أعداء الحياة .. كيف غيّر الاحتلال خريطة المياه في غزة؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أصدرت مجلة علماء الذرة تقريرًا مٌفصلًا عما يحدث في قطاع غزة من استخدام المياه في غرض منافي للقوانين والقواعد، وأفادنا التقرير المكتوب بالإنجليزية بأن هناك لقطات ليلة وصلت مؤخرًا من شمال غزّة، فيضانًا يتدفق في الشوارع بعد مرور أربعة أسابيع على حملة القصف الإسرائيلية للقطاع، هذا حيث تعرض خزان مياة رئيسي بالغ الأهمية للقصف في مخيم جابليا للاجئين، مما أدّى إلى تدفق الخزّان .. وحتى في خِضَم كل ما يمرون به، كانت رؤية تدفق المياة هدرًا على الأرض أمرًا مُزعجًا للغاية، ذلك لأنهم يواجهون نقصًا حادًا في مياه الشرب النظيفة .. لقد كان الأمر قاسيًا بشكل خاص على الأمهات اللائي يسعين جاهدين للحفاظ على أطفالهن على قيد الحياة .. وتلك لم تطن الواقعة الأولى في ضرب خزّانات المياة داخل قطاع غزة، حيث أنه تم ضرب عدة خزّانات فرعية بما في ذلك خزّانات المستشفيات الرئيسية.
ويعتبر استخدام المياة كسلاح في حرب عسكرية، وتحويلها لأداة ضغط على المدنيين، فعلًا متعارضًا بالكُليّة مع كل القواعد التي وضعها العالم والمنظمات الإنسانية للحفاظ على الإنسانية أثناء الحروب. وكانت أشهر الموارد التي تميّز غزة مورد المياه .. لقد وفّرت تلك المدينة العديد من الآبار الرملية الضحلة، وتلك أنواع نقيّة للغاية من المياه العذبة، وقد دعمت تلك المدينة كل من احتاج للماء على مدار تاريخها، لكن طبقة المياة الجوفية في غزة تتعرض لضغوط هائلة منذ أن زادت الكثافة السكانية الضاغطة على موارد المدينة بعد نزوح الفلسطينيين وإنشاء دولة إسرائيل في عام 198، وزاد الضغط بشكل أكبر منذ اتباع سياسات “تقويض التنمية”.
وحتى قبل جولة الحرب الأخيرة في غزة بعد يوم 7 أكتوبر .. فإن المياه في غزة كانت ملوثة تقريبًا بشكل كُلّي، وغير صالحة للشرب، ووجدنا دراسة نُشرت في وقت سابق من هذا العام أن 97% من المياه الجوفية في غزة تجاوزت مستويات النترات والكلوريد الموصّى بها والتي حدّدتها إرشادات منظمة الصحة العالمية لمياة الشرب .. وما هو أسوء العثور على دراسة وبائية حديثة وجدت كميات مروعة من البكتريات والجراثيم الخارقة، وما يزيد الوضع كارثيةً أن تلك المياة تستخدم في المستشفيات لعلاج المرضى، وهذا يعني أن في غزة إن لم يقتلك الرصاص سيقتلك كوب ماء!
ووفقًا لدراسة أجراها البنك الدولي في عام 2009، فإن أكبر القيود المرفوضة على التنمية المستدامة لقطاع المياة في الضفة الغربية وغزة، كانت “خارجية”، نابعة من اتفاقية أوسلو السياسية والاحتلال الإسرائيلي، حين أجبرت سلسلة من الهجمات الإسرائيلية خلال المناوشات العنيفة مع المقاومة الفلسطينية في الفترة من 2008 إلى 2021 السلطات على الدخول في عملية تدميرية للمياة، ما اضطر الناس في عزة الاعتماد على مياة التحلية الغير منتظمة أو المياة المعبأة المستوردة عبر مصر، وعلى الآبار الخاصة للزراعة، وعلى إمدادات البلدية (التي تم شراء 13% منها من إسرائيل). وتفجّر ملف المياة في غزة بعد حرب 7 أكتوبر 2023 حيث تقول منظمة الصحة العالمية إن الناس في غزة في حالة فشل في الحصول على أقل من جالون من الماء يوميًا، في حين يتطلب الأمر 20 جالونًا للاغتسال والعيش بكرامة. ويضطر آلاف الأشخاص النازحين إلى المخيمات إلى تقاسم عدد قليل فقط من المراحيض، ذلك لأن محطات الصرف الصحي نفدت من الوقود.. وتختلط مياه الصرف الصحي غير المعالجة الآن بالمعادن الثقيلة الناتجة عن الذخائر الحديثة التي تتساقط على القطاع.
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال