“ننشر الكلمات الأصلية” لماذا حَلَّت إحسان مكان بنت السلطان في أغنية وحوي يا وحوي ؟
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بث أثير الإذاعة المصرية في شهر الصيام عام 1354هـ / نوفمبر 1935م أغنية وحوي يا وحوي والتي كانت من أوائل أغاني رمضان بصوت المطرب أحمد عبدالقادر إذ ظهرت لأول مرة كاسطوانة عام 1930م.
وحوي يا وحوي .. الأصل والجذور
تاريخيًا فإن كلمات وحوي يا وحوي أقدم من الأغنية وأقدم من الإذاعة، نظرًا لكونها فلكور شعبي مصري شهير ارتبط ارتباطًا لصيقًا بالأطفال، وعنها يقول المفكر أحمد أمين «أغنية منتشرة في رمضان بين الصبيان، يجتمع الأطفال بعد الفطور وبأيديهم فوانيس صغيرة مضاءة بالشمع، زجاجها ملون بألوان مختلفة، من أحمر وأخضر وأزرق وأصفر، وينشد منشدهم: وحوي وحوي! فيجيب الآخرون إيَّاحة».[1]
منذ أن تعودت الأذن المصرية على وحوي يا وحوي وحتى الآن فإن معاني كلماتها ظلت لغزًا بالنسبة لكثيرين وهل لها جذور مصرية قديمة لها صلة بالملكة إياح حتب وواحة الانتصار أم أن لها جذور قبطية كما نوهت على ذلك جريدة الأهرام في عدد 24 إبريل عام 1934م.
إلا أن الرأي الراجح ما ذهب إليه أيمن غالي من أن كلمتي وحوي وإيُّوحا وإيَّاحا ذات جذور مصرية قديمة وقبطية؛ وترجمتها أن وحوي مشتقة من كلمة واح والتي لها 3 معاني هي «اصبر، استمر، تحمل»، أما إيوحا/ إيَّاحا فهي مشتقة من 3 كلمات «إعح، إيعح، إيح» والذين يعنوا بالعربية «القمر»؛ وفي القبطية باللهجة الصعيدية القمر له اسمين هما أُوُّوح ويوح»؛ وبالتالي فإن المعنى العام للكوبليه استمر أيها القمر، اصبر علينا أيها القمر أو تحملنا أيها القمر؛ كون أن كلمة واح تعني استمر.[2]
كلمات وحوي يا وحوي الفلكلورية قبل بث الأغنية
ينفرد موقع الميزان بنشر كلمات وحوي يا وحوي الفلكورية التي كان يغنيها الأطفال قبل أن يغنيها الفنان أحمد عبدالقادر، وقد نُشرت الكلمات لأول مرة في مجلة كل شيء والدنيا، عدد 26 فبراير عام 1930م، ص5؛ وتقول الكلمات (التي سنشرح كلماتها المُشْكَلَة في الهوامش) :-
وحوي يا وحوي، إيوحة
بنت السلطان، إيوحة
لابسة قفطان، إيوحة
بشراريبه[3]، إيوحة
يلا نجيبه، إيوحة
ياما حوينا وما جينا، ياللا الغفار
لوما (……)[4] لما جينا، ياللا الغفار
يمد إيده ويدينا، ياللا الغفار
يدينا 200 ريال، ياللا الغفار
نروح بهم على بر الشام، ياللا الغفار
نجيب زقيقي للعصفور[5]، ياللا الغفار
اللي ينادي فوق السور، ياللا الغفار
ويقول يا ناصر يا منصور، ياللا الغفار
إدونا العادة، ياللا خليكو
لبة وقلادة[6]، ياللا خليكو
الشمعة فرغت[7]، ياللا خليكو
والفانوس طقطق[8]، ياللا خليكو
والعيال ناموا، ياللا خليكو.
للمفارقة القدرية فإن محرر مجلة كل شيء والدنيا طالب بضرورة نظْم أناشيد أخرى بدلاً من وحوي يا وحوي وقال عن ذلك «أغنية وحوي وحوي ليست بمجهولة في عالم الفن رغم ما فيها من غرابة في الألفاظ يقف أمامها مختار الصحاح مكتوف الأيدي، وهل لشعرائنا الأفاضل أن ينقذونا منها ومن أتباعها بنظم أناشيد تتمشَّى مع روح التقدم الحالي ترددها الأطفال؟».
يمكن إدراك قوة تأثير ذلك الفلكلور بالنظر إلى تراث رسام الكاريكاتير صاروخان، والذي استخدم كلمات تلك الأغنية في قصيدة زجلية ساخرة ترحب بحكومة نسيم باشا الثالثة وكتب في الرسم الكاريكاتيري الذي نشره بمجلة آخر ساعة، يوم 8 ديسمبر 1934م، ص33، تلك الكلمات التي سنشرح معانيها المُشْكَلَة في الهامش والتي تقول:
وحوي يا وحوي، إيوحة
أهو راح عهدك يا سي توحة[9]
لولا الإعانة ما جينا ولا تعبنا رجلينا
إكبش فلوس وإرمي علينا باللوحة[10].
عاوزين نشوف حلمي عيسى[11]، زمانه داير بيسيسه
وإلا بيسرح بهريسة في الساحة
عاوزين في عهد نسيم باشا ناكل قطايف وبغاشة
ما دام نظام صدقي[12] اتلاشى بالراحة
وحوي يا وحوي إياحة.
لماذا إحسان بدلاً من بنت السلطان في أغنية وحوي يا وحوي ؟
نجح الشاعر حسين حلمي المانسترلي في تغيير الكلمات الفلكورية التي نشرتها مجلة كل شيء والدنيا بشكل يناسب فهم الأطفال، وساهم لحن أحمد الشريف مع صوت أحمد عبدالقادر في شهرة الأغنية ونجاحها واستمرارها حتى الآن.
كان من الأشياء التي تغيرت في الكلمات هو العنصر النسائي، ففي أغنية المانسترلي توجد إحسان من خلال كوبليهات
هاتي فانوسك يا أختي يا إحسان
اه يا ننوسك في ليالي رمضان
ماما تبوسك وباباكي كمان
بينما في الفلكلور الشعبي هناك بنت السلطان، والتي أغضبت محرر كل شيء والدنيا فقال «الذي يثير حب الاستطلاع في المرء هي ابنة صاحب العظمة السلطان المترجلة التي ترتدي القفطان فمن عساها أن تكون وفي أي أنحاء المعمورة تعيش؟».
لم تكن دلالة اسم إحسان مجهولة مثل هوية بنت السلطان، فبصرف النظر أن اسم إحسان كان من الأسماء الشائعة لبنات الطبقة الوسطى والأرستقراطية في جيل ثلاثينيات القرن الماضي بمصر؛ لكن كان الائتيان باسمها متوازيًا مع عيد الإحسان الذي كانت تنفذه الجمعية الخيرية الإسلامية وكانت تخصص حفلاً خيريًا له بحديقة الأزبكية ودار الأوبرا الملكية ولعل أشهر حفل ما كان في 21 نوفمبر 1935م / 25 شعبان 1354هـ، لكي تذهب تبرعات الأمراء والوزراء في ذلك الحفل للأعمال النافعة في خدمة العلم والبر والفقراء خلال شهر رمضان.
حققت أغنية وحوي يا وحوي للفنان أحمد عبدالقادر شهرة واسعة فهو يقول في جلسةٍ جمعته مع ميكي ماوس وأمين الهنيدي «الأغنية كانت بتتعمل اسطوانة تجارية لشركة من الشركات العالمية الكبيرة، فاتباع منها نص مليون اسطوانة أول ما نزلت»؛ وبلغت شهرة الأغنية أن كازينو بديعة في 4 نوفمبر عام 1937م أن فرقة ببا قدمت على كازينو بديعة يوم 4 نوفمبر 1937م رواية باسم مدرسة الرقص وكان بها أغنيتين من ضمنها وحوي وحوي من تأليف محمد مصطفى وألحان سيد مصطفى.
ومما تجدر الإشارة به أن أغنية أحمد عبدالقادر جاءت بعد سنوات من طقطوقة وحوي يا وحوي التي غنتها الراقصة عزيزة حلمي وكان العازف والشاعر هما اللذين وراء تلك الطقطوقة؛ لكنها كانت خليعة وبالغة السوء في كلماتها.
مرض أحمد عبدالقادر في الشهر الذي غَنَّى له أغنية الخالدة ثم رحل عن عالمنا في يوم 21 يوليو عام 1984م عن عُمْر 68 عامًا، بمستشفى 6 أكتوبر في الدقي، وكانت أمنياته قبل قبل موته تدريس الأبجدية بالموسيقى وقد عرضت هيئة اليونسكو شراء الفكرة وتنفيذها.[13]
[1] أحمد أمين، قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية، ط/1، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1953م، ص414.
[2] هيرمن كيس، أحمد بدوي، المعجم الصغير في مفردات اللغة المصرية القديمة، ط/1، الهيئة العامة لمطابع الشئون الأميرية، 1958م، القاهرة، ص46.
[3] الشراريب هي الجوارب
[4] اسم أي شخص
[5] حبوب يتم إطعامها للطائر بفم الإنسان وموجود في الصعيد جملة زققي الحمام بمعنى ازقي الحمام ماء بعد الحبوب، وفي لسان العرب لابن منظور الزِّقّ الذي يُسَوَّى سِقاءً، وزَقَّه أَطعمه بفِيه؛ انظر:- لسان العرب، جـ10، ط/3، دار صادر، بيروت، 1993م/ 1414هـ، ص43.
[6] اللبة هي موقع القلادة
[7] خلصت وانتهت
[8] اتكسر
[9] توحة هو دلع اسم عبدالفتاح باشا يحيى رئيس الوزراء الذي كان قبل نسيم باشا
[10] بحجم اللوحة
[11] نائب برلماني ووزير حكومي
[12] إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء والذي كان على خصومة مع القوى السياسية المصرية في الثلاثينيات
[13] سامح عبدالحميد، مات عبدالقادر .. غنى وعمره 12 سنة، جريدة الجمهورية، عدد 22 يوليو 1984م، ص9.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال