همتك نعدل الكفة
132   مشاهدة  

بماذا يشعر الباحث في الجرائد القديمة عند أي مناسبة؟

الجرائد القديمة
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



«هذا المقال لا يعني أن كل من يبحث في الجرائد القديمة على نفس شاكلة الكاتب»

****

الحب لا يحتاج إلى تفرغ وإلا صار مملاً، وإنما الحب يحتاج إلى اهتمام يعطي الشغف؛ لكن خطورة الحب للجرائد القديمة أن لا يكون العقل ملجمًا له وهذا يؤدي بالضرورة إلى مرحلة أن يكون الباحث ولهًا ومفتونًا وبالتالي ينسلخ عن الواقع، أو لنقل تأثر نفسيته الشخص في الواقع بها؛ وهذا الشيء له أعراض تظهر مع المناسبات (أي مناسبات).

كيف تؤثر الجرائد القديمة على الباحث

الجرائد قديمة
جرائد قديمة

المفتون بالجرائد والمجلات القديمة يعيش بين الناس في الواقع لكنه ليس معهم إلا في الضرورة القصوى بأي ضغط من ضغوطات الحياة.

الباحث في الجرائد القديمة عند لحظة معينة من الولَهْ، يشعر بسرعة الزمن ولا يشعر بكثرة السنوات إلا إذا حسب فرق السنوات، وذلك لأن لو لديه أرشيف جريدة يومية PDF مثلاً لـ 50 سنة، فبضغطة ماوس مصحوبة بزرار كيبورد يذهب لتلك السنة وما يريده منها؛ والشعور بسرعة الزمن دون كثرة السنوات خطير للغاية، لو صارت النوستالجيا مرضًا.

الجرائد القديمة تعلم الباحث الاحترام وربما لو كان سالكًا تعلمه أن يكون محترمًا لدرجة التدين حتى لو لم تظهر علاماته عليه ظاهريًا أو سلوكيًا لكن من داخله يشعر بأشياء مماثلة، وبالمناسبة .. هذا لا ينطبق على الجرائد والمجلات الدينية وإنما ينطبق أكثر على الجرائد والمجلات غير الدينية سواءًا الدوريات الإخبارية اليومية أو الفنية أو حتى النسائية.

وتلك معادلة تبدو ظاهريًا غير مضبوطة، لكن لا يشعر بها إلا إذا كان الباحث سالكًا ومريضًا بتعب النوستالجيا الممتع؛ فكيف يحدث ذلك والجرائد القديمة تكتظ بالأكاذيب والنفاق مثلاً ؟
الإجابة:- إن الواقع والسنوات التي تلت عددًا معينًا، هو من جعل الباحث يدرك أن هذه الأخبار كاذبة، ومن ثم يدرك أنه لو كان كاذبًا سيلعنه الناس بعدها، وبالتالي سيأخذ من ذلك الصحفي أو الإعلامي أو المفكر عبرة.

يدرك الباحث في الجرائد القديمة أن أغلب الأفاقين لا يدركون أن البقاء لله، حتى وإن كانوا مؤمنين بحقيقة الجملة لكن لا يعملون بها، فهم مثلاً ينافقون شخصًا عن قناعة، ويقومون بتصفية حسابات مع مناوئ له، وكأن الجميع خالد فيها؛ ولمَّا يقضي الله ما هو به قاضٍ بوفاة أو نهاية من ينافقونه، ينسى أغلبهم ما كتبوه عنه قبل أن ينسوه هو شخصيًا، وبعضهم ينقلب عليه بعد وفاته وبعضهم يعيد الكَرَّة مرةً أخرى مع الشخص الجديد؛ وهذه طبيعة البشر نعم، لكن تلك الطبيعة البشرية في الدنيا لما تنصهر مع الضمير تجعل الشخص ينسى القبر.

وعلى ذكر القبر مثلاً، لا يشعر الباحث في الجرائد القديمة بأي شعور ديني تجاه المقابر إلا لو زار مقابر أهله، لكن بحكم صنعته وحبه للجرائد القديمة فهو يختار زيارة مقابر الشخصيات التاريخية التي قرأ عنها ولها في الجرائد القديمة من أجل إكمال موضوعٍ ما أو إنهاء إعداد عمٍل ما.

النزعة النفسية لديه تجعله يرى القبر برؤية مغايرة، فهو مثلاً يشعور بشعور مختلف عندما يمر بجانب قبر أي شخص كان اسمه يرعب الناس يومًا ما، ثم صار في لحد الوصول له سهل والخوف من صاحبه معدوم.

هو مثلاً لما يمشي عند قبر صحفي أو مفكر ضلل الناس وكذب عليهم بقصةٍ كاذبة عن أحدٍ ما صار ميتًا ولا يبعد إلا أمتار قليلة، يشعر من داخله بشعور لا يوصف بين الحسرة على الكاذب والمكذوب عليه، والغضب من الكاذب والشفقة على المكذوب عليه وهكذا.

الدنيا عند الباحث في الجرائد القديمة (متستاهلش) وبالتالي هو أكثر الناس الذين يكرهون الصراعات على المناصب مثلاً، ويأنف أن يتولى منصبًا فيه قرار بقطع عيش أحد، أو عقاب شخص ما، حتى لو كان ذلك الشخص يستحق، لكن من داخله يخاف؛ لأن لديه حساسية تجعل فيه هشاشة عند اتخاذ القرارات الصعبة.

في النهاية .. الباحث في الأرشيف بحالةٍ من حالات العشق المجنون، هو مريض نفسي غير مؤذي، يستمتع بمرضه ولا يعترف به، يعيش به ولأجل العلة التي أصابته، لأنه يرى أنه مندوب الأموات للأحياء بتاريخهم الاجتماعي والسياسي والفكري إلخ؛ لكن مكمن خطورة ذاك المرض هو أن يسلخه عن الواقع، لن يصير مثل جعفر الراوي في نهاية قلب الليل (الفيلم)، لكن سيشعر أن قطار الحياة قد فاته عند محطات معينة مثل محطات الشباب والزواج والجلوس على المقهى أو أن يكون إنسان غير اجتماعي لا يرى نفسه إلا في الأزمنة التي يمتلك أرشيفها؛ فحذارِ من ذلك.

الجرائد القديمة والعمل الإعلامي .. ثنائية جميلة وخطيرة

مجلد قديم لجريدة الأهرام في الثلاثينيات
مجلد قديم لجريدة الأهرام في الثلاثينيات

لما عرف الـ PDF طريقه إلى الانترنت كانت الجرائد لم تدخل في دائرة التحميل، ولما ساءت العلاقة بين الجمهور وأخبار السياسة، صارت الرياضة والفن مرتعًا؛ فلما أكلهما التكالب على قصعة التريند لدرجة إطلاء اللون الأصفر على الأخبار، ظهر جيل من رؤساء التحرير يتبنى فكرة المواقع النوعية.

ليست المواقع النوعية في أساسها مواقع منوعات حتى وإن كانت موضوعاتها متنوعة أو أخذت سَمْت الموضوع المنوع، إنما تستهدف المواقع النوعية هدفًا آخر وهو الزاوية، أو بلغة الصحافة (اللقطة خارج الصندوق)؛ ومع وجود صفحات للتاريخ على الفيس بوك، كان ذلك قبلة الحياة بالنسبة للباحثين في التاريخ، فكان منبعهم واحد وهو الكتب الـ PDF أو الكتب من الأزبكية.

إقرأ أيضا
الزهايمر والتصلب المتعدد

الكتب كثيرة لكن صعوبتها أن الباحث (بمعنى الباحث) لما يعمل في موقع نوعي (بمعنى الموقع النوعي)، تحتاج إلى مهارة في البحث وثقافة ذاتية تشكلت عبر السنوات، إلى جانب القدرات الفردية؛ وشيئًا فشيئًا بدأت الجرائد القديمة تظهر على الساحة قبل 3 سنوات من الآن، عن طريق مواقع مجانية، ثم تحولت إلى مواقع باشتراك، ثم صارت مواقع تخص فئات معينة، وبعدها نزلت الجرائد القديمة الأسواق فصار لها تجارها وأماكنها وأيضًا زبائنها، فكان الصحفيين أكثر الزبائن، بعدما كان الزبون إما منتج أو سيناريست وباحثين يريدون جرائد معين.

لاحقًا صارت الجرائد القديمة أداةً لأي أحد يريد أن يكتب موضوع لايت بلقطة أو بدون لقطة، سواءًا كان ذلك الـ أحد له في البحث والتاريخ أو ليس له فيهما باع ولا نصيب، فالجرائد القديمة لا تتطلب تخصصًا علميًا، وبالتالي فهي بحر لا ينضب من الأفكار وغير ذلك، بل وصارت مهنة لمعدي الأفلام الوثائقية التي صارت مطلوبةً من القنوات التلفزيونية، فمن معه أرشيف يسوى ومن ليس معه فهو لا شيء أو بالتحديد (عادي).

اقرأ أيضًا
كيف وصل أرشيف الأهرام إلى إسرائيل ؟ الميزان يشرح لك الكذبة الصهيونية

وسط تنافسية شرسة بين المواقع وبعضها، وبين الزملاء وبعضهم، صار التميز مطلوبًا، لكن التميز يتطلب عدة عوامل لها صلة بمهارات البحث والقدرات الفردية ووجود أرشيف وغيرها من الأشياء، لكن أهم عامل ينبغي توافره هو الحب، ومسألة الحب هذه شرطها الأوحد أن لا تكون الجرائد القديمة بالنسبة للباحث مجرد مخزن بضاعة لعرضها، أي لا تكون قيمة الجرائد أنها تساعد على إكمال التارجت أو إنهاء إعداد فيلم وثائقي، فحصرها في ذلك يجعل الهدف الوحيد هو المادة، وذلك الهدف ليس عيبًا لكن وحدته لا تؤدي للإبداع إنما فقط تؤدي للطلْصَقة، بعكس الحب لذات الشيء، فهو يعطي أشياءًا تضمن المادة لكنه يقوم على قاعدة وهي (على أد ما تدي الجرايد القديمة حب، على أد ما تديك تميز).

الكاتب

  • الجرائد القديمة وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان