همتك نعدل الكفة
194   مشاهدة  

“150 سنة من حماية مصر للصومال” وتواطئ تاريخي بين الحبشة والغرب لتعطيل الجهود

مصر والصومال
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



أعلنت دولة الصومال عن وصول طائرتين عسكريتين مصريتين إلى مطار آدم عدي الدولي وعلى متنهما معدات عسكرية، في إطار مشاركة مصر بقوات حفظ السلام، في سابقةٍ هي الأولى منذ عقود طويلة، وبعد أسابيع قليلة من توقيع اتفاق تعاون عسكري بين مصر والصومال.

تاريخيًا فإن الوجود المصري في الصومال قديم ويعود لأكثر من 150 سنة أثبتت أهمية الصومال في خريطة الأمن القومي المصري التي لم تتغير بتغير الظروف.

كيف بدأ وانتهى وجود مصر في الصومال ؟

خريطة من زمن الخديوي إسماعيل حول موقع الصومال
خريطة من زمن الخديوي إسماعيل حول موقع الصومال

بعد نجاح محمد علي باشا في القضاء على الحركة الوهابية سنة 1818م، وتمكن الإنجليز من استئصال قوة  القواسم في الخليج سنة 1820م، خرج الإمبراطوريات العالمية بدرس العمر الاستعماري وهو أن البحر الأحمر أحد أهم شرايين التجارة العالمية، فيما رأى محمد علي باشا أن رئة مصر تكمن في القرن الإفريقي، فعمل على بسط نفوذه هناك لكن معاهدة لندن 1840م أجهضت مشروعه.

الخديوي إسماعيل - محمد علي (أول من أدركا أهمية العمق الإفريقي)
الخديوي إسماعيل – محمد علي (أول من أدركا أهمية العمق الإفريقي)

عززت معرفة العالم بالسفن البخارية اهتمام أوروبا بالبحر الأحمر في ثلاثينيات القرن ال18، وزاد التطاحن الاستعماري في إفريقيا خصوصًا في سواحلها الشرقية لكون أنها تطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي.

لكن ربط الأحمر بالبحر المتوسط عن طريق قناة السويس في مصر غير المعادلة تمامًا، وأيقنت مصر قبل أهمية العمق الإفريقي عمومًا والصومال على وجه التحديد فرأت ضرورة أن تثبت قدمها في ساحل إفريقيا الشرقي قبل أوروبا وقبل افتتاح قناة السويس بـ 4 سنوات.

كانت الخطوة الأولى تقدم مصر بطلب إلى الدولة العثمانية في مايو 1865م يقضي بضم مينائي سواكن (في السودان) مصوع (في إريتريا حاليًا) للإدارة المصرية وكان المعلن في أسباب طلب مصر هو منع تجارة الرقيق وحفظ الأمن ومواجهة التدخل الأجنبي ومنع التنصير[1]، وأخذت مصر موافقة من الدولة العثمانية على ذلك، ثم تعزز بفرمان 27 مايو 1866 الذي نص على منح الخديوي إسماعيل حق الوراثة في كل الملحقات المصرية بما فيها سواكن ومصوع.

فرمان إعادة سواكن ومصوع للإدارة المصرية
فرمان إعادة سواكن ومصوع للإدارة المصرية

أجرت مصر بعد ضم سواكن ومصوع لها جولات تفتيشية سنة 1867م في البحر الأحمر بدءًا من السودان ثم اليمن وصولاً لشاطئ الصومال، وكان للصومال ميناءًا شهيرًا هو ميناء بربرة، فقرر الإنجليز سنة 1868م السيطرة عليه قبل مصر نظرًا لأهميته في حركة تجارة المواشي وزيوت المسلى إلى جانب وقوعه على الساحل الغربي المقابل لميناء عدن، وبذلك يتحكموا في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

نجح الإنجليز في إحداث خلاف بين قبيلة بعيلة الصومالية الموالية للعثمانيين، وقبيلة بهوة التي رفضت الإنجليز والعثمانيين معًا قبل أن ينضموا للإنجليز بعدما نفذت بريطانيا فتنة بين القبيلتين أسفرت عن مقتل 8 من قبيلة بهوة.[2]

مع العام 1870م أرسل شيوخ القبائل الصومالية رسالات استغاثات للحكومة المصرية بضرورة وجود نفوذ مصر على ساحل البحر الأحمر الغربي، فبدأت مصر بإرسال وفد برئاسة أحمد ممتاز باشا محافظ سواحل البحر الأحمر سنة 1871م لإجراء صلح بين القبائل.

من وثائق قصر عابدين .. تقرير عن طلب أهالي بربرة في الصومال بدخول مصر لها
من وثائق قصر عابدين .. تقرير عن طلب أهالي بربرة في الصومال بدخول مصر لها

وفي سنة 1873م بدأ أول تواجد مصري عسكري في الصومال برسو مركب حربي على ميناء بربرة لحفظ الأمن بها خلال انعقاد السوق السنوي في ميناء بربرة، وعلى متن السفينة الحربية كان هناك مجموعة من المهندسين المصريين قاموا بمسح جغرافي للمنطقة، وكان ذلك تمهيدًا للإدارة المصرية في الصومال.

شهدت منطقة بربرة بالتواجد المصري طفرةً معمارية قوية وبنية أساسية راسخة، حيث تم شق الطرق وتأسيس مخابز وطواحين غلال ومكاتب بريد ومحكمة شرعية ومسجد، ومخزن للفحم والجمرك، ومستشفى وديوان للحكومة ومد خطوط المياه من دوبار (شمال الصومال)، إلى بربرة، ثم تأسست منارة بربرة، ونجحت مصر بعدها في ضم ميناء بلهار بطلبٍ من أهلها.[3]

صور متفرقة من الصومال أثناء الوجود المصري فيها
صور متفرقة من الصومال أثناء الوجود المصري فيها

ونتيجةً للتواجد المصري في الصومال، صار ميناء بربرة أكثر أهمية من ميناء عدن في اليمن الذي يسكنه الإنجليز، وقد اعترف الإنجليز بمنجزات المصريين في الصومال عن طريق أرشيبالد هنتر – قنصل انجلترا في الصومال سنة 1884م حيث قال «المصريين أنجزوا في بربرة من الأعمال العمومية الأساسية ما يصح أن تفاخر به أي إدارة».[4]

أرشيبالد هنتر
أرشيبالد هنتر

شيء آخر قام به المصريين في الصومال بعدما أقر الإنجليز سنة 1777م بالسيادة المصرية على ميناء بربرة، وهو سياسة الدعم الاقتصادي الذاتية، أي أن يتم توحيد العملة داخل الصومال وإيجاد مكاييل وموزاين معروفة ومضبوطة وفق النظام المصري، ثم تعليم سكان الصومال صناعات حرفية، ويتم دعم ذلك بتأسيس شرطة وجيش نظامي ونظام قضائي وهيكل لإدارة محلية بلوائح وقوانين.[5]

 وثيقة اعتراف بريطانيا بسيادة مصر على سواحل الصومال
وثيقة اعتراف بريطانيا بسيادة مصر على سواحل الصومال

ذلك الوجود المصري النشط في الصومال كان أحد أسباب الخلافات بين الحبشة (إثيوبيا) ومصر، كون أن حاكم الحبشة ثيودور يريد ضم الأراضي الواقعة بين بلاده ومدينة سنار السودانية[6]، لكن لم يتم إنهاء الوجود المصري في الصومال إلا عن طريق الإنجليز.

حدثت نهاية التواجد المصري بالصومال عندما وقعت مصر في الاحتلال البريطاني سنة 1882م، إذ قام الميجور هنتر أحد قادة انجلترا بإجلاء الإدارة المصرية من كل سواحل الصومال سنة 1884م، وتم ذلك في عام واحد ليؤسس الإنجليز ما صار يعرف بالصومال البريطاني.[7]

الجنرال السير أرشيبالد هنتر
الجنرال السير أرشيبالد هنتر

وبعد إنهاء الوجود المصري في الصومال سنة 1885م، قامت إثيوبيا باحتلال هرر سنة 1887م ثم حصولها على منطقتي أوجادين وهود سنة 1889م، وتم تقسيم السكان الصومايين على 3 أقاليم كل منها تتبع دولة إستعمارية فيما تقوم إثيوبيا بالحكم المركزي.[8]

وضع مصر في معادلة الصومال فريسة

بث أخبار الصومال من الإذاعة البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية
بث أخبار الصومال من الإذاعة البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية

في سنة 1908م حصلت إيطاليا على مساحة واسعة في الصومال بين منطقة لوخ وإقليم بيعفوه الذي صار اسمه الصومال الإيطالي، ثم اندلع عام 1930م نزاع حدودي بين إثيوبيا والصومال دخلت إيطاليا فيه كطرف وبموجب تدخلها صارت منطقة أوجادين جزءًا من الصومال الإيطالي، فيما قامت إيطاليا باجتياح الصومال البريطاني سنة 1940م في خضم الحرب العالمية الثانية وانتهت المعارك بانتصار بريطانيا.

ذلك الصراع الاستعماري جعل الصومال فريسة للجميع فعاد الصومال البريطاني إلى وضعه السابق مع ضم الصومال الإيطالي إلى لندن، ثم صارت جيبوتي ضمن النفوذ الفرنسي، وأشرفت بريطانيا على أوجادين وهود مع مشاركة إثيوبية، ليتم توقيع اتفاقية بين انجلترا وإثيوبيا، مزقت لاحقًا الصومال تمزيقًا كبيرًا حتى عُرِضت قضيته على مجلس الأمم المتحدة.

إقرأ أيضا
الأمراض الغريبة
 خبر وضع الصومال تحت الوصاية سنة 1949م
خبر وضع الصومال تحت الوصاية سنة 1949م

الأمم المتحدة قررت سنة 1949م منح الصومال استقلاقًا بعد وصاية إيطاليا تستغرق 10 سنوات، على أن يتم إنشاء مجلس استشاري مكون من مصر والفلبين وكولومبيا وتكون مهمتهم تقديم النصح للإدارة الإيطالية، ووقعت الخلاف بين مصر وإيطاليا سنة 1950م بسبب سياسة إيطاليا القمعية في الصومال.

من أخبار مصر كعضو في المجلس الاستشاري لوصاية الصومال
من أخبار مصر كعضو في المجلس الاستشاري لوصاية الصومال

وأرادت مصر خلال تلك الفترة بين 1950م و1960م إبعاد الصومال عن دائرة التدخلات الأوروبية ثم تخليص إريتريا من اضطهاد إثيوبيا لها، بينما إثيوبيا أرادت تقييد حركة مصر، هذا من جانب، بينما من جانب آخر أرادت الولايات المتحدة الأمريكية إبعاد شبح الحرب الباردة عن الصومال، لكن هذا لم يحدث أبدًا إذ اندلعت اشتباكات صومالية إثيوبية، وقامت مصر بجهود قوية في سنة 1961م للحيلولة دون تصعيد الأمر للأمم المتحدة حتى لا يكون ذلك ذريعة بتدخل أوروبي؛ أما إثيوبيا فحاولت الضغط على مصر عن طريق الاتحاد السوفيتي سنة 1959م بعدما تزايد نشاط مصر في الصومال جنبًا إلى جنب مع دعم مصر لإريتريا، لكن إثيوبيا فشلت في ذلك وتزايد فشلها بنجاح مصر الدبلوماسي في دعم استقلال جيبوتي.

جمال عبدالناصر يودع رئيس الصومال بعد زيارته لمصر.
جمال عبدالناصر يودع رئيس الصومال بعد زيارته لمصر.

قوضت نكسة 1967م الوجود المصري في إفريقيا، ثم جاء نصر أكتوبر 1973م ليعيد قناة السويس على خريطة التجارة الدولية، فأرادت إثيوبيا أن تسابق الزمن قبل عودة النفوذ المصري للصومال، فوجهت دعوة لإسرائيل بأن تقوم ببناء وحدات الجيش الإثيوبي أثناء حربه على إريتريا والتي كانت مصر تدعم استقلالها.

ومع الحرب الأهلية الصومالية في التسعينيات قامت مصر بجهود دبلوماسية كبيرة في سنة 1993م لمساعدة الصومال سياسيًا وإنسانيًا، لكن بدأ الاهتمام المصري بأفريقيا يقل أكثر فأكثر بعد حادث محاولة اغتيال الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في أديس أبابا، الذي أدى لسوء العلاقة بينه وبين إثيوبيا، وكذلك بينه وبين السودان، مما أدى لتراجع مصر إفريقيًا.

 خبر محاولة اغتيال مبارك على جريدة القبس الكويتية
خبر محاولة اغتيال مبارك على جريدة القبس الكويتية

بقي الفتور في العلاقات المصرية الإفريقية قائمًا منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين إلى عام 2014م، إذ بدأ البروز المصري في إفريقيا يعود مجددًا، خاصةً بعد إعلان إثيوبيا قيام سد النهضة، وبدأت علاقات مصرية صومالية قوية.

من لقاء الرئيس السيسي مع نظيره الصومالي
من لقاء الرئيس السيسي مع نظيره الصومالي

في الفترة من 2014م وحتى 2024م وصل عدد اللقاءات الرئاسية بين مصر والصومال إلى أكثر من 14 لقاء (13 منهم داخل مصر وواحد في رواندا)[9]، وآخر مستجدات التواصل المصري الصومالي بدء وصول معدات ووفود عسكرية مصرية إلى مقديشو في إشارة حللها خبراء بأن الحضور المصري رسالة إلى إثيوبيا تفيد بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أي تهديد لأمنها المائي.[10]


[1]  شوقي عطالله الجمل، الوثائق التاريخية لسياسة مصر في البحر الأحمر (1863م – 1879م)، ط/1، مطبعة لجنة البيان العربي ـ مطبوعات الجمعية التاريخية المصرية للدراسات الإفريقية، القاهرة ـ مصر، (د.ت)، ص ص28 –49.
[2]  المرجع السابق، ص ص195 –196.
[3]  محمد احمد عبداللطيف, السيد علي فليفل, أحمد عبدالوارث محمد غانم، الوجود المصري في بعض الموانئ الصومالية خلال الفترة 1870م – 1884م، مجلة كلية السياحة والفنادق جامعة المنصورة، ج5، ع11، يونيو 2022م، ص ص444–453
[4]  محمد صبري، مصر في أفريقيا الشرقية .. هرر وزيلع وبربرة، ط/1، مطبعة مصر ومكتبتها، القاهرة ـ مصر، 1939م، ص45.
[5]  شوقي عطالله الجمل، الوثائق التاريخية لسياسة مصر في البحر الأحمر، ص4.
[6]  أبو بكر محمود أحمد إسماعيل، جهود مصر التاريخية في إيجاد حلول للقضايا الإفريقية في النصف الثاني من القرن العشرين، مجلة كلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف، مج1، ع1 (إصدار خاص)، ديسمبر 2018م، ص24.
[7]  محمد احمد عبداللطيف, السيد علي فليفل, أحمد عبدالوارث محمد غانم، الوجود المصري في بعض الموانئ الصومالية، ص439.
[8]  زكريا أحمد محمد سعد، دور مصر في المجلس الاستشاري للوصاية على الصومال، مجلة الروزمانة الحولية المصرية للوثائق، ع10، 2012م، ص451.
[9]  مصر والصومال، الهيئة المصرية للاستعلامات
[10]  ماذا تستهدف مصر من حضورها العسكري في الصومال؟، جريدة الشرق الأوسط، ع16711، 29 أغسطس 2024م، ص8.

الكاتب

  • الحبشة وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان