همتك نعدل الكفة
183   مشاهدة  

من ذكريات تجارة الكلوتات

  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



الوقفة على فرش داخلي حريمي، زي أي شغلانة في الحياة ليها مهاراتها وقواعدها الخاصة بيها. والمهارات الأساسية في الشغلانة دي تلاتة:

–         رص الفرشة وحفظها.

–         تحديد مقاسات الزبونة من بصة واحدة.

–         ألا يكون البياع بيريل ع الحريم.

مهارات ضرورية

أول مهارة ضرورية لضمان سهولة وصول الزباين لطلباتهم فالمُبيع يزيد ويزيد معاه المكسب تلقائيًا، والمهارة التالتة ضرورية لمواجهة عصابات النسوان المتخصصة في تغفيل البياعين، أما تاني مهارة، واللي لسه ملازماني لدلوقتي، فمسؤولة عن مساعدة البياع على المهارتين التانيين.

الفرش عبارة عن تابلون[1] خشب محطوط على أربع براميل كارتون، عمري ما عرفت نوع الاستخدام الأصلي للبراميل دي يطلع إيه؟، التابلون معمول فيه فتحة زي بتاعة صناديق البريد، مفروش عليه ملاية غالبًا كاروهات محطوط عليها البضاعة؛ وبالطريقة دي يقدر البياع في ثواني يلم الملاية ويجعلها بؤجة يلفحها على ضهرُه ولو معاه زميل يلفح هو التابلون من الفتحة ويجروا وسط الزحمة في لحظة تهجم فيها البلدية.

حصة عملي

فرشة الداخلي الحريمي ليها رَصّة مُعينة بيتوارثها البياعين جيل بعد جيل؛ فكنت في كامل تركيزي لمدة جُمعتين وأنا باقف كل يوم في تمام السابعة صباحًا كبياع تحت التمرين يتتلمذ على يد البياع المُخضرم “معلِم حسن”، 12 يوم رَّص فيهم المعلم حسن الفَرشَة ببطء وهو بيشرح كل خطوة وأهميتها، وبيرد على كل سؤال بسأله.

البداية مع السنتيانات البوش آب يتبني بيها سور ناقص ضلع داير مايدور حوالين الفرشة، وفي نُص التابلون البضاعة بنوعينها “السنتيانات العادة والكلوتات“، متقسمة يمين وشمال، وكل ده مرصوص حسب المقاسات.

وطبعًا البياع لازم يبقى حافظ الرصة زي أسمه فلما تخش الزبونة يرفع مقاساتها من أول نظرة.

–         ليكي؟

–         أه

فيشاور لها ع الركن اللي مقاسها موجود فيه، أما لو قالت مش ليها فيسألها

–         مقاس مين؟

هنا من حقها عادي جدًا تعمل بعنيها عملية مسح جيولوجي لجغرافية النسوان الموجودة حوالينا بالصدفة، واحدة معدية ولا واقفة تشتري من نفس الفرشة ولا فرشة غيرها.. وتشاور ع اللي تلاقيها مناسبة أو قريبة من المقاس المستهدف.

–         زي العروسة كده.

فبرضه بنظرة واحدة يحدد البياع المقاس ويشاور ع المكان المناسب إنها تدور فيه، وبالطريقة دي تتم حماية الفرشة -بنسبة كبيرة- من النَعْكَشَة الناتجة عن البحث العشوائي. وطبعًا كل ما الرِجْل تخِف يتم ترميم الرصة بحيث ترجع زي ما كانت، وبكده نضمن إن مافيش زبونة طلبها موجود وماتعرفش توصل له بسبب إن الفرشة منعكشة.

ذكريات تجارة الكلوتات
فروشات في العتبة

معلِم حسن

معلِم حسن شخصية درامية بامتياز، فعلى مستوى الشكل الخارجي يَدّْي إنطباع إنه كراكتر[2] مزَوّغ من مسرح العرايس وبعد الوردية بيروح ينام وسط أصحابه الحقيقيين في مسرح العرايس، القريب من مكان الفرشة.

كُتلة (خبرات المهنة والحياة + صرامة وحَسّم + خفة دم) أبعادها حوالي 70سم عرض × 40سم سُمك، وبارتفاع 150سم تقريبًا، هكذا هو المعلِم حسن. حجم دماغه الكبيرة مع جسمه المدَملِّك؛ تكوين كاريكاتيري، بيوصل أي حد يشوفه لحاجتين:

  • مستحيل ينساه بسهولة.
  • رغبة شديدة في الضِحك.

المعلِم حسن، أو “أبو علي” زي المُقربين منه ما بينادوه، أمتَلَك كِرش مميز؛ جسم مكور تمامًا وصُغَيَر، مايمنعش صاحبه يشوف نُصه التحتاني، جسم شديد القوة زي ما أكتشفت في أحد الخناقات، بس في نفس الوقت شديد المرونة زي ما أتفاجئت في فرح ابن واحد من كبار معلمين الموسكي.

أي حد يشوف “أبو علي”، خصوصًا لأول مرة، لازم هيبتسم ابتسامة كبيرة.. للتغطية على محاولة منع نفسه من الضحك. فجنب التكوين الكاريكاتيري تميز “أبو علي” بملامح طفولية، راكب عليها عيون شخص عَركَتهُ الحياة وعَرَكّْها وجرجروا بعض في الأقسام والمحاكم من سنين.

جنب العيون القوية تَعَمّْد رسم شنب أكبر وأتقل من شنب ستيفان روستي بمقدار الضعف تقريبًا، فوشُه بقى هجين من البشاشة المقهورة، في وشوش الأقزام اللي كانوا بيطلعوا في المصارعة أو فقرات السيرك أياميها، وبين سفاح لاتيني كلاسيكي من بتوع أفلام الأكشن الأمريكاني.

إقرأ أيضا
بطن الحوت

فعود “أبو علي” نفسه إنه يبتسم ابتسامة عريضة في وش كل حد يكلمه، كإنه بيرفع الحرج أو بيحط الطرف التاني مكانُه، بس كان ذكي كفاية إنه عمل لنفسه لازمة كلامية ترسم حوالين المشهد كله برواز من الوِد.

  • صباحك كلُه رزق.

سلوجن مميز ولطيف بيستقبل بيه “أبو علي” أي حد، وبينهي بيه أي لقاء من عشرات اللقاءات اليومية القصيرة، وكإنه توقيع أو خِتم بيأكد بيه على نهاية الحوار وإنه هيفضل عالق في ذاكرة أي حد يكون أول مرة يشوفه.

ذكريات تجارة الكلوتات
الفنان ستيفان روستي

خبرات متراكمة

كان شخص امتلك من الخبرة الحياتية قَدْر يخليه مُدرك كويس جدًا لعيوبه أو نواقصه وإزاي يحولها لنقاط تميز، فكانت الجدية والصرامة في الشغل مع محيطه الثابت وسيلة مناسبة جدًا لمعادلة الإنطباع الكوميدي الناتج عن تكوينه الجُسماني.

والعنف الشديد في الخناق مع الوقت أثبت فاعلية شديدة في إستباعده من خانة “الحيطة المايلة” في دماغ أي حد من عالم السوق.

لكن نفس التكوين ده مع خفة الدم كانوا رخصتُه الخاصة جدًا للهزار مع الزباين بدرجات متفاوتة من الأباحية، من أول الكلام المتغطي ماركة “أنتي اللي هتلبسيه” كسؤال ينفع يكون مهني عن المقاس، لغاية الشقط المكشوف بجُمل تضحك من نوعية “عندي بروفة قريبة لو عايزة تقيسي“.

وصولًا لإنه ينادي من تركيبُه “خشي يا مدام خشي يا مدموزيل.. شغلنا يظبط الموجود ويداري العيوب“، أو يستلهم من تراث أغاني التنجيد “يا منجد علي المرتبة.. وأعمل حساب الشقلبة” كنوع من الدعاية للفرشة.

من “المعلِم حسن” أو “أبو علي” إتعلمت كل ما له علاقة بالشغلانة، لكن يظل درس الوقاية من عصابات النسوان هو أهم درس خلال جُمعتين التدريب عل أيد معلِم حسن، عَرَّابِي في مجال تجارة الكلوتات. درس محتاج يتحكي لوحده على رواقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]) تابلون: تابلوه
[2]) كراكتر = شخصية

الكاتب

  • رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
6
أحزنني
0
أعجبني
4
أغضبني
0
هاهاها
5
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان