“خريطة ماركو بولو وإسرائيل” هكذا وقعت مجلة العربي في الخطأ بسبب جوجل
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
عادت مجلة العربي الكويتية إلى الأسواق المصرية والعربية بعد انقطاع دام خمسة أشهر منذ يونيو 2024م [ع787] هذا الغياب، الذي لم تكشف المجلة عن أسبابه حتى اللحظة، انتهى بطرح عدد شهر يوليو [ع788] يوم 20 نوفمبر 2024م.
ومع عودة المجلة التي لاقت ترحيبًا واسعًا من جمهورها المتعطش لإصداراتها، أثارت صورة داخل عدد يوليو حالة من الجدل، وهي الصورة التي تحمل خريطة “طريق الحرير” المأخوذة من رحلة الرحالة الإيطالي “ماركو بولو” [1254م – 1324م] وظهر فيها اسم “إسرائيل”، ما أثار غضب شريحة من القراء، وسط تساؤلات حول مغزى نشرها وتداعياتها على سمعة المجلة.
قصة صورة خريطة ماركو بولو وإسرائيل
في “باب استطلاع”، أحد الأبواب الرئيسية الثابتة للمجلة منذ صدور عددها الأول في ديسمبر 1958م، قدمت دلال محمد المطيري موضوعًا مصورًا بعنوان «تاجر البندقية ماركو بولو» [ص ص36–65]، و”باب استطلاع” فكرته هي استعراض البلاد بالصور الميدانية والقديمة مع شرحٍ لما يتعلق بتلك البلدان.
كانت مناسبة “استطلاع” «تاجر البندقية ماركو بولو» هو الكرنفال الذي تشهده مدينة البندقية هذا العام، بمناسبة الذكرى ال700 للرحالة “ماركو بولو”، وقدمت دلال محمد المطيري 42 صورة؛ 39 منها التقطتها بعدستها الخاصة لمعالم البندقية [ملحوظة|| في إعلان يونيو عن “الاستطلاع” كُتِب أن المصور هو صالح تقي]، إلى جانب 3 صور أرشيفية، وجميعها جاءت في سياق الموضوع وهو مدينة البندقية ورمزها “ماركو بولو”.
من بين الصور الأرشيفية التي ظهرت في “الاستطلاع”، برزت خريطة تفصّل المسار البري الذي قطعه الرحالة الإيطالي “ماركو بولو” إلى الصين، غير أن الخريطة حملت خطًأ تاريخيًا صارخًا، حيث أُشير إلى اسم “إسرائيل” بدلًا من “فلسطين” [ص57]؛ وهو خطأ أثار انتقادات لمخالفته الحقائق التاريخية لأن “إسرائيل” قامت سنة 1948م، بينما رحلة “ماركو بولو” كانت بين عامي 1271 و1292م.
كيف حدث خطأ خريطة ماركو بولو وإسرائيل؟
ليس من الواضح تمامًا إن كانت الكاتبة هي التي استعانت بهذه الصورة، أم أن الأمر وقع بفعل مسؤول النشر [الديسك أو الأبلودر]، ولكن ما يبدو جليًا هو أن أحدهما استعجل في الاستعانة بالصورة، فإن كانت الكاتبة، فلعل استعجالها نبع من حرصها على إرسال الموضوع في وقته المحدد، أما إن كان المسؤول عن النشر، فقد يكون السبب هو ضغط تسليم العدد للطباعة دون تأخير.
اقرأ أيضًا
كيف ودعت مجلة العربي مؤسسها المصري أحمد زكي عاكف لما مات ؟
غير أن ما لا يقبل الجدل هو أن الخطأ نبع من الاعتماد على جوجل دون التحقق الدقيق أو بذل جهد بسيط لاستبدال الصورة بأخرى أصلية أو على الأقل مشابهة، خاصةً أن التقرير ذاته أورد صورة أرشيفية صحيحة لغلاف الكتاب الأصلي لرحلة “ماركو بولو”، ما جعل هذا الخطأ أكثر وضوحًا وإثارة للاستغراب.
اقرأ أيضًا
“مجلة العربي وغزو الكويت” قصة مرحلة التوقف والصدور من مصر
يعود أصل الصورة إلى قناة GlobalEAT على موقع يوتيوب، والمتخصصة في السفر العالمي والسياحة الغذائية، ونشرته القناة في فيديو بتاريخ 7 يونيو 2019م، ثم استعان به الموقع الرسمي لمهرجان طريق الحرير الذي حدث يوم 6 يوليو 2019م في الصين، ومن بعدها انتشرت الصورة على مدار سنوات في عدد من صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة والمواقع الصحفية أيضًا.
الغريب أن الموقع نفسه أرفق خريطتين، الأولى خريطة جامعة هارفارد جاء فيها مدن الحرير، وليس فيها اسم إسرائيل وإنما القدس باللغة الإنجليزية Jerusalem، أما الخريطة الثانية فهي خريطة تفاعلية وليس فيها ذكر اسم فلسطين أو القدس.
هذا ليس الخطأ الوحيد؛ فمجلة العربي، التي تُدار من الكويت، على دراية بأن اسم “السعودية” بالإنجليزية لم يظهر على خرائط طريق الحرير أو أي خريطة أُصدرت قبل عام 1932م، وهو العام الذي تأسست فيه المملكة العربية السعودية رسميًا (باللغتين: العربية والإنجليزية). [في عام 1902م، كانت السعودية تُعرف بـ”سلطنة نجد”، ثم تحوّل اسمها إلى “مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها” بعد استعادة الملك عبدالعزيز السيطرة على مكة والمدينة عام 1926م، ليتم الإعلان عن توحيدها تحت اسم “المملكة العربية السعودية” عام 1932م].
الطريف في الأمر أن مجلة العربي استعانت بهذه الصورة كما هي، دون تعديل، مع الإبقاء على شعار “لوجو” موقع الاحتفالية عليها، ما يعكس درجة الاستعجال التي ربما دفعت المسؤول إلى هذا الخطأ.
من الجدير بالتنويه أن صورة غلاف كتاب “رحلات ماركو بولو” التي استند إليها تقرير المجلة ليست سوى صورة الطبعة الأولى من الكتاب التي صدرت في إيطاليا عام 1496م، وما يلفت الانتباه في هذا السياق هو أن الكتاب في محتواه لا يتضمن أي خرائط.
بل إن الخرائط التي أُلحقت برحلات “ماركو بولو” إنما أُعِدَّت بواسطة رسامين وجغرافيين قاموا بتفسير الأوصاف التي وردت في كتابه، وذلك بعد قرنين من صدور الطبعة الأولى.
أما مسألة فلسطين في رحلات “ماركو بولو”، فلم تأتي باسم فلسطين وإنما جاءت باسم بيت المقدس في سياق كلامه عن أبيه وعمه عندما ذهبا إلى بيت المقدس لجلب قارورة من الزيت المقدس من بيت المقدس [رحلات ماركو بولو، ترجمة من الإنجليزية للعربية: عبدالعزيز جاويد، ج1، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص ص36–38].
هل هذا الخطأ يسيء إلى مجلة العربي ؟
لا يعد هذا الخطأ إساءة لـ”مجلة العربي” أو لدولة الكويت، التي تُعد من أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية ولها تاريخ مشرف في هذا الصدد، وكانت المجلة قد خصصت عددين للحديث عن فلسطين عقب أحداث طوفان الأقصى، [ع781، ديسمبر 2023م] و [ع786 في مايو 2024م] إلا أن هذا الخطأ يستدعي توضيحًا رسميًا واعتذارًا من المجلة، وهو ما سنتابع حدوثه في حال وقوعه.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال