مفاتيح العودة.. أمل فلسطين الذي لا ينقطع
“المشهد نفسه يتكرر نفس الأحداث ونفس الهجمات لكن التأريخ من تغير”.. في العام 1947 وبعد إعلان الحكومة البريطانية عن خطتها لإنهاء الانتداب البريطاني على أرض فلسطين، تبنت الأمم المتحدة القرار 181 والذي دعا لتقسيم أرض فلسطين لدولتين عربية ويهودية على أن تكون القدس تحت إدارة الأمم المتحدة.
هذا القرار تسبب في تخصيص نحو 55% من الأرض لليهود، والجزء الأخر للفلسطينيين الأمر الذي لم يلقى ترحبيًا من الجانب الفلسطيني لأنه ينتهك ميثاق الأمم المتحدة فيما يتعلق بحق تقرير المصير.
لكن الأمم المتحدة في ذلك الوقت كانت قد أعلنت عن تصويتها لصالح قرار تقسيم الأرض وإقامة دولة لليهود وأخرى للعرب.
وفي يوم 14 مايو من العام 1948 أعلنت بريطانيا انتهاء انتدابها على فلسطين، وفي الوقت نفسه أعلنت إسرائيل عن إقامة دولتها لكن قبل إعلانها الاستقلال بعدة أشهر وقبل إعلان بريطانيا إنتهاء الانتداب قامت الأخيرة بتدريب كل اليهود ومنحتهم أسلحة كبيرة تمكنهم من القيام بأي مجازر حيث أطلق عليهم وقتها بـ “العصابات الصهيونية”
وهو ما يؤكد المناوشات والاشتباكات التي دارت بين مليشيات عربية وأخرى يهودية والتي أسفرت في النهاية في نزوح الكثير من الفلسطينيين. وفي أوائل العام 1948 صعد اليهود هجماتهم على الفلسطينين وقاموا بالاستيلاء على مناطق كبيرة مخصصة للعرب، ومن هنا كانت إسرائيل قد باشرت خطتها المتعلقة بتهجير الفلسطينين من أرضهم.
بعد تلك الهجمات نشبت أولى الحرب العربية الإسرائيلي، حيث شاركت بها كلًا من سوريا، ومصر، والأردن، ولبنان، والسعودية، والعراق وشاركت مصر والأردن بالنصيب الأكبر في الحرب، على أمل إنهاء انتهاكات إسرائيل في المنطقة.
لكن النتيجة كانت في ذلك الوقت لصالح إسرائيل وأطلق عليها وقتها حرب النكبة، واحتلت إسرائيل مناطق كانت مخصصة للفلسطينين وتسبب في تهجير نحو 800 ألف فلسطيني عام 1948 من قراهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة العربية المجاورة وآلاف آخرون هاجروا داخل نطاق الأراضي التي أخضت تحت سيطرة إسرائيل، وآلاف آخرون هاجروا خارج البلاد، ليكون إجمالي من تم تهجيرهم مليون فلسطيني، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الفلسطيني.
كما اقترفت إسرائيل الممثلة في العصابات اليهودية ﺃﻜﺜﺭ ﻤﻥ 70 ﻤﺫﺒﺤﺔ ﻭﻤﺠﺯﺭﺓ ﺒﺤﻕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻴﻴﻥ، واستشهد ﻤﺎ ﻴﺯﻴﺩ ﻋﻥ 15 ﺃﻟﻑ ﻓﻠﺴﻁﻴﻨﻲ.
عودة لا محال
كان من ضمن الـ 800 ألف فلسطيني الذين هاجروا خارج حدود الـ 48، مصطفى أبو عواد البالغ من العمر الآن 88 عامًا ، حيث كان وقت الهجرة في الثانية عشر من عمره وكان شاهدًا على المجازر التي شهدها الفلسطيني، وهاجر مع عائلته من قرية صبارين قضاء مدينة حيفا.
يقول “أبو عواد” لـ “الميزان” إن “بعد قرار بريطانيا في تقسيم فلسطين صارت مناوشات بين الفلسطينيين واليهود لعدم قبول الفلسطينين بأمر التقسيم وهو بالآخر مشي قرار التقسيم لصالح اليهود”
يضيف:”وسط رفض فلسطيني كبير، طبعًا بريطانيا كانت محتلة فلسطين بهذاك التاريخ حست ممكن يصير في حرب كبيرة، فاحضرت كل اليهود وعملت اشي اسمه “العصابات الصهيونية” دربتهم كتير كويس علشان يقدروا ينفذوا المجازر بحق الفلسطينيين وجابت لهم سلاح بكمية كبيرة من بين هاي العصابات هي عصابة الهاجانا و عصابة الإرجون وعصابة الشتيرون وعصابة بيتار وعصابة بلماح وغيرهم”
يؤكد “أبو عواد” أنه عندما حل العام 1948 هجمت العصابات المتطرفة على القرى الفلسطينية واستشهد عدد كبير من الفلسطينيين وتشرد المئات منهم وقامت إسرائيل بالسيطرة على مدينة طبريا إحدى المدن الواقعة في شمال فلسطين وبدأوا في بناء المستوطنات في ساعات الليل حتى لا يكتشف المواطنين مخططهم الاستياطاني.
بدأت إسرائيل في تكثيف هجومها على الفلسطينيين وتسبب في قتل وتشرد المئات منهم، يتذكر “أبو عواد” تفاصيل تلك الأيام حيث تم تهجيره هو وعائلته قبل حرب النكبة بثلاث أيام وتحديدًا في يوم 12 مايو 1948، وبعد اندلاع الحرب التي تسببت في تهجير نحو ربع مليون فلسطيني قسرًا، حاولت عائلته العودة إلى ديارهم من أجل جلب بعض ممتلكاتهم وعندما عادوا إلى قريتهم رأوها مطوقة بشكل كامل من العصابات الصهيونية والتي كانت ترى أي فلسطيني تقوم بقتله ليعود ما أهله بخفى حنين.
بعدما نزح مع عائلته إلى محافظة جنين الفلسطينية عاشوا حياة ذل وإهانة –على حد وصفه- فمنهم من نام داخل كهوف وتحت الشجر، رغم وعود الاتحاد اللوثري ببناء مخيمات للاجئين في منطقة قريبة من مقبرة الشهداء الفلسطينيين والعراقيين الواقعة في مدينة برقين التابعة لمحافظة جنين بالضفة الغربية حتى تم بناء المخيمات.
وبعد مرور عدة سنوات وتحديدًا في العام 1951 حل فصل الشتاء على المناطق التي أقيمت بها المخيمات، وكان فصل الشتاء في تلك السنة يصاحبه سقوط ثلوج ما زاد الوضع سوءً حيث تسبب في اقتلاع الخيم، ليضطر اللاجئين الفلسطينيين الذهاب إلى مدينة جنين وبرقين وقباطية، لتقرر بعدها وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين “أونروا” –المنظمة الوحيدة التي تقدم الخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين البالغ عددهم 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني في 5 مناطق أساسية وهى قطاع غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا- عمل مخيمات آخرى لهم.
كانت تكلفة تلك المخيمات مرتفعة للغاية وهو ما جعل “الأونروا” تقوم بإرسال اللاجئين إلى مخيم نور شمس الواقع داخل مدينة طولكرم بحسب حديث “أبو عواد” والذي يوضح أن المخيم في تلك الفترة من الزمن كان بالأساس سجن للأسرى الفلسطينيين خلال فترة الاحتلال البريطاني وكان يوضع فيه الفلسطينيين المقاومين اللذين حكم عليها بالإعدام.
يستكمل “أبو عواد” حديثه متذكرًا ما حدث وقتها:”بعدها بفترة أجت استلمت الأردن حكم المناطق الفلسطينية لأن بهديك الفترة كان ممنوع على الفلسطيني عمل دولة عاشو فترة بعهد الحكم الأردني حتى جات حرب نكسة 1967″
رغم مرور 76 عامًا من حرب النكبة لكن لا يزال “أبو عواد” محتفظًا بأوراق ثبوت حقه في أرضه بحيفا مكتوبًا عليها الحكومة الفلسطينية وهو ما يدل على وجود فلسطين تاريخيًا قبل وجود الاحتلال الإسرائيلي، وأيضًا مفتاح دياره على أمل العودة والتي يتوارثها الأجيال جيلًا بعد جيل.
يقول “أبو عواد” “الكبار بيدرسوا أطفالهم وأحفادهم أن في إلكم مسقط رأس وتراب تتمرمغوا فيه ولا بد من العودة آجلًا أم عاجلًا”..
حلم مؤجل
كان من ضمن الذين هاجروا وقت النكبة خارج حدود فلسطين عائلة محمد أيوب والتي كانت تقطن ببلدة عرب زبيد قضاء مدينة صفد في منطقة الـ 48، لتكون مقصدهم الجديد في سوريا.
يحكى محمد أيوب ما حدث مع عائلته أثناء النكبة وفقًا لأحاديث والده وجده التي كانوا يقصوها عليه دائما. يقول:”وقت النكبة كان والدي عمره 14 عامًا وهاجر مع عائلته إلى سوريا بعدما هدد الاحتلال الفلسطينيين بالاعتقال والاغتصاب”
بعدما وصلت عائلته إلى سوريا وتحديدًا دمشق قامت الأمم المتحدة بنصب خيم وسميت بمخيم سبينة، وتولت منظمة الأونروا مسؤلية تقديم المساعدات الإنسانية لهم.
لم تكن حياتهم سهلة فبعد مرور سنوات اندلعت الحروب في سوريا الأمر الذي جعلهم يهاجرون مرة أخرى وفي تلك المرة على لبنان لتعيش العائلة آلم الهجرة مرة آخرى تأمل عائلته أن تعود فلسطين مرة أخرى وأن يفتحوا منزلهم والتي لا تزال مفاتيحه معه حتى الآن”
المشاهد التي حدثت في الـ 48 هى نفس التي حدث خلال 2023 و 2024 بحق الفلسطينين والتي تسببت إسرائيل في تهجير نحو 1.5 فلسطيني من شمال غزة إلى الجنوب بعد تهديدات من الجانب الإسرائيلي، بعدما زادت حصيلة الشهداء والمجازر التي ارتكبتها تل أبيب بحق الفلسطينيين.
لكن إسرائيل لم تتوقف عند هذا الحد بل تسببت بسبب الأعمال العدائية لها في رفح في نزوح أكثر من 448 ألف شخص إلى مناطق غير آمنة وسط تعميق معاناتهم، وفقًا لما قالته منظمة يونيسيف.
يعيش الفلسطينيين معاناة الهجرة مرة آخرى وسط انتهاكات من جانب الاحتلال الإسرائيلي، على أمل انتهاء تلك الحرب والعودة إلى ديارهم مرة أخرى.
إقرأ أيضًا.. “تحقيق” في أرض الزيتون.. الاحتلال يحبس المياه عن البشر والشجر