يا أنا يا لاء عمرو دياب .. هل صب الهضبة غضبه أم أثار غضب الجميع؟
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
طرح المطرب عمرو دياب ألبومه الجديد “يا أنا يا لاء” وهو الألبوم الرسمي الثاني له في عام واحد في سابقة تحدث لأول مرة في تاريخه حيث سبقه ألبوم “سهران” الصادر في بداية العام.
لا يمكن أن يمر هذا الحدث النادر دون البحث في أسبابه وتداعياته، خصوصًا أننا اعتدنا أن نشاهده مرة واحدة غالبًا تكون في الصيف الذي تخلى عنه هذا العام لصدور ألبوم “سهران” في فبراير، قاصرًا ظهوره على العديد من الأغاني المنفردة، ثم فاجئ الجميع بألبوم جديد مع نهاية العام.
قد تكون الأسباب نابعة من محاولة تعويض إخفاقات “سينجلات” الصيف التي خسرت السباق أمام العديد من الأغاني الأخرى، أو لأسباب تسويقية بحتة تخص عقود الرعاية الموقعة مع العديد من الشركات، لكن لا بد من التأكيد على أن هناك شيئًا ما تغير في إستراتيجية عمرو التسويقية، هذا الذي كان يختفي طول العام ولا يظهر سوى مرة واحدة في ألبومه الذي يعتبره الكثيرون حدث العام الفني، لكن الشاهد أن هناك حالة من التخبط الفني والإداري أدت إلي اهتزاز عرش الهضبة فعليًا وكان لا بد من محاولة إنقاذ قد تكون الأخيرة في هذا العام الصعب عليه.
صدر ” يا أنا يا لاء” في اثني عشر أغنية، وشهد العديد من الأسماء التي تتعاون مع الهضبة لأول مرة ويبدو أنه أدرك أن لا مفر سوى النزول من برجه العاجي ومحاولة تجديد دماء تجربته وتنويع اختياراته بعد أن كانت قاصرة على وجوه بعينها في الفترات السابقة وهو ما بدأه فعليًا في الألبوم السابق “سهران” لكن هل نجح في ذلك؟، وهل استطاع محو الصورة السيئة التي ظهر بها في آخر ثلاث أغنيات منفردة؟
أقرا أيضًا .. مدحت صالح ومحمد فؤاد … المشرحة لا تتسع لمزيد من القتلى.
يا أنا يا لاء.
خلطة تقليدية مكررة لم تأتي بجديد لا على صعيد الكلمات التي كتبها أيمن بهجت قمر ولن تجد بصمته فيها، ولو وضعت اسم شاعرًا أخر لن يكون هناك فرقًا ملحوظًا.
جمل اللحن متوقعة جدًا من محمد يحيي وللمفارقة الجملة الوحيدة القوية في اللحن بها بعض الشجن لم يتناسب مع أجواء الأغنية “يا أنا يا لاء محدش تاني ولا هتلاقي في نص حناني”.
أما التوزيع فيبدو أن الموزع عادل حقي يخلع أفكاره الموسيقية على عتبة الهضبة، نفس اليورو دانس المتكرر منذ بداية العقد في ألبومات عمرو دياب، مع آلة الأكورديون المحببة للهضبة هذه الأيام والتي كانت بمثابة حشو للهارموني بجمل بسيطة خالية من أي ابتكار.
محسود على عودك.
سوق عمرو للأغنية جيدًا على مواقع التواصل الاجتماعي بهاشتاج شجع فيه الفنانين على أداءها بصوتهم ، الطريف أن كل من اشترك في هذه المبارزة الفنية تفوق على عمرو نفسه سواء كان مطربًا أو ملحنًا.
الكلمات كتبها “تركي آل شيخ” بصياغة تقليدية ومفردات مضحكة تنتمي لثلاثينيات القرن الماضي عن عود الجميل المحسود عليه، اللحن كان جيدًا في الكوبليهات بتوزيع لاتين بوب معتاد من عادل حقي بلا أي تجديد مع حشر أكبر قدر من صولوهات الجيتار حتى يفنى العالم ويفنى الجمهور معه.
للأغنية إصدار آخر في الألبوم بتوزيع شرقي من عادل حقي أيضا لكنه لا يقل سوء عن التوزيع الأول.
شكرًا.
جملة لحن المقدمة أكثر من رائعة من الموهوب عزيز الشافعي، الكلمات بسيطة بصياغة رشيقة من تامر حسين المفاجأة كانت في التوزيع والذي حاول فيه وسام عبد المنعم محاكاة إيقاعات موسيقي المهرجانات ولكن بطريقة أشيك ودون إزعاج، الأغنية محاولة جيدة للسير خلف تريند المهرجانات ولكن بمفهوم ديابي بحت،و تثبت أنك يمكن أن تجاري ما يحدث في سوق الغناء دون أن تضطر للتقليد أو تقديم تنازلات تضر مشروعك الفني.
عايز اعمل زيك.
مقدمة الأغنية سوف تحيلك اتوماتيكيا إلى أغنية “أنا مش أناني” لنفس الملحن “إسلام زكي” ونفس الشاعر “تامر حسين” مع اختلاف اسم الموزع فقط.
الشيء الإيجابي في الأغنية هو تطور تكنيك كتابة الشاعر “تامر حسين” على الرغم من تقليدية أفكاره، اللحن والتوزيع بنفس بناء أغنية “أنا مش أناني” ونفس القفلات تقريبًا وهي تؤكد فكرة تكرار الهضبة لنفسه.
طبل.
أول فكرة جديدة في الكلمات سوف تقابلك ودرس عن كيفية التعامل مع طبيعة المرأة، عبر عنها بشكل جيد “أيمن بهجت قمر” وتظهر فيها بصمته بمفردات مقتبسة من قاموسنا الحياتي وفي نفس الوقت جديدة على عالم الأغنية.
لحن الشافعي جيد تظهر فيها بصمته و نقلاته المعتادة، ومعه التوزيع الذي ستعرف أنه توما من البداية، بمقسومه القوي الخالي من أي فذلكة.
أول أغنية ستقابلك تشعر فيها بعدم تدخل من عمرو دياب وتطغى عليها بصمة صناعها.
بتهزر.
يعود الشاعر بهاء الدين محمد للظهور مرة أخرى في ألبومات الهضبة، فكرة الكلمات جيدة وأن صيغت بشكل تقليدي، أما اللحن فجمله مكررة جدًا سمعناها كثيرًا في أغنيات سابقة للهضبة أو حتى في أغنيات مطربين أخريين، مع مقسوم تقليدي بحت من الموزع رامي سمير.
فاكرني يا حب.
مقدمة تشعر بأنك في فاصل إعلاني في رمضان، يبدأ عمرو المقدمة بأدليب حر قصير جدًا يقطعه دخول المقسوم فجأة، وكان الأفضل ترك عمرو يكمل الرباعية كاملة دون قطعها في أول شطر.
تظهر بصمة الشاعر صابر كمال منذ البداية ومشروعه في تجديد قاموس مفردات الغناء، الفكرة ستجدها في العديد من الأغاني الفلكلورية التي تخاطب شئ ما سواء كان الطبيب أو الحب، بصياغة سلسلة ومفردات متجددة وصادمة أحيانًا.
لحن وليد سعد جيد متماهي مع فكرة الكلمات ومقسوم تسعيناتي بامتياز من الموزع أحمد عادل.
وأنا معاك.
الأغنية التي يمكن أن يطلق عليها كارت حشر الألبوم، لن تجد فيها أي لفظ أو مفردات تلفت الإنتباه بلحن وتوزيع تقليدي تكرر كثيرًا في أغاني الهضبة.
يا دلعه.
لو خرجنا بأي شي من تلك الأغنية سيكون لحن الملحن السعودي “سهم” الكلمات حدث ولا حرج بمجاملة فجة معتادة من عمرو دياب ل تركي اّل شيخ بمفردات مبتذلة وركيكة في مواضع كثيرة.
التوزيع خليط بين مدارس موسيقية شرقية وغريبة في خلطة تجارية استهلاكية يجيد فيها عادل حقي لكنها تظل خلطة لا تسمن ولا تغني من جوع فلا تعلق كثيرًا في ذهن المستمع.
من العشم.
الأغنية الوحيدة التي يمكن أن نلمح فيها شئ من التطريب داخل الألبوم، بني الملحن تامر عاشور اللحن جيدًا رغم أنه فكرة واحدة تكررت في المذهب والكوبليه ورغم أنه نسخة من عدة ألحان سابقة قدمها لنفسه، أشعار تركي لا تشعر فيها بأي جديد من ناحية الصور أو المفردات التقليدية البحتة، التوزيع لنادر حمدي بمقسوم مدعوم بخط وتريات جيد مساند للإيقاع ولزمة موسيقية قوية من الأكورديون.
الجو جميل.
صدرت تلك الأغنية مبكرًا بالتزامن مع الأغنية المنفردة “اهه اهه اهه”، تشعر بأنها جزء ثان من أغنية “أماكن السهر” مع اختلاف السرعة لكنها نفس الفكرة والمفردات والمقسوم التقليدي البحت من أحمد عادل، الأغنية تلائم فترة الصيف أكثر التي تستهلك فيها الأغاني لمرة واحدة فقط دون أن تجبرك على الاستماع إليها مرة أخرى.
إدمان الجري في المكان.
في نظرة عامة حول الألبوم سنجد أن الهضبة حاول أن يتحرك خطوات نحو تغيير شكل موسيقاه، فعاد مرة أخرى للمقسوم في سبع أغنيات وهو رقم لم يحدث منذ التسعينات، وقلل من الأشكال الموسيقية الغربية، لكن تظل المشكلة الأكبر هي نسخ وتكرار الأفكار سواء في الكلمات أو الألحان دون أن تشعر بأي جديد على الرغم من العودة للتعاون مع أسماء صنعت أغاني مهمة في تاريخه، وضم أسماء جديدة لأول مرة، لكن يبدو أنهم لم يذهبوا للتعاون معه بمشاريعهم الخاصة ولكن وفقًا لرؤيته الفنية فقط، الغياب الوحيد المؤثر والغير مبرر كان للثنائي “أمير طعيمة” و” محمد رحيم” .
في السابق كان عمرو دياب لا يجلس مع فريق العمل بالكامل بل أن هناك فنانين تعاونوا معه دون أن يروه مطلقًا، لكن في هذه المرة جمع فريق عمل الألبوم بالكامل داخل استوديو التسجيل أثناء وضع اللمسات الأخيرة عليه، وقاد الجمع مهندس الصوت “أمير محروس” الذي ذكر أن الهضبة صب غضبه في هذا الألبوم واعدًا الجمهور بتحفة فنية سوف تبهرهم.
وهنا نتساءل ما الذي اثار غضب الهضبة من الأساس؟ وهو المقتنع تمام الاقتناع بأنه لا ينافس سوى نفسه، وعلى من صب غضبه ؟كلها أمور سوف تتضح عندما يصدر الألبوم بشكل رسمي على قناته الخاصة على اليوتيوب بعد أن ينتهي الرعاة من جني ارباحه، لكن النقطة الواضحة أن الهضبة ليس في كامل لياقته الفنية وأن الألبوم صنع على عجل حيث به بعض العيوب في التسجيل والميكس، وأنه لم يظهر غضبه بقدر ما أثار غضب وحنق الجمهور عليه الذي بدأ يفطن أنه محاولاته للتجديد ستظل مجرد محاولات فقط وأنه يبذل مجهودًا يشكر عليه لكنه لازال يجري في مكانه ولم يتحرك أي خطوة للأمام.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال