هل يقف يهوذا الذي غاب عن العشاء الأخير خلف أزمة مشهد اللوحة في الأولمبياد؟
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أثارت فقرة العشاء الأخير في أولمبياد باريس 2024م غضبًا كبيرًا في أوساط المسيحيين على مستوى العالم بسبب فقرة اعتبروها محاكاة للوحة العشاء الأخير، إذ احتجت الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا على تلك المحاكاة والتي جاءت بمتحولة جنسيًا لتجسيد المسيح قبل تمثيلها لإله الخمر ديونيسوس[1]، وذلك الاستنكار شاركتها فيه جهات وشخصيات أخرى، مثل مجلس النواب الأمريكي وإيلون ماسك ورجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، ومغردين مسيحيين من أنحاء العالم.
العشاء الأخير في أولمبياد باريس .. أهو أخذ الثأر القديم من الكنيسة
يعتبر كثيرون أن فقرة محاكاة العشاء الأخير في أولمبياد باريس جاءت لدعم المتحولين جنسيًا ومجتمع الميم، في استمرار لدعم المنظمات والمؤسسات الكبرى في العالم لهم، بينما ذهب آخرون إلى أن اللوحة لا تمثل العشاء الأخير لوحة وليمة الآلهة.
بينما رأى البعض الآخر أن إدارة الأولمبيات في دورة 2024م أرادت الانتقام من الكنيسة وذلك لأن الإمبراطور ثيودوسيوس الذي مؤمنًا بالمسيحية، أصدر قرارًا عام 394م يقضي باعتبار الأولمبيات رجسًا من عمل الوثنية وتم منعها
إذ أن الأسطورة تقول بأن تأسيس الدورة الأولمبية جاء لتكريم زيوس إله الآلهة الإغريقية وكان يقام في بقعة مقدسة لزيوس عند ملتقى نهري كلاديوس والفايوس.[2]
مسلسل أزمات اللوحة وحلقات لم تنتهي
أي من الاحتمالات قابل للتصديق خاصةً في ظل صمت اللجنة المنظمة لأولمبياد باريس أمام أسئلة وكالات الأنباء العالمية[3]، إلا أن الشيء اليقيني هو استمرار أزمات تلك اللوحة في التاريخ.
اقرأ أيضًا
العشاء الأخير .. أكثر من مجرد لوحة
أبرز تلك الأزمات أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لا تعترف نهائيًا بها، ويدلل على ذلك أنه في 26 مارس 2003م سُئِل البابا شنودة عن مدى صحة الصورتين عن العشاء الرباني هل الصورة التي بها 11 تلميذ أم 12 تلميذ، فاعتبر أن صورة ال11 تلميذ هي الصحيحة لأن يهوذا لم يكن موجودًا في العشاء الرباني.[3]
موقف البابا شنودة ترجمه بعد ذلك بشكل عملي في يونيو من نفس العام، عندما أصدر قرارًا بتكليف الفنان إيزاك فانوس بتمصير وقبطنة لوحة العشاء الأخير وحذف يهوذا منها[4]، وحدث حينها جدل في الأوساط المسيحية انتهى بتصميم البابا شنودة على قراره، رغم انتشار كتاب الأب متى المسكين عن العشاء الأخير نفسه.
أزمة أخرى بسبب اللوحة ولكنها كانت فنية، فرغم تفسير كثيرين إلى أن الحلقة الأخيرة في مسلسل السبع وصايا ومشهد الإخوة كان مشابهًا لعشاء المسيح، لكن رد الفعل الرافض للاستلهام الفني حضر مع مسرحية المدينة الفاضلة في مايو 2024م عن رواية ماكسيم جوركي التي قامت بها جامعة حلوان، والتي سببت أزمةً لدى المسيحيين في مواقع التواصل الاجتماعي، لأن أفيشها كان مأخوذًا من لوحة العشاء الأخير، ومع استنكار السوشيال ميديا فإن إدارة جامعة حلوان ذكرت بأن بأن الطلاب قاموا بنشر صورة تشبة لوحة العشاء الرباني المسيحي بدون علمها، وقد تم توجيههم لإزالة الإعلان.[5]
المصطلح نفسه وإن كان لا يلقى شهرةً في الأدبيات المسيحية الأرثوذكسية كشهرة “العشاء الرباني”، إلا أنه كان عنصرًا مهمًا لعناوين مقالاتٍ صحفية لعدد من المفكرين مثل يوسف القعيد الذي حكى عن أيامه في آخر أيام الاتحاد السوفيتي لما كان موجودًا في موسكو وكان مقاله بعنوان العشاء الأخير في موسكو[6]، ثم عناوين كتب وروايات كرواية العشاء الأخير لـ ميسرة الدندراوي سنة 2020م والفلسطيني زياد بركات سنة 2000م.
لكن أكثر الكتب شهرةً في التاريخ المصري كان كتاب “العشاء الأخير للمشير” لعبدالصمد محمد عبدالصمد النائب البرلماني السابق وصديق المشير عبدالحكيم عامر، وهو أول كتاب يدافع عن المشير، ويحكي عن كواليس ما جرى في نكسة يونيو 1967م وكيفية تحديد إقامة عبدالحكيم عامر ونهايته، ونشر لصفحات من مذكراته التي تم تهريبها، وقد صدر الكتاب مطلع عام 1979م عن دار التعاون ولم يتم الرد عليه حتى الآن من قِبَل المؤرخين الناصريين مثل عبدالله إمام.
يبقى في النهاية أن أثر لوحة دافنشي فنيًا باقٍ في التأثير والذاكرة، وللدكتور ثروت عكاشة دراسة مهمة عنها نشرها في المجلد 16 عدد 2 من مجلة عالم الفكر الكويتية قال فيها «إن ما تركه دافنشي من أعمال فنية قليل قد انتهت إلينا في معظمها في حالة غير مرضية، لكن هذه الصورة التي رسمها دافنشي لم يسبق لمصور أن يرسم ما يمثالها دقةً وصدقًا حتى تكاد نقول إن هذا الموضوع لا يمكن تصويره إلا على هذا النحو»
[1] موقع اندبندنت عربية، 28 يوليو 2024م
[2] المجلة التاريخية المصرية، مج21، 1974م، ص14.
[3] وكالة CNN العربية، 27 يوليو 2024م
[3] سنوات مع أسئلة الناس للبابا شنودة، قناة مي سات القبطية، مرفوع يوتيوب بتاريخ 13 إبريل 2020م
[4] مجلة روز اليوسف، ع 13 يونيو 2003م، ص84
[5] موقع القاهرة 24، يوم 12 مايو 2024م
[6] الأهرام الاقتصادي، ع13 يناير 1992م
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال