همتك نعدل الكفة
487   مشاهدة  

من الأحق بالشفاعة؟

مقبرة المعلاة
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



الأقربون أولى بالشفاعة والمحبة وتمنى الخير، كان يقول له: «إنه أقرب الناس لدىّ، وأنا أتمنى له الخير، كل الخير، في الدنيا وفى الآخرة»

وكان أحمد النجار يرد: «إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ»..

الأب يحب ابنه بصدق ويتمنى أن يراه أفضل الجميع، والولد عابث وغير منضبط ويرى الحياة من زاوية خاطئة، وأحمد النجار يدرك حب الأب لابنه ورغبته الصادقة في تقويم الابن.

وقال الأب بعد أن فقد حيله: «لعل الله لن يسمع منى، لذا سأطلب من الشيخ مصطفى أن يدعو له»

والأسطى أحمد ابتسم لحظة ثم قال: «لا وساطة في الدين، لو كانت الوساطة تشفع لصاحبها لكان أولى الناس بها أبو طالب.

قبر أبو طالب في المعلاة بمكة
قبر أبو طالب في المعلاة بمكة

وأبو طالب عم النبي كان من وجهاء قريش، وكان صاحب كلمة، وكان هو من طيب غار حراء بذكر الله، وكان برمضان يصعد لحراء فيطعم المسكين رغم فقره.

وهو من تولى رعاية النبي محمد منذ صغره وتكفل به، وقد اشتهر بحبه الشديد للنبي، وعامله كواحد من أبنائه، بل ميزه عنهم وفضله، وحين بدأت الدعوة، وكثر أعداء الدين كان أبو طالب الدرع والحماية، حتى إن كبار قريش ذهبوا معترضين لأبى طالب فعرضوا عليه عمارة بن الوليد وقالوا: يا أبا طالب، هذا أنهد فتى في قريش وأجملهم. فخذه وادفع إلينا هذا الذى خالف دينك ودين آبائك فنقتله فإنما هو رجل برجل.

فقال: بئس ما تسومونني، تعطوني ابنكم أربيه لكم وأعطيكم ابنى تقتلونه؟ فقال المطعم بن عدى بن نوفل: يا أبا طالب قد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص منك بكل طريق. قال: والله ما أنصفتموني، ولكنك أجمعت على خذلاني. فاصنع ما بدا لك.

وأبو طالب تحمل الأذى وخاطر بأبنائه من أجل نصرة ابن أخيه، حتى إنه حين علم أن اليهود تخطط لقتل النبي خاطر وجعله يبيت بين أولاده ليختلط عليهم الأمر..

وحين جاء أشراف مكة وقالوا له: إما أن تخلى بيننا وبينه فنكفيكه. فإنك على مثل ما نحن عليه أو أجمع لحربنا. فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك على هذا، حتى نهلكه أو يكف عنا، فقد طلبنا التخلص من حربك بكل ما نظن أنه يخلص.

فبعث أبو طالب إلى النبي محمد فقال له: يا ابن أخي، إن قومك جاءوني، وقالوا كذا وكذا، فأبق علىّ وعلى نفسك، ولا تحملني ما لا أطيق أنا ولا أنت. فالكفف عن قومك ما يكرهون من قولك.

فأجابه النبي محمد: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه.

فقال أبو طالب: والله لن يصلوا إليك بجمعهم، حتى أوسد في التراب دفينا.. فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة، وابشر وقر بذلك منك عيونا.. ودعوتني وعرفت أنك ناصحي، ولقد صدقت وكنت ثم أمينًا.. وعرضت دينًا قد عرفته بأنه خير أديان البرية دينًا، ولولا الملامة أو حذار مسبة، لوجدتني سمحًا بذاك مبينا.

وأبو طالب اعتصم مع النبي والصحابة في شعب، وكانوا لا يأكلون غير أوراق الشجر لثلاث سنوات!..

من جبال شعب أبي طالب
من جبال شعب أبي طالب

فانظر إلى محبة أبى طالب لابن أخيه ومناصرته له! وإن كان يؤمن بكلام النبي محمد. غير أن خوفه من مسبة وملامة أهل قريش خلقت حائلًا بين الثبات على دين العشيرة ورضاء الأهل وكبار القبائل وبين تصديقه لدين النبي محمد ، فانظر ما أرسله للنجاشي ملك الحبشة مع المهاجرين المسلمين «تعلم خيار الناس أن محمدًا وزير لموسى والمسيح بن مريم، فلا تجعلوا الله ندًا واسلموا، فإن طريق الحق ليس بمظلم»..

وكان النبي محمد أيضًا شديد الحب لعمه ومربيه وحاميه، وكان حريصًا على إسلامه، وعند موته –وكان أبا الحكم وعبد الله بن أبى أمية- قال له النبي: أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاجُّ لك بها عند الله.

فقال أبو جهل وعبد الله بن أبى أمية: يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب..

فقال النبي محمد: لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنه.. ولكن النهى جاء من العلى القدير ونزلت الآية: «مَا كَانَ للنبي وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ».

فانظر كيف دافع أبو طالب عن ابن أخيه، وكيف ناصر دعوته وهى في مهدها وكان القضاء عليها سهلاً لولا حمايته، ورغم ذلك لم تشفع وساطة ولا دعاء له، بل نهى صريح في عدم الاستغفار له!

أما عن مصير أبى طالب بعد الموت فقد اختلف في ذلك المذهب السنى عن المذهب الشيعي، فأهل السُّنة كـ عباس بن عبد المطلب قال: ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك.

قال: هو في ضحضاح من النار، ولولا أنا لكان بالدرك الأسفل..

ويذهب بعض العلماء أنه أقل أهل الأرض عذابًا، وأنه سيقف على جمرة فتغلى رأسه من شدة حرارتها! أما عند الشيعة فهم يستندون لحديث جعفر الصادق: هبط جبريل على رسول الله فقال: يا محمد، إنّ الله عزّ وجل قد شفّعك في خمسة: في بطن حملك وهى آمنة بنت وهب بن عبد مناف، وفى صلب أنزلك وهو عبد الله بن عبد المطّلب، وفى حجر كفلك، وهو عبد المطّلب بن هاشم، وفى بيت آواك وهو عبد مناف بن عبد المطّلب أبو طالب، وفى أخ كان لك في الجاهلية»

وسكت أحمد النجار مفكرًا ثم قال: «وفى كل الأحوال فإن أبى طالب علمه عند من خلقه!»

وأحس الأب بالتشتت وبخيبة الأمل، ونظر إلى الأسطى أحمد وقال: «ولكنى سمعت من الشيخ مصطفى حديث عن إسلام أم أبى هريرة، وكان يقول فيه – وهو الحديث الذى رواه أبى هريرة نفسه-: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهى مشركة، فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله وأنا أبكى.

إقرأ أيضا
فراولة

قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى على، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدى أم أبى هريرة.

فقال رسول الله: «اللهم اهد أم أبى هريرة». فخرجتُ مستبشرًا بدعوة نبي الله، فلما جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجافٍ، فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة.

وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلتْ ولبستْ درعها وعجلتْ عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

قال: فرجعت إلى رسول الله، فأتيته وأنا أبكى من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله، أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبى هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرًا.

قال: قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا.

فقال رسول الله «اللهم حبب عبيدك هذا -يعنى أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين». فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني».

وابتسم الأسطى أحمد مرة ثانية، وسأل صاحبه: «لو كانت الهداية بالدعاء لما بقى على الأرض مشرك أو كافر! وكان أولى بالدعاء أبى طالب فهو وأم أبى هريرة على النقيض، ذلك عم النبي ومربيه وحارسه ومن دفع عنه الأذى، وتلك تسب النبي! فكيف يستجيب الله هنا ولا يستجيب لمن نصر دعوته ونبيه؟ ثم من هي أم أبى هريرة من الأساس؟ وكيف جاءت من بلدتها وحكاية أبى هريرة نفسها وقدومه للمدينة لم يذكر فيها عن أمه شيئًا!

ثم انظر للآية «إنك لا تهدى من أحببت» وانظر للحديث وسرعة الاستجابة بل وأيضًا في الدعاء له أن يحبه كل مؤمن بل وأصبح –طبعًا- من دلائل الإيمان أن تحب أبى هريرة وأم أبى هريرة حتى وإن لم ترهما! يا صديقي العزيز «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»

فالتغيير والتقويم ينبع من داخل الإنسان، وإلا كان غير حقيقي، والتغيير يأتي حين يدرك الفرد أنه فى مشكلة وأنه في حاجة للتخلص من تلك المشكلة، ودون الإحساس الفردي والداخلي بالمشكلات لن يأتي التغيير أبدًا.

الكاتب

  • بالشفاعة عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان