استهداف حسن نصر الله .. فصل آخر في متاهات عنف شتت لبنان

صُنِّفت تاريخيًا عملية استهداف حسن نصر الله بأنها الثانية من نوعه في تاريخ اغتيالات إسرائيل لشخصية شغلت منصب أمين حزب الله في لبنان، بعد اغتيال الأمين الثاني له عباس الموسوي في 16 فبراير 1992م.

متى بدأ تاريخ الشيعة في لبنان وتواصلهم مع إيران؟

وجود الشيعة في لبنان يعود إلى القرن التاسع الميلادي وتركز وجودهم في المنطقة الواقعة بين نهر الأوّلي في الشمال إلى منطقة الجليل في الجنوب، المسماة جغرافيًا بجبل عامل والمعروفة حاليًا باسم جنوب لبنان[1]، ولعب الجزء الساحلي من جبل عامل خلال العصر الفاطمي دورًا محوريًا في تزايد النشاط الشيعي عن طريق أئمة مساجد صيدا وصور والصرفند.[2]

التواصل بين شيعة لبنان وإيران بدأ يحدث للمرة الأولى عندما قامت الدولة الصفوية في بلاد فارس (1501م – 1736م) والتي أعلنت أن المذهب الشيعي هو دين الدولة، ولعب علماء شيعة لبنان الدور الكبير في تحول غالبية الإيرانيين من سنة إلى شيعة، وردت الدولة الصفوية الجميل لهم بتعيين علماء جبل عامل في مناصب رفيعة في الدولة الصفوية، مثل بهاء الدين العاملي[3]، وتعمق التواصل بين شيعة جبل عامل وإيران عندما اصطدمت الدولة الصفوية مع الدولة العثمانية ولجأ شيعة لبنان إلى بلاد فارس.[4]

حتى مطلع القرن العشرين انقسم لبنان إلى 4 مناطق عرقية كان المسيحيين في كل منطقة منها أقلية، بينما المناطق الأربعة كانت إسلامية سلفية، وإسلامية سنية، وإسلامية شيعية ودرزية، وكل هذه التنويعات منقسمة على بعضها البعض.

إلى أن جاء قرار فرنسا بتأسيس دولة لبنان في 1 سبتمبر 1920م، فوسعت حدود الدولة على حساب سوريا فانضم إلى دولة لبنان الكبير جبل عامل والبقاع والمدن الساحلية السنية مع إعلان استقلالها جميعًا عن سوريا، وكان ذلك خيبة أمل لشيعة لبنان الذين أرادوا الاتحاد مع سوريا، ثم تم تعويض الشيعة بأن صاروا ممثلين سياسيين لطائفتهم في الدولة، وهو ما جعل بعض الشيعة يرفضوا الوحدة الاندماجية بين لبنان وسوريا، إلى أن صار الشيعة بموجب دستور 1926م طائفة إسلامية رسمية منفصلة عن السنة.

كان استقلال لبنان عن فرنسا في 22 نوفمبر 1943م، بمثابة دخول الأسد إلى قفصٍ لتشريسه وليس لعرضه أمام الجمهور، حيث صار الاتفاق الشفهي بين فرنسا وقيادة لبنان الجديدة أن يكون الرئيس مارونيًا ورئيس الوزراء سنيًا ورئيس المجلس النيابي شيعيًا.

شعر حينها الشيعة بأنهم مواطنون درجة ثانية، خاصةً مع جعل التمثيل المسيحي في البرلمان لـ 6 منهم، في مقابل 5 من المسلمين والذين شعروا بذلك أنهم مواطنين درجة ثانية.

اقرأ أيضًا
معنى الجيش الوطني ولماذا تعلو مصر رغم تشابه بدايات التأسيس

هذا التقسيم جعل الشيعة بشعورهم أنهم مواطنين درجة ثانية، ينتشرون في أرجاء فقيرة في بيروت مثل النبعة وبرج البراجنة وعين الرمانة وباتوا ناقمين على أنفسهم أنهم جزء من الدولة، فيما بقي 20% منهم في منطقة الجنوب والذين كانوا يطالبون بمراجعة دقيقة وشاملة للنظام في لبنان.

نبؤوة لويس جوزيف لوبريه الدموية

كان جوزيف لوبري رئيس المؤسسة الدولية للأبحاث وإعداد التنمية الثقافية، أعد دراسة عن لبنان عام 1959م في إطار وضع برنامج إصلاحات اقتصادية واجتماعية وإدارية، وقال في دراسته عام 1961م أن لبنان ساحة مهيأة للحرب الأهلية القاتلة، وذلك لأن نسبة 2% من الشعب تملك 80% من وسائل الإنتاج والتوزيع، بينما تعاني منطقة الجنوب وسهل البقاع والشمال من حالة تخلف، كما أن معظم مظاهر البنية التحتية والحداثة والمشاريع التنموية تتركز في بيروت، وللحيلولة دون حدوث حربٍ أهلية لابد من عمل تنمية متوازنة، أما الشيعة فهم لا يعانون من سوء التمثيل السياسي وحسب وإنما يعانون من أزمة اقتصادية طاحنة، وعلة ذلك هو التمييز العنصري بين المناطق الحدودية المتخلفة والمتطورة، وبالتالي فإن توقع النمو في لبنان أمر مستحيل إن لم يتم مواجهة هذا التمييز العنصري بشكل سريع وبنَّاء.[5]

مع وقوع نكبة 1948م وتهجير الفلسطينيين استقر أغلب النازحين في لبنان وتزايد عددهم بعد سقوط غزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان في يونيو 1967م، فصار لبنان مرمىً للاعتداءات الإسرائيلية التي اتسمت بقدر من العشوائية، مثل هجوم إسرائيل على لبنان في 28 ديسمبر 1968م وتفجير 13 طائرة في مطار بيروت الدولي ردًا على عملية فلسطينية في اليونان استهدفت طائرة قادمة من تل أبيب لأمريكا في 26 ديسمبر من نفس العام.

أدت الهجمات الإسرائيلية المتلاحقة على لبنان إلى نزوح عائلات شيعية  كثيرة من الجنوب إلى بيروت، ثم تزايد النزوح في لبنان أكثر كلما تزداد العمليات الفلسطينية على إسرائيل منها، مما أدى إلى وجود مرارة داخل أفراد مجموعة الكتائب اللبنانية المسيحية، إذ كرهوا وجود الفلسطينيين في المخيمات، ورفضوا تجمع ثلث الشيعة في شرق بيروت، خاصةً بعد الانصهار بين شيعة جبل عامل وشيعة البقاع، لتندلع آتون الحرب الأهلية اللبنانية التي تنبا بها لوبريه، وكان هدفها التطهير العِرْقِي الكامل، وبدأت شرارة الحرب بمحاولة اغتيال الزعيم الماروني بيار الجميل زعيم حزب الكتائب.

ليتم الرد بتنفيذ مجزرة عين الرمانة حيث مهاجمة حافلة تحمل أعضاءًا من منظمة التحرير الفلسطينية إلى مخيم تل الزعتر وأدت لمقتل 27 فلسطيني، وقبل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية وبالتزامن مع نبوءة لويس جوزيف لوبريه بوقوع لبنان في تلك الحرب، ظهرت شخصية شيعية محورية هي شخصية موسى الصدر.

ظهور موسى الصدر

تعود جذور موسى الصدر العائلية إلى جبل عامل، لكن ميلاده وحياته الأولى كانت في إيران منذ ميلاده بها عام 1928م، وبعد تخرجه من كلية الحقوق في طهران وبدء دراسة الفقه في قم، سافر للعراق عام 1954م لدراسه أصول الفقه، ثم ذهب إلى لبنان عام 1958م، ليقرر الشاه إسقاط الجنسية الإيرانية عنه بسبب معارضة موسى الصدر لقمع مظاهرات إيران 1963م، ومع شراسة جهاز السافاك الإيراني في قمع معارضي الشاه لجأ كثيرون منهم إلى لبنان.

كان موسى الصدر من المقتنعين بأن الطوائف نعمة والطائفية نقمة[6]، فبدأ يعمل على تأسيس تكتل يمارس الضغط على الدولة اللبنانية لإنصاف الشيعة، فصار مؤسسًا لرئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان، ثم دعم وجود قادة شيعة في لبنان لاحقًا من أعمدة نظام الملالي في إيران مثل مصطفى جمران وزير دفاع إيران ما بعد ثورة الخميني، جنبًا إلى جنب مع قيامه بلعب دور بارز في دعم التنظيمات الفلسطينية في لبنان.

ومع بدء الخلافات اللبنانية مع الفصائل الفلسطينية جرى اتفاق بينهما في القاهرة عام 1969م أعطى الفدائيين الفلسطينيين حرية كبيرة في شن هجمات على إسرائيل من حدود لبنان تكون قاعدتها الجنوب.

لكن بعد عام اندلعت أحداث أيلول الأسود بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني، أدى لسحق الوجود الفلسطيني المسلح بعمان، فنزح عدد من الفدائيين إلى بيروت، لتندلع مواجهات بين المقاومة الفلسطينية والجيش اللبناني سنة 1973م، إذ اعتبر جيش لبنان أن فصائل المقاومة تلاعبوا باتفاق القاهرة لكي يؤسسوا دولةً داخل الدولة.

في عام واحد وهو 1974م أسس موسى الصدر حركتين، إحداهما باسم المحرومين وكانت تستهدف التخفيف عن كل الفقراء المنتسبين لكافة الإنتماءات الطائفية والعرقية، والأخرى هي حركةً اسمها أفواج المقاومة اللبنانية المعروفة باسم حركة أمل، وبعد عام من تأسيسها صار لها جناح عسكري يهدف لتحرير جنوب لبنان من الهجمات الإسرائيلية، وأيضًا الضغط على الدولة اللبنانية لإنصاف الشيعة سياسيًا، جنبًا إلى جنب مع تولي حركة أمل مهمة الأمن في الجنوب.

ورغم أن موسى الصدر عمل داخل نظام متعدد الطوائف إلا أنه كان تحت شرعية الدولة اللبنانية، ومع تفاقم الحرب الأهلية حاول موسى الصدر أن يضغط للدفاع عن المسيحيين في منطقة البقاع عندما حاولت بعض الفصائل الفلسطينية قتلهم كرد فعل على مجازر حزب الكتائب ضد مسلمي شرق بيروت.

1978م – 1979م ونواة التغيير الكبير

كان العام 1978م فارقًا في تاريخ سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، فقبله بعامين دخلت سوريا في لبنان عسكريًا، ثم قامت إسرائيل باجتياحٍ لجنوب لبنان عُرِف باسم عملية الليطاني في 14 مارس بهدف القضاء على المنظمات الفلسطينية في جنوب لبنان، وكان ذلك بروفة للاجتياح الكبير الذي حدث في سنة 1982م.

ثم جاء حدث آخر شديد الخطورة وهو اختفاء موسى الصدر في ليبيا يوم 31 أغسطس 1978م ولم يظهر حتى الآن لا حيًا ولا جثةً، مما أحدث فراغًا شيعيًا كبيرًا لم يملئه أحد، وفشلت كافة الجهود في معرفة مصير موسى الصدر.

الفراغ الذي أحدثه غياب موسى الصدر في أغسطس 1978م تم تعويضه بشخصية أخرى هي الخميني الذي أسقط نظام الشاه في 11 فبراير 1979م، وصار أغلب شيعة لبنان تابعين لإيران بعدما قام الخميني بعقد علاقات وثيقة مع كوادر حركة أمل في لبنان، ثم قامت بالتنسيق مع حزب الدعوة في العراق.

مع قرار النظام العراقي ملاحقة أعضاء حزب الدعوة عقب اندلاع الحرب الإيرانية العراقية في سنة 1980م، انضم أغلب أعضاءه إلى حركة أمل وكان من بينهم حسن نصر الله الذي كان مسؤول مجموعة في حزب الدعوة فصار مسؤولاً عن قيادة قطاع البقاع التابع لحركة أمل.

1982م وتأسيس حزب الله بعد اجتياح لبنان من إسرائيل

في مطلع يونيو من العام 1982م بدأ الاجتياح الإسرائيلي الكبير لدولة لبنان الذي نجح في إنهاء الوجود العسكري الفلسطيني أو على أقل تقدير إضعاف فعاليته، لكن الفلسطينيين المدنيين استمروا في عيشهم داخل لبنان بالمخيمات، مع تجريم حملهم للسلاح عدا الأسلحة الخفيفة، وبالتزامن مع ذلك دبت خلافات بين حركة أمل برئاسة نبيه بري ومنظمة التحرير الفلسطينية، فيما رحب حزب الكتائب بالدخول الإسرائيلي للبنان من أجل اجتثاث الفلسطينيين لدرجة أن أعضاء حزب الكتائب نثروا الأرز على جنود إسرائيل ثم تعاونوا معهم في قتل الفلسطينيين بمجازر شهيرة مثل صبرا وشاتيلا.

ثم جاء انقسام أكبر في النخبة الشيعية عندما أعلن نبيه بري رئيس حركة أمل المشاركة في هيئة الإنقاذ الوطني بالحكومة اللبنانية التي شكلها رئيس لبنان إلياس سركيس في منتصف يونيو 1982م لمناقشة حصار إسرائيل للبنان، فاحتج عدد من أعضاء حركة أمل التابعين للخميني على تلك الخطوة، وقرروا الإنشقاق عن أمل بتأسيس حزب الله.

كان المؤسسين الأوائل لحزب الله هم محمد حسين فضل الله وصبحي الطفيلي وعباس الموسوي وحسن نصر الله، وجاءت أول عملية شنها حزب الله ضد إسرائيل في 11 نوفمبر 1982م عندما قام أحمد قصير أحد مقاتلي حزب الله بتفجير نفسه في مقر القوات الإسرائيلية في صور جنوب لبنان وأدت العملية إلى مقتل 76 ضابط إسرائيلي وإصابة 20 آخرين.

وجاءت ثاني عمليات حزب الله في 13 إبريل 1983م عندما قام علي صفي الدين بتفجير سيارته في موكب إسرائيلي عند دير قانون النهر فقتل 6 جنود إسرائيليين، وكرر الحزب عمليته ضد إسرائيل بتفجير مبنى يتبع منظمة غوث اللاجئين في صور يوم 14 أكتوبر من نفس العام واستولت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي وأسفرت العملية عن قتل 29 إسرائيليًا، ثم هجومًا آخر في 23 أكتوبر استهدف قوات حفظ السلام الأمريكية والفرنسية.

بقيت السرية حاكمة لحزب الله إلى أن أصدروا في 18 يونيو 1984م جريدة العهد الناطقة بلسانهم ثم أعلنوا عن ظهورها العلني في 16 فبراير 1985م، عن طريق مجلس شورى يضم صبحي الطفيلي وإبراهيم الأمين المتحدث الرسمي باسم الحزب وعباس الموسوي، أما الأب الروحي للحزب محمد حسن فضل الله فلم يرغب في تولي منصب قيادي واكتفى بأن يكون مرشدًا روحيًا.

وفي سنة 1987م ظهر على السطح بقوة حسن نصر الله حيث تولى منصب المسؤول التنفيذي للحزب إلى جانب عضويته في مجلس الشورى ووصل عدد العمليات التي نفذها حزب الله ضد إسرائيل إلى 9 عمليات حتى يوليو 1989م، فيما شهدت لبنان انقسامًا آخر، برغبة ميشال عون في إخراج الجيش السوري القابع في لبنان منذ سنة 1976م، ليحدث الهدوء بعقد اتفاق الطائف في السعودية بين الفصائل اللبنانية المختلفة والذي بمقتضاه تمت نهاية الحرب الأهلية اللبنانية  في 22 أكتوبر 1989م.

إقرأ أيضا

صور غيرت مجرى حياة العالم

رفض حزب الله المضمون السياسي لاتفاق الطائف وأعلن قبوله الأمني لأنه يجعل الدولة اللبنانية تعتبر الجناح العسكري للحزب مقاومة وطنية لا ميليشيا، وتم السماح للحزب بالحفاظ على سلاحه ليقاوم إسرائيل في جنوب لبنان والبقاع، ثم سُمِح لحزب الله بالاحتفاظ بالسلاح والبنية العسكرية، وهو ما أجج غضب المليشيات العلمانية واليسارية لأن ذلك يعني احتكار المقاومة لإسرائيل في حزب الله فقط[7]، ولما قررت الحكومة اللبنانية في مارس 1991م حل الميليشيات المسلحة وتسليم أسلحتها للجيش اللبناني في 30 إبريل، تم استثناء حزب الله من القرار على اعتبار أنه حركة مقاومة وليس ميليشا مسلحة.

وبعد أيام عقد حزب الله اجتماعًا مغلقًا وأُعْلِنَ فيه أن عباس الموسوي هو أمين عام الحزب خلفًا لصبحي الطفيلي في 22 مايو 1991م، ثم تم إطلاق قناة المنار في 3 يونيو 1991م وبعدها حدثت أول عملية تبادل للأسرى بين إسرائيل وحزب الله بين 11 سبتمبر و1 ديسمبر من نفس العام (91 معتقل لبناني مقابل رفات 9 جنود إسرائييلن ومعلومات عن 2 آخرين).

لكن كان حزب الله بعد ذلك على مفاجأة قوية هزت هيبته للمرة الأولى إذ نفذت إسرائيل عملية اغتيالٍ هي الأولى من نوعها حيث استهداف عباس موسوي أمين عام حزب الله.

اغتيال عباس موسوي والفوارق والاختلافات مع عملية استهداف حسن نصر الله

كان عباس الموسوي هدفًا متحركًا يمشي على الأرض ولم تبذل إسرائيل عناءًا في قتله فقد كانت تعرف أن يوم  16 فبراير 1992م سيكون هناك مهرجان في بلدة جبشيت في قضاء النبطية لإحياء ذكرى اغتيال الشيخ راغب حرب، والدعوة للاحتفال موجهة من رأس قيادة حزب الله عباس الموسوي الذي سيحضر هذا المهرجان، وفكرت إسرائيل أولاً في اختطافه بعد الحفل ليفاوضوا حزب الله حول مصير الطيار الإسرائيلي رون آراد، وثانيًا لاستطلاع ومعرفة أكثر معلومات عن حزب الله.[8]

لكن تنفيذ تلك الفكرة كانت شديدة الصعوبة بسبب موكب الأمن المرافق للموسوي فقررت إسرائيل تصفيته، وبالفعل بعدما أنهى عباس موسوي كلمته في حفل تأبين راغب حرب، ذهب إلى منزل أسرة أحمد شعيب في بلدة الشرقية ثم زار منزل الشيخ ياسر حرب، ومنه تحرك إلى بلدة كوثرية السياد وأخذ الطريق المؤدي لقرية تفاحتا من قرى صيدا في جنوب لبنان، وخلال 10 دقائق تم قصف سيارة الموسوي ومات في القصف معه زوجته وابنه ومرافقه.

كان أول رد على اغتيال عباس موسوي معنويًا وهو اختيار حسن نصر الله أمينًا لحزب الله لإثبات أن القضاء على أمين الحزب لا يعني نهاية الحزب نفسه، وحاولت إسرائيل دخول منطقة الجنوب في ظل انهيار روح حزب الله المعنوية كما تصوروا، لكن قوبلوا بمقاومة فقرروا الانسحاب التكتيتي.

لكن الرد الأعنف من حزب الله ردًا على اغتيال عباس الموسوي كان تفجير السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين يوم 17 مارس 1992م والذي أسفر عن مقتل 4 إسرائيليين من بينهم زوجتيّ القنصل وسكرتيره، إلى جانب 29 مدنيًا أرجنتينيًا، وتبنت جماعة اسمها حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن الحادث انتقامًا لعباس الموسوي وتبين لاحقًا أن تلك الحركة تتبع حزب الله.

يتضح من التفاصيل العامة لاغتيال عباس الموسوي أنها تختلف عن عملية استهداف حسن نصر الله أمين حزب الله، فالأخير كان هو أطول أمناء حزب الله مدةً في منصبه وحاولت إسرائيل استهدافه أكثر من مرة، لكنه كان يعمل تحت الأرض بعكس الموسوي الذي كان هدفًا متحركًا دائمًا.

أمر آخر كشفته عملية استهداف حسن نصر الله وهو ترهل إجراءات حزب الله الأمنية التي اشتهرت بها بعد حرب 2006م، بدأت بتفجير البيجر وانتهت باغتيال نصر الله، يضاف إلى ذلك ظهور مدى انهيار المنظومة الإيرانية الأمنية وإحراجها بشكلٍ بالغ، بدايةً من اغتيال إسماعيل هنية في طهران يوم 31 يوليو 2024م ثم استهداف حسن نصر الله في 27 سبتمبر من نفس العام.

كذلك فإن رد الفعل على اغتيال حسن نصر الله كان متباينًا أكثر من اغتيال الموسوي، ويرجع ذلك إلى تورط حسن نصر الله وحزب الله على يديه في أعمال سياسية ساهمت في تمزيق لبنان مثل اغتيال رفيق الحريري، ثم اعتراض حزب الله على انسحاب سوريا من لبنان، وأيضًا دعم حزب الله لبشار الأسد، إلى جانب الإعلان التام والواضح في استخدام نفسه أداةً للتوسع الإيراني في المنطقة بسوريا والعراق واليمن.

ويأتي آخر اختلاف في أنه لم يصدر رد فعل قوي من إيران أو حزب الله إزاء عملية اغتيال حسن نصر الله مثل اغتيال الموسوي باستثناء سرعة اختيار أمين عام للحزب وهو هاشم صفي الدين، لتعاد الكَرَّة مرةً أخرى منذ 1992م، ويبقى السؤال هل سيملئ صفي الدين فراغ نصر الله كما ملئ الأخير فراغ الموسوي، التاريخ لا يكرر نفسه بالتأكيد، لكن الإنسان يكرر نفس الأفعال.

[1]  يوسف الأغا، حزب الله التاريخ الأيدولوجي والسياسي، ترجمة: نادين نصر الله، ط/1، مركز دراسات عراقية، بيروت – لبنان، 2008م، ص22.
[2]  محمد حمادة، تاريخ الشيعة في لبنان وسوريا والجزيرة في القرون الوسطى، ترجمة: محمود الزين، ط/1، دار بهاء الدين العاملي للنشر والتوزيع، بعلبك – لبنان، (د.ت)، ص214.
[3]  يوسف الأغا، حزب الله التاريخ الأيدولوجي والسياسي، ص23.
[4]  ستيفان وينتر، الشيعة في لبنان تحت الحكم العثماني 1516م – 1788م، ترجمة: محمد حسين المهاجر، ط/1، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت – لبنان، 2016م، ص55.
[5]  يوسف الأغا، حزب الله التاريخ الأيدولوجي والسياسي، ص31.
[6]  هذا القول أورده القائمين على موقع موسى الصدر الإلكتروني، وأكده رائد شرف الدين ابن أخت موسى الصدر في وثائقي الإمام والعقيد.. اختفاء موسى الصدر في ليبيا، إنتاج قناة الجزيرة القطرية يوم 3 إبريل 2012م
[7]  يوسف الأغا، حزب الله التاريخ الأيدولوجي والسياسي، ص63.
[8]  العميد وليد سكرية، وثائقي أمين الجهاد والشهادة عباس الموسوي (ج4)، إنتاج قناة المنار الفضائية، (د.ت)