من هو محمد صائم الدهر “قصة الصوفي المغمور البريء من كسر أنف أبو الهول”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
إن سألت عن من هو محمد صائم الدهر فلن تجد له ذكرًا في الشبكة العنكبوتية سوى أنه الشيخ المغمور الذي هدم أنف أبو الهول، دون وجود سيرة ذاتية للرجل تعرفنا عن وضعه في المجتمع المصري.
هل قام الشيخ محمد صائم الدهر بكسر أنف أبو الهول ؟
حدد المقريزي في خططه أن محمد صائم الدهر كان من صوفية خانقاه سعيد السعداء التي تأسست على يد صلاح الدين في الجمالية سنة 1168م / 564هـ، وقام محمد صائم الدهر سنة 1379م / 780هـ بتشويه وجه أبو الهول وشعثه ويضيف المقريزي على ذلك بقوله «فهو على ذلك إلى اليوم، ومن حينئذ غلب الرمل على أراض كثيرة من الجيزة».[1]
لكن قول المقريزي مشكوك في صحته وذلك لأن المقدسي في رحلاته لمصر وهو أقدم من المقريزي حيث ولد قبل المقريزي بـ 418 سنة قال أن أنف أبو الهول مكسور ولم يحدد من الذي كسر أنفه ونسب كسر الأنف إلى الشيطان، وعبر عن ذلك بقوله «وثمّ صنم يزعمون ان الشيطان كان يدخله فيكلّمه حتّى كسر أنفه وشفتاه».[2]
الباحث في الآثار محمد السابع ذهب خلال بحثٍ مستفيض إلى أن كسر أنف أبو الهول حدث في التاريخ المصري القديم وتحديدًا في وقت الأسرة الثامنة عشر المصرية وبالضبط إبان حكم الملك إخناتون بواسطة حملته الشاملة في سبيل إبادة أي ذِكر أو رمز للإله آمون؛ وبغض النظر عن ترجيح ذلك الرأي من عدمه، لكن يقينًا لم يكن محمد صائم الدهر ضالعًا في ذلك.
من هو محمد صائم الدهر ؟
هناك شخصيتين في ذلك الزمن كان اسمهما محمد صائم الدهر، الأول هو القاضي تاج الدين محمد بن محمد بن محمد بن المليجي المصري، وكان خطيبًا لمدرسة السلطان حسن، وقد ولد سنة 1326م / 726هـ ومات سنة 1394م / 796هـ[3]، وتولى منصب رئيس الحسبة في 1 نوفمبر 1381م / 5 شعبان 783هـ.[4]
أما الثاني وهو الراجح أن يكون المقصود في القصة فهو الشيخ محمد صائم الدهر واسمه الحقيقي والكامل هو محمد بن صديق التّبريزي، وليس هناك معلومات عن سيرته الذاتية باستثناء أن اسمه جاء في وفيات سنة 786هـ عند بن تغرى بردى حيث قال «توفّى صائم الدهر الشيخ محمد بن صديق التّبريزىّ الصوفىّ في ليلة الاثنين خامس عشر شهر رمضان بالقاهرة (7 نوفمبر 1384م)، أقام نيّفا وأربعين سنة يصوم الدهر (السنة كلها باستثناء أيام العيد والتشريق)، ويفطر على حمّص بفلس لا يخلطه إلا بالملح فقط، وكان على قدم هائل من العبادة».[5]
وعلة الترجيح في أن المقصود هو الثاني، أن المقريزي لما تكلم عن الاثنين ميز بينهما بلقب الصوفي، ومن المؤكد أن المقريزي أخطأ لما أورد اسم صائم الدهر الصوفي كمحطم لأنف أبي الهول سنة 1379م، لكن خطأ المقريزي له مبرره، وذلك لأن محمد صائم الدهر الصوفي اشتهر عنه موقفه المتشدد مما يراه مخالفًا للدين، وتزداد هذه الشهرة باستجابة الحكام له، ويعزز ذلك قصة أوردها بن إياس في تاريخه عن صائم الدهر.
اقرأ أيضًا
“هل قالها أصلاً ؟” حول إساءة عمرو بن العاص لسيدات مصر بمقولة نساؤها لعب
ذكر بن إياس في تاريخه لأحداث ربيع الآخر سنة 781هـ / نوفمبر 1379م أن الشيخ الصائم ذهب إلى الأمير بركة المشارك في تدبير أمور الدولة المصرية مع الظاهر سيف الدين برقوق، وقال له أن الفسق والمعاصي قد كثر في الخلجان وبركة الرطلي، فأمر الأمير بركة بإغلاق الخلجان والبركة بسلاسل واشتمل ذلك أيضًا إغلاق فم قنطرة السد وقنطرة موردة، ومنع المراكب من الدخول للخلجان وبركة الرطلي، وأنشد شعراء كثر أبياتًا تنتقد قرار الأمير بركة الذي جاء بسبب الشيخ صائم الدهر.[6]
[1] المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج1، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1418هـ / 1998م، ص230.
[2] المقدسي، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط/3، مكتبة مدبولي، القاهرة – مصر، 1411هـ / 1991م، ص210.
[3] ابن حجي، تاريخ ابن حجي .. حوادث ووفيات 796هـ – 815هـ، تحقيق: أبو يحيى عبدالله الكندري، ج1، ط/1، دار بن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، 1424هـ / 2003م، ص43.
[4] المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، ج5، ط/1، دار الكتب العلمية، لبنان – بيروت، 1418هـ / 1997م، ص124.
[5] ابن تغرى بردى، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج11، ط/1، مطبعة دار الكتب المصرية، 1369هـ / 1950م، ص303.
[6] ابن إياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق: محمد مصطفى، ج1، ق2، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة – مصر، 1403هـ / 1983م، ص ص242–243.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال