همتك نعدل الكفة
38   مشاهدة  

تحركات رئيس الوزراء الأثيوبي تشعل الصراع في القرن الأفريقي وتُثير مخاوف دولية

القرن الأفريقي
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



لطالما كان القرن الأفريقي منطقة شديدة التعقيد من حيث الأوضاع السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية؛ ولكن مع صعود “آبي أحمد” إلى السلطة في إثيوبيا، تفاقمت الأزمات الداخلية والخارجية، مهددةً استقرار المنطقة بأكملها؛ آبي أحمد، الذي بدأ عهده بإصلاحات سياسية حظيت بإشادة عالمية، تحول مع مرور الوقت إلى زعيم يتبنى أيدولوجية تستند إلى التوسع الإقليمي، مع التركيز على ضرورة حصول إثيوبيا على منفذ بحري على البحر الأحمر بأي وسيلة كانت.

منذ البداية، بدا “آبي أحمد” أنه يحمل مشروعًا طموحًا، إن لم يكن عدوانيًا، يرتكز على تعزيز موقع إثيوبيا كقوة إقليمية، ولعل أبرز تجليات هذا المشروع كانت في توجهاته تجاه الموانئ البحرية، حيث يسعى للسيطرة على واجهة بحرية تتيح لإثيوبيا القدرة على الوصول إلى التجارة الدولية عبر البحر الأحمر. هذه الرؤية لم تكن مجرد فكرة عابرة في ذهن رئيس الوزراء الإثيوبي، بل شكلت محورًا أساسيًا في خطابه السياسي الذي لا يخلو من نزعة قومية وتوسعية، ما أدى إلى تصاعد التوترات مع جيران إثيوبيا.

وكانت أحد أبرز الأمثلة على هذه السياسة التوسعية هو الاتفاق الذي وقعته إثيوبيا مع جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دوليًا، والذي بموجبه استأجرت إثيوبيا مساحة بحرية على البحر الأحمر. هذا الاتفاق أثار غضب الصومال التي تعتبر أرض الصومال جزءًا من أراضيها، ورأت في هذا الاتفاق انتهاكًا لسيادتها، ورغم إلغاء الصومال للاتفاقية بشكل أحادي، فإن التحركات الإثيوبية أثارت قلقًا كبيرًا في مقديشو، وكذلك في دول الجوار مثل إريتريا.

ولم يكن توقيع هذا الاتفاق سوى جزء من استراتيجية أكبر، إذ سعى “آبي أحمد” أيضًا إلى السيطرة على ميناء عصب في إريتريا، وهو ميناء تاريخي كانت تعتمد عليه إثيوبيا قبل استقلال إريتريا عام 1993، ورغم تراجع “آبي” عن مغامرته العسكرية تجاه إريتريا بسبب قوة الأخيرة العسكرية، إلا أن الطموح الإثيوبي لم يتوقف، بل انتقل إلى البحث عن بدائل أخرى، وهو ما قاد إلى التحركات الأخيرة في الصومال.

القرن الأفريقي
القرن الأفريقي

وفي ظل تفاقم الأوضاع السياسية بين الصومال و أثيوبيا، قررت جيبوتي حسب حديث وزير خارجيتها “محمد علي” إن بلاده عرضت على أثيوبيا الاستخدام المشترك لميناء “تاجوره” الجيبوتي، الذي يقع في منطقة استراتيجية على باب المندب، بهدف تخفيف حدة التوتر في منطقة القرن الأفريقي وإيجاد منفذ للأثيوبيين على البحر الأحمر بدلًا من الوجود في أرض صوماليا.

الأزمات الداخلية وتأثيرها على توسعاته الخارجية

ورغم كل هذه التحركات الخارجية، فإن إثيوبيا تحت قيادة “آبي أحمد” ليست في وضع يسمح لها بمواصلة هذه السياسات التوسعية دون تحمل تبعاتها، فالبلاد تعاني من أزمات داخلية حادة، تتمثل في النزاعات العرقية المستمرة بين التيغراي، والأمهرة، والأورومو. هذه الصراعات الداخلية أضعفت من قدرة الحكومة المركزية على فرض سيطرتها، حيث خرجت نحو 70% من مناطق الأمهرة والأورومو عن سيطرة الحكومة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الوضع الاقتصادي في إثيوبيا يشهد تدهورًا ملحوظًا، مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وعلى الرغم من توقيع اتفاق السلام في بريتوريا في نوفمبر 2022، فإن هذا السلام لا يزال هشًا، خاصة في إقليم تيغراي الذي لم يتم حل أزمته بشكل كامل. كما أن النزاع بين مليشيا “فانو” الأمهرية والحكومة المركزية يضيف تعقيدات جديدة إلى المشهد الإثيوبي.

في ظل هذه الظروف، يبدو أن “آبي أحمد” يعتمد على الأيدولوجية القومية والتوسعية كوسيلة لصرف الانتباه عن الأزمات الداخلية المتفاقمة، مما يعزز احتمالات التصعيد العسكري في المنطقة، وتأتي تصريحات رئيس الوزراء وجنرالاته بشأن استعداد البلاد لحرب جديدة في منطقة القرن الأفريقي كدليل على أن إثيوبيا قد تكون مستعدة للجوء إلى القوة لتحقيق أهدافها الإقليمية.

نزاع مصر وأثيوبيا حول سد السد

لا يمكن قراءة التحركات الإثيوبية بمعزل عن النزاع المستمر بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، فبينما تواصل إثيوبيا ملء السد دون التوصل إلى اتفاق نهائي مع مصر والسودان، ترى القاهرة أن هذه التحركات تمثل تهديدًا لأمنها المائي، ومع تصاعد التوترات، قد تتجه مصر إلى تعزيز حضورها الإقليمي في الصومال ومناطق أخرى من القرن الأفريقي، وهو ما يفسر إرسالها طائرات عسكرية إلى مقديشو محملة بمعدات عسكرية، في خطوة أثارت قلق أديس أبابا.

البروتوكول الموقع بين مصر والصومال، والذي يقضي بإرسال قوات مصرية للمشاركة في بعثة الاتحاد الأفريقي للسلام في الصومال، يعتبر محاولة مصرية لموازنة النفوذ الإثيوبي في المنطقة، بعد سياسة التوسعات التي تنتهجها، ورغم أن التصعيد العسكري بين البلدين غير مرجح في الوقت الحالي، إلا أن التوتر السياسي على أوجه خاصة بعد سلسلة التصعيدات التي  انتهجتها أثيوبيا لدى مجلس الأمن ضد مصر .

إقرأ أيضا
اليمن

إلى جانب النزاع مع مصر، تمثل التحركات الإثيوبية في الصومال وإريتريا مصدرًا جديدًا للتوتر في القرن الأفريقي. فطموح “آبي أحمد” للسيطرة على الموانئ البحرية قد يؤدي إلى صراع جديد بين إثيوبيا وجيرانها، خاصة مع تزايد النفوذ التركي والإماراتي في المنطقة، وفق مركز الدراسات الاستراتيجية، هذا بالإضافة إلى تنامي نشاط الجماعات الإرهابية مثل حركة الشباب في الصومال، التي قد تستغل هذه التوترات لتعزيز حضورها.

القرن الأفريقي
سد النهضة الأثيوبي

وفي هذا السياق، تشهد المنطقة تزايدًا في موجات اللاجئين والنزوح الداخلي، حيث فرّ الآلاف من مناطق الصراع في إثيوبيا والصومال إلى دول الجوار مثل كينيا والسودان، ومصر، كما أن الصراع المستمر قد يؤثر على حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهو ما قد يعيد نشاط القرصنة في المنطقة، خاصة قبالة السواحل الصومالية.

إن أيديولوجية “آبي أحمد” التوسعية تمثل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار منطقة القرن الأفريقي، فبينما يعاني الداخل الإثيوبي من أزمات متفاقمة، يسعى آبي أحمد إلى تحقيق طموحات إقليمية قد تؤدي إلى تصعيد عسكري جديد في المنطقة. وفي ظل غياب حل سياسي للأزمات الداخلية والخارجية، قد تجد إثيوبيا نفسها في مواجهة عواقب وخيمة، ليس فقط على الصعيد الداخلي، بل أيضًا على مستوى علاقاتها مع جيرانها. وأخيرًا فإن استقرار منطقة القرن الأفريقي يتطلب تعاونًا إقليميًا ودوليًا جادًا لتهدئة التوترات وحل الأزمات المستعرة.

اقرأ أيضًا: من التحالف الاستخبراتي إلى العداء العلني ..عن تطور العلاقات المتقلبة بين إيران وإسرائيل

الكاتب

  • القرن الأفريقي مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان