زبون آخر الليل .. خدعة برنامج The Blind Date Show
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
هناك أسلوب شهير في التجارة اسمه “البيع عَ الهوا”، بالضبط أن يأتي إليك أحدهم ويعرض عليك شراء عقار في عمارة ستستلمها بعد عام من الآن، والحقيقة أن العمارة لا وجود لها من الأساس، فقط هو يجمع منك ومن كثيرين غيرك سعر بناء العقار إضافة إلى أرباحه الشخصية، من قبل البدء في البناء من الأساس، وشريطة استخدام هذا الأسلوب أن يكون “العميل” المستهدف متعطشًا للسكن والاستقرار فلن يبحث عن تفاصيل كثيرة أثناء الشراء لدرجة أنه بالإمكان أن تبيع له الأحلام، واسأل أي تاجر عن “زبون آخر الليل” وهو الرجل الذي يدخل المحل قبل إغلاقه بدقائق ويطلب سلعة معينة يدرك صاحب المحل جيدًا أن الزبون لا يملك الوقت الكافي للبحث في غيره من المحلات عنها، فيضاعف له السعر وهو متأكد تمامًا أن الزبون سيشتريها .. وليس بعيدًا ما يفعله طاقم صنّاع برنامج The Blind Date Show عما يفعله تجّار العقارات المتمرسين وأصحاب المحلات المتأهبين للإغلاق .. إنهم يبيعون البضاعة عَ الهوا، وأنت زبون آخر الليل.
ماذا نقصد بذلك تحديدًا، فلنفكّر بطريقة تبادل الأدوار .. ولنكن الآن في دور منتج البرنامج .. إننا أمام بيع أكثر السلع شُحّا في مجتمعنا .. “الحب” .. لذلك فإننا أمام سوق متعطّش لتجربة الحديث وإبداء الرأي والرأي الآخر في حلقات يخلق “الاسكربت” فيها صراع الديكة الشهير بين الرجل والمرأة، فتتغذى الحلقات بخلطة شعبية لا تفشل أبدًا في جذب الكثير من المشاهدات، هذا بالإضافة لاختيار نوع الضيف بالظبط، حيث أن أغلبهم من “الإنفلونسرز” الذين في استطاعتهم خلق حالة (الفَرك) أمام الكاميرا، فتجذب الجمهور المستعد أصلًا لشراء السلعة، ومن ثَم يستعد طاقم التمثيل للعب أدوار العريس والعروس، وهي لحظات شديدة الخصوصية الإنسانية ما يجعل عرضها على الشاشة نوعًا من الفضائح المحببة إلى قلب المشاهد، فيحشرك البرنامج حشرًا في زاوية لابد فيها أن تشاهد الحلقات حتى وإن كنت معترضًا على طريقتي المعالجة والعرض.
ومن ضمن تلك الحلقات التي نالت شهرة كبيرة في برنامج The Blind Date Show، حلقة مصممة الأزياء هادية غالب، ورجل الأعمال أحمد غازي .. وحازت هذه الحلقة على عدد ضخم من المشاهدات، وتداول كثيرين تحليلات لشخصيات هادية وأحمد، وما دار منهم من موضوعات، وفي هذا انقسم المشاهدين إلى العديد من الفِرَق المختلفة، فهؤلاء اجتمعوا على أن أحمد قد انتصر على هادية، وهؤلاء استنتجوا العكس تمامًا .. ودارت معارك كلامية جانبية على مواقع التواصل الاجتماعي “سوشيال ميديا” متفرعة من المعركة الكبيرة، وأشعل منتج البرنامج المأخوذ عن فكرة مسلسل وبرنامج أمريكي، أشعل سيجارته في سعادة بالغة بأن زبون آخر الليل قد شرب البضاعة .. وهؤلاء المتعطشين للحب، والحديث حول الحب، والالتفاف حول شعلة الحب .. هم الآن يتصارعون للإجابة عن أسئلة: من فاز، ومن انهزم، ومن سحق الآخر، ومن دمر مشاعر الأخر تدميرًا ؟ .. وكذا أصبحنا جميعًا كزبون آخر الليل!
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال