“هل قالها أصلاً؟” حول إساءة عمرو بن العاص لسيدات مصر بمقولة نساؤها لعب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تبدو المقولات المأثورة الموجزة هي صك الجودة واللاجودة على أي شيء، ولمصر نصيب من المقولات المأثورة عنها، بعضها صح قوله وله نقد مثل قول بن خلدون في طبائع المصريين، وبعضها الآخر المقولة المنسوبة إلى عمرو بن العاص عن رجال مصر ونساءها.
ما هي مقولة نساؤها لعب
نسبت مقولة «أرضها ذهب ونساؤها لعب ورجالها مع من غلب تجمعهم الطبلة والمزمار وتفرقهم العصا» إلى عمرو بن العاص وقيل أنها ذكرها في رسالة منه إلى الفاروق عمر بن الخطاب، ومعنى نساؤها لعب أنهن غواني وكل امرأة مصرية لعوب؛ ولجأت بعض الحسابات على السوشيال ميديا لترديد هذه المقولة.
حقيقة قول عمرو بن العاص نساؤها لُعَب
أول من ذكر تلك المقولة كان المسعودي في مروج الذهب ولم يذكر فيها جملة نساؤها لعب ولا جملة رجالها تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصا، كما أنه لم ينسبها إلى عمرو بن العاص وإنما نسبها لمجهول رمز له بكلمة «آخر» وذكر الجملة بنصها التالي «نيلها عجب، وخيرها جَلَب، وملكها لمن سلب، ومالها رغب، وفي أهلها صخب، وطاعتهم رهب وسلامهم شغب وحروبهم حَرَب وهي لمن غلب».[1]
وأول من ذكر تلك المقولة وفيها كلمة نساؤها لعب، فكان المناوي في فيض القدير ولم ينسبها إلى عمرو بن العاص وإنما نسبها لمن أسماه أحد الحكماء واختزل الجملة الواردة للمسعودي وأضاف عليها بقوله «قال بعض الحكماء: نيلها عجب وترابها ذهب ونساؤها لعب وصبيانها طرب وأمراؤها جلب وهي لمن غلب والداخل إليها مفقود والخارج منها مولود».[2]
بينما أول من نسب تلك المقولة لعمرو بن العاص فكان المفكر أحمد أمين، ولما نسبها لعمرو بن العاص أوردها بقوله (رووا) ولم يحدد من هؤلاء الرواة، كذلك لما نسبها لعمرو بن العاص نسبها ناقصة بدون كلام نساؤها لُعَبْ.[3]
رسالة عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب عن مصر
ليس ثابتًا عند المؤرخين وجود نص في رسالة بعث بها عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب بعد فتح مصر يصف أحوالها، باستثناء رسالة طويلة ذكرها بن تغرى بردى في تاريخه نقلاً عن بعض المؤرخين ولم يسميهم وليس فيها أي جملة بها إساءة لمصر.[4]
فيما ذكر الجمل في حاشيته أن عمر بن الخطاب لما طلب من عمرو بن العاص أن يصف له مصر بإيجاز، بعث له ببيتين من الشعر يقولا
وَمَا مِصْرُ مِصْرٌ وَلَكِنَّهَا … جَنَّةُ فِرْدَوْسٍ لِمَنْ كَانَ يُبْصِرُ
فَأَوْلَادُهَا الْوِلْدَانُ وَالْحُورُ غِيدُهَا … وَرَوْضَتُهَا الْفِرْدَوْسُ وَالنَّهْرُ كَوْثَرُ.[5]
والثابت عند المؤرخين العرب والمصريين، أن عمرو بن العاص ورد عنه مقولة لما بلغه من عثمان بن عفان قرار عزله عن حكم مصر وتوليته قيادة الجيش بينما يحكمها عبدالله بن أبي السرح، ولما رفض قال «أأكون كماسك البقرة بقرنيها وغيره يحلبها»[6]؛ والمقولة أوردها بن عبدالحكم في تاريخه عن بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب؛ ووصف البقرة هنا لا يني التحقير من شأن مصر في أيدولوجية عمرو، بدليل رسالة الموجودة عند بن تغرى بردى، وكذا شعره فيها، إنما استدعاه على سبيل أن البقرة فيها خير، ولاحقًا صار التشبيه مستخدمًا في أغنية بقرة حاحا.
[1] المسعودي، مروج الذهب، راجعه: كمال حسن مرعي، ج1، ط/1، المكتبة العصرية، بيروت ـ لبنان، 1425هـ / 2005م، ص256.
[2] المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج2، ط/2، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت – لبنان، 1391هـ / 1972م، ص522.
[3] أحمد أمين، صفحة سوداء، مجلة الرسالة، عدد31، يوم 5 فبراير 1934م، ص203.
[4] ابن تغرى بردى، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج1، ط/1، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1348هـ / 1929م، ص32–33.
[5] الجمل، فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل، ج2، (د.ط)، دار الفكر، بيروت – لبنان، (د.ت)، ص401.
[6] ابن عبدالحكم، فتوح مصر وأخبارها، : تحقيق: عبدالمنعم عامر، ج1، ط/1، (سلسلة الذخائر – إصدار 49)، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1999م، ص239.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال