نعتذر لك يا دنقل.. عندما رأينا طفلك الذي تركته على كتف أمه علمناه كيف يحلم
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في مرحلة من الهزيمة والانكسار للنخبة المثقفة في مصر-عندما كان لدينا نخبة مثقفة-استعان الشاعر أمل دنقل بقصة سبارتاكوس في قصيدته (كلمات سبارتاكوس الأخيرة) حتى يحاكي واقع هذه النخبة في الستينات، سبارتاكوس هذا العبد الحالم بالحرية والكرامة، والذي أخذ يصارع الوحوش في حلبات الرومان لتسلية السادة حتى سنة 73 ق.م وفي كل صراع كان يحلم بأن يكون الأخير وينال حريته، إلا أنه في النهاية هزم على يد ماركوس كراسوس عام 71 ق.م، وانتهى الأمر بصلب سبارتاكوس وآلاف المجالدين على طول طريق روما، ولكن نظرة أمل دنقل لنهاية سبارتاكوس لم تكن بهذا القدر من الخضوع بقدر ما يراه حتى انحناء بطل أمل دنقل كان به عزة نفس فيقول: “معلق أنا على مشانق الصباح.. وجبهتي بالموت محنية.. لأنني لم أحنها حية!”.
وبسبب الحالة الانهزامية التي ظهرت في كلمات أمل دنقل في قصيدة (كلمات سبارتاكوس الأخيرة) زادنا من الشعر بيتاً أخر عن الانهزامية فيقول: “وإن رأيتم طفليَ الذي تركتُه على ذراعها .. بلا ذراع فعلِّموه الانحناء” ولكن رغم كلمات دنقل التي تشعر وكأنها تحكي واقعنا، اعتقد أنه علينا ألا نقف نحن أيضًا مكتوفي الايدي أمام كل هذا القدر من الانهزامية، وأن نقوم وننفض غبار الحزن ونتمسك بحقنا في أن نحلم.
حتى طفل أمل دنقل له الحق في الحلم
الأحلام.. هذه الأفكار والتخيلات الملونة التي تأخذنا خارج حدود الزمان والمكان، نهرب لها مهرولين كالطفل الذي يبحث عن لعبته التي لم يسمح له والده بامتلاكها في الحقيقة، الحلم حق أصيل لكل إنسان لا يمكن أن ينتزع منه مهما كانت سلطة ونفوذ سارق هذه الأحلام، ورغم جمال قصيدة أمل دنقل (كلمات سبارتاكوس الأخيرة) إلا أنه علينا الوقوف أمام أنفسنا ونتسأل هل كون أباءنا هزموا.. فعلينا نحن الانحناء!
بس انت تغني وأحنا معاك.. ولكن عد لنا عمرو دياب الذي عاهدنا
يقول المثل الشعبي (يخلق من ضهر العالم فاسد) ولكن هناك ألاف القصص والتجارب الشخصية التي تثبت أنه (يخلق من ضهر المهزوم منتصر)، بالتأكيد نحن كلنا نمتلك جزء من صورة وطبيعة أباءنا، ولكننا أيضًا من نمتلك المفتاح الحقيقي لأرواحنا، فكم من أشخاص بيننا استطاعوا أن ينتصروا على نقاط ضعف آباءهم وأصبحوا صور مخالفة تماماً لهم، وبالنسبة لي يمكننا أن نلاحظ ذلك بقوة في عالم الفتيات الشرقيات، فرغم محاولات المجتمع بأكمله بتعليمهم (الانحناء) إلا أننا نشاهد تمردهن على كل عفن المجتمع الذي يرفض أن يرفعن رؤوسهن ويطالبن بأن يكن هن كما يحلوا لهن وليس كما يريد المجتمع.
ولم تكن الفتيات فقط هن اللائي رفضن الانحناء، ولكن هناك أجيال كاملة خرجت عن صمتها وحاولت أن (تحلم بعالم جديد)، والأمر هنا لا ينحصر فقط في التحركات السياسية في الوطن العربي كله خلال السنوات الماضية، ولكن أيضًا في كل مهنة خرجت أجيال جديد تحلم بتحطيم التابوهات بهذه المهن، ولا يمكن لأحد أن ينكر أننا حققنا انتصارات حتى وإن كانت صغيرة ولكنها لم تكن هينة على الإطلاق.
ماذا لو تبادل غسان كنفاني وغادة السمان رسائلهم في 2020؟
ولأن كل الانتصارات الكبيرة بدأت بأحلام صغيرة وصفها الكثيرون بأنها جنون، أحلام خرجت من رحم اليأس والانهزامية، وعلى الرغم من صعوبة واقعنا الذي لا يحترم أحلامنا، فمازال وسيظل مشهد عادل إمام الأخير في فيلم (اللعب مع الكبار) للمخرج شريف عرفة، عندما كان يصرخ في وجه الرصاص بجوار جثة علي الزهار (أنا هحلم) هي رد جيلي وأبناءه على انهزامية أبناء جيل دنقل، فنحن هنا بأحلامنا حتى وإن لم يسمعنا أحد.
الكاتب
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال