسه عناء البوح بالأسرار..
موضوع التحولات الدينية من الموضوعات الشائكة في مصر، قد يكون كذلك في معظم البلاد العربية والإسلامية، إلا أن بلدي تهمني أكثر بالبداهة، كما أن مصر قائدة بالفعل؛ فما تفعله قد يفعله سواها بعدها مقتديا بها وما لا تفعله قد تمتنع عن فعله البلاد الشبيهة بلا مناقشة!
الموضوع في مصر ديني واجتماعي وأمني، هذه هي العناصر المتحكمة فيه، يمكن إعادة الترتيب طبعا بحسب التجربة والخبرة الخاصتين بكل فرد، لكنني أرى العنصر الديني في المقدمة؛ فالموضوع، في الأول والآخر، نرك دين واعتناق آخر، مهما أزعج الأمر رجال الدين أو أربك يقين بعضهم.. وبالمناسبة فقد تغلق الكنيسة أبوابها في وجه الوافد إليها من المسجد خاضعا لملتها؛ لأنها لا تحب الصدام مع المتشددين الإسلاميين، وتؤثر الحفاظ على مبانيها من الإحراق والتدمير وعلى معانيها من الذم والتحقير، وقد يفعل المسجد الشيء نفسه مع الوافد إليه من الكنيسة خاضعا لملته؛ لأنه لا يحبذ أن يتهمه المتهمون بالخطف والأسلمة، وطالما يقول المسيحيون مثل هذه الأقاويل بصرف النظر عن التثبت من صحتها، وهي التي يمكن أن تصيب المسلمين بصداع هم في غنى عنه.. ولكنهما، أعني الكنيسة والمسجد كليهما، قد يستولي عليهما إحساس زائف بانتصار ما، مع حالات التحول الديني إليهما، فيفتح كل منهما أبوابه لمن يفد إليه من الناحية الثانية!
أظن الأسباب التي تجعل إنسانا يغادر عقيدته بسيطة، على عكس ما قد يتصور كثيرون من الباقين، أظنها تنحصر في عدم اطمئنانه النفسي بالذات، سنجد ذلك أمامنا باستمرار مهما تعددت الأسباب ولذا يمكننا اختصارها فيه، وعندما يجد الإنسان ما تفتقده نفسه في دين سوى دينه يهرع إلى دينه الجديد ويشكر السماوات التي دلته عليه.. لكنه يخاف، أكثر ما يخاف، من مجتمعه المحيط به؛ كيف يواجه قبيلته المسلمة، وهذا خطير لأقصى درجة، بكونه تعلق برداء السيد المسيح؟! وكيف يواجه أهله المسيحيين بكونه اتخذ محمدا نبيا ورسولا؟!
الحالة الأولى أخطر طبعا؛ لأن المجتمع أكثره مسلمون، ولأن الدستور المصري نفسه يقول في مادته الثانية “الإسلام دين الدولة الرسمي، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”.. هكذا بالرغم من أن الدول تعد كيانات اعتبارية لا دين لها، كما أن العامية المصرية أقرب إلى أغلبية المصريين من الفصحى، وأخيرا فإن المعلوم للجميع أن الرئيس السادات انفرد بتعديل المادة الثانية في دستور 71 مضيفا “ال” التعريفية إلى كلمة “مصدر” فصارت “المصدر”، وتبعها الكلمة التي بعدها في التعريف طبعا..
المهم أن مصيبة المسلم الذي يترك الإسلام في بلادنا أكبر من مصيبة المسيحي الذي يترك المسيحية؛ فالمسيحي المرتد قد يهاجر بلا معاناة لأن له أصدقاء وأعوانا في المهجر الغربي، أو يحتمي بالأكثرية المسلمة في الداخل، وأما المسلم المرتد فالعراء مأواه ما لم يقو على الهرب، وهو، للأسف، ليس وثيق الصلة بالبلاد المقصودة كمواطنه المسيحي، وسيواجه التكفير بالقرآن وإهدار الدم بالسنة.. ومهما قال القائل اللطيف العارف رافض التكفير حاقن الدماء: دعوه وما ابتغى لنفسه! فإن عموم المسلمين سيصرون على وصمه بالكفر، وجماعات منهم ستسعى فعليا إلى قتله!!
العنصر الأمني للموضوع يتجلى في تحقق الإدارة الأمنية المعنية من صدق التحول الديني لحالة من الحالات، “الأمن الوطني” بالتحديد هو الجهاز المختص هنا، معنى التحقق أي أن الانتقال من دين إلى آخر تم بدون إجبار أو ملابسات مريبة تستدعي التدخل البحثي الحاسم لكيلا تنبني على الواقعة الشخصية فتنة من الفتن وتتسع فثير قلاقل عامة لا داعي لها، يرى بعض المحللين أن وجود الأمن في الموضوع يسيسه فيفرغه من مضمونه (كأن المضمون خال من السياسة أساسا!)، وأرى وجوده النزيه ضروريا للأمانة؛ لأن فكرة التحقق من استقلال الإرادة الشخصية للمتحول الديني شديدة الأهمية؛ فنحن نعيش في بلاد تملؤها الشائعات المغرضة ويجللها التعصب للأديان، ولا سبيل إلى الخلاص من كل ذلك سوى بحضور أمني قوي مهيب، جدير به أن يتحرك سريعا غير منحاز إلا إلى الحقيقة المجردة، وأن يستخدم سلطاته القانونية في الحدود التي تحفظ كرامة الإنسان وتماسك الدولة في آن واحد.. ههنا أوصي باعتبار الطرف الأمني طرفا إيجابيا لا سلبيا بالنظر إلى دوره الجاد سابق الذكر؛ وعلى هذا لا يجب تهوين مسؤوليته أو تهويلها، ولا يجب بلبلة الخلق بشأنه، لأنه جوهري في القصة وليس مقحما فيها، وإخراجه من المعادلة يقلب حكمه المنتظر المرجو عدله قلبا، بل قد ينشأ عن معارضة وجوده تيار منفلت دينيا ودنيويا بالجملة، عقباه التعقيد وليس التبسيط كوهم الواهمين، ولا يصح من الأساس أن يكون عنصر من عناصر موضوع غاص بالإشكاليات غاصا بها هو الآخر، لا لشيء إلا لأن هناك محتجين عليه لا شواهد قطعية بأيديهم؛ فعناصر الموضوع مهمتها فك شفراته المستعصية لا تأكيدها، وكل عنصر هو أصل كاشف لبعد معين من الموضوع أو مجموعة من الأبعاد!
يبقى أن المسلم المتحول إلى المسيحية لن يزيدها شرفا، والعكس صحيح، وأن جميع المعارك التي تنشأ عن هذا الموضوع مفتعلة وبائسة، وأن الإنسان حر في اختياره حقا، وكونه يتحول إلى دين خلاف دينه فهذا أفضل من بقائه منافقا بأجواء طقسية لم يعد يأنس بها على الإطلاق، والله تعالى من وراء القصد!!
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد