همتك نعدل الكفة
21   مشاهدة  

“لماذا حدث هجوم حلب؟” أربع أسباب ترسم المستقبل المُظلِم لسوريا

هجوم حلب
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



نفذت جماعة “هيئة تحرير الشام” هجومًا عنيفًا في 27 نوفمبر 2024م، استهدف قوات الجيش السوري الرسمي في حلب، انطلاقًا من معقلها الحصين في “إدلب”، لم يكن هذا الهجوم مفاجئًا، فالمشهد السياسي خلال العام الماضي كان بمثابة عدسة مكبرة ترصد تفاعلات الهيئة وتحركاتها، لاسيما في محافظة إدلب التي تفرض عليها قبضتها الحديدية.

هجوم حلب
مقاتلي “هيئة تحرير الشام”

تحت شعار “ردع العدوان”، اجتاحت قوات الهيئة وحلفاؤها حلب، في خطوة تحمل بين طياتها دلالات عميقة على التحول الاستراتيجي في نهج الهيئة، وتلك التحولات لم تأتِ من فراغ، بل كانت امتدادًا لمسارات تشكّلت بفعل تطورات إقليمية متسارعة، أبرزها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023م ودفعت مختلف القوى إلى إعادة رسم استراتيجياتها.

هجوم حلب
هجوم حلب

وشهدت كل من مدينة “سراقب” بمحافظة إدلب وأجزاء من محافظة حلب فصولًا دامية إثر الهجوم الذي شنته “هيئة تحرير الشام” على قوات الجيش السوري الرسمي، وما لبث الهجوم أن استمر يومين حتى تمكنت “الهيئة” من فرض سيطرتها على الطريق الدولي “M5”، وهو الشريان الذي يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق، ممتدًا غربًا نحو اللاذقية، ولم تكتفي “الهيئة” بذلك، بل بسطت نفوذها على نصف أراضي المدينة، في خطوة جريئة هزت أركان المشهد العسكري والسياسي السوري.

المشهد العالمي قبيل هجوم حلب وخلفياته

هجوم حلب
هجمات ريف حلب

يبدو أن “هيئة تحرير الشام” قرأت المشهد بدقة، مستغلةً الفراغات الناشئة عن تلك الحرب، لتضع نفسها في موقع المؤثر الفاعل، فبهذا الهجوم، لم تكن “الهيئة” تسعى فقط للسيطرة على الأرض، بل لإعادة صياغة موازين القوى في الشمال السوري، في رسالة واضحة بأن “إدلب” لن تكون مجرد معقل؛ بل نقطة انطلاق نحو أهداف أوسع.

من هجمات حلب
من هجمات حلب

وبين أروقة الصراع في الشرق الأوسط، تبرز “حرب حلب” كجزء من لوحة معقدة، فـ ”هيئة تحرير الشام”، التي طالما دأبت على استغلال الفرص، خططت بعناية لتحركاتها في حلب، ساعيةً لإعادة رسم حدود التماس مع قوات الجيش السوري الرسمي والمليشيات الإيرانية الداعمة له، وتلك الخطة لم تكن وليدة اللحظة أو محض انفعال ظرفي، بل هي نتيجة استراتيجية متراكمة، مستندةً إلى زخم العمليات السابقة التي امتدت على مدار العام الماضي.

هجوم حلب
شعار هيئة تحرير الشام

تزامنت هذه الخطوات مع ضغوط متزايدة يتعرض لها النظام السوري وحلفاؤه، في ظل أجواء متوترة خلفتها الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان ما أثر كثيرا بالسلب على حزب الله الموالي لإيران والداعم عسكريًا للنظام السوري على أساس طائفي، كذلك فإن روسيا (الحليف والداعم الأكبر للنظام السوري) المنشغلة بصراعاتها مع أوكرانيا، تركت فراغات تكتيكية في سوريا، تحاول أن تسدها إيران بتحركاتها العسكرية.

هجوم حلب
طريق حلب ــ إدلب ـ دمشق الدولي

لكن، تداعيات العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني في أواخر أكتوبر 2024 دفعت إيران لإعادة هيكلة وجودها داخل سوريا، ما أتاح “للهيئة” استغلال المشهد لصالحها، وهكذا، تداخلت خيوط التحالفات والخصومات لتشكل مشهدًا معقدًا يتجاوز حدود حلب ليعكس عمق الأزمة الإقليمية، وجاء هذا الهجوم في لحظة حساسة، تتزامن مع تطورات إقليمية متسارعة، تحمل في طياتها إشارات واضحة يمكن من خلالها فهم دوافع “الهيئة” لاتخاذ هذه الخطوة النوعية، والتي حال نجاحها سترسم ملامح جديدة للصراع في المنطقة.

هجوم حلب
هجوم حلب

في مشهدٍ يعكس تعقيدات المشهد السوري الراهن، أعلنت “هيئة تحرير الشام” أن تمدّدها نحو حلب جاء ردًّا على ما وصفته بـ”العدوان الروسي – السوري المشترك” الذي استهدفها طوال شهر أكتوبر من عام 2024م، حيث شنّت القوات المسلحة السورية بالتعاون مع قوات روسية حملةً عسكرية ضارية على فصائل “الهيئة” في “إدلب”، بهدف كبح محاولاتها الخروج من نطاق سيطرتها، إلا أن تلك الفصائل عادت مع حلول نوفمبر 2024 لتبسط نفوذها فعليًا نحو “حلب”، انطلاقًا من “إدلب”. 

آلة عسكرية روسية في سوريا
آلة عسكرية روسية في سوريا

هذا التطور يحمل بين طياته دلالاتٍ عميقة، وينذر بتغيراتٍ خطيرة قد تدفع سوريا نحو تصعيد عسكري جديد يهدد ما وُصف بـ”الاستقرار النسبي”، والذي خيّم على المشهد منذ عام 2017م، عندما نجحت “صيغة آستانا” بين سوريا وتركيا وإيران برعاية روسيا في فرض آلية “خفض التصعيد”.

هجوم حلب
اجتماع آستانا

ومع أن صيغة آستانا، وما تبعها من “اتفاقية خفض التصعيد” في سبتمبر 2018 ومارس 2020، حاولت إلزام “هيئة تحرير الشام” بحدود جغرافية معينة، إلا أن “الهيئة” ظلت تتحدى هذه القيود؛ لتؤكد رفضها لأي صيغة تحاول تركيا وروسيا فرضها على أرض المعركة.

أسباب هجوم حلب

هجوم حلب
مدينة حلب

ثمة أسباب وراء هجوم “جماعة تحرير الشام”، ذكرها تقرير صادر عن “مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية”، وجاء أول هذه الأسباب اتفاق وقف إطلاق النار بين “حزب الله” وإسرائيل، وسريانه في 27 نوفمبر 2024م، فهذا الاتفاق يفتح الباب أمام إيران لإعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، وتوجيه مليشيتها الرئيسية في المنطقة للتركيز على الجبهة السورية، حيث يُتوقع أن تشهد تغييرات استراتيجية.

هجوم حلب
هجمات حلب في سوريا

“هيئة تحرير الشام”، التي ترقبت هذا التحول بقلق، سارعت بشن هجوم مباغت على خطوط الجيش السوري والمليشيات الإيرانية في ريفي “إدلب” و”حلب”، بهدف استباق خطوات إيران لإعادة ترتيب مليشياتها، خاصة في مدينة حلب؛ ولعل التقدم السريع الذي أحرزته فصائل “الهيئة” في غضون يومين من الاجتياح يُفَسَّر بغياب الدعم الكافي للمسلحين المدعومين من إيران في تلك المناطق، ما يعكس محدودية تحركات الفصائل الإيرانية في “حلب”.

هجوم حلب
خامنئي وبشار الأسد

أما ثاني أسباب هجوم حلب فكان زيارة الرئيس السوري “بشار الأسد” إلى روسيا في 28 نوفمبر 2024م، وهي الزيارة التي مثّلت خطوة بارزة في سياق إعادة تشكيل العلاقات السورية-الروسية وسط مستجدات إقليمية متسارعة، وتناولت الزيارة عدة ملفات رئيسية، من بينها: تقييم اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل في الجنوب اللبناني، وتنسيق الأدوار العسكرية الإيرانية في سوريا، إضافة إلى استشراف سبل تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا.

هجوم حلب
بوتين وبشار الأسد

بالتزامن مع تلك الزيارة استغلت “هيئة تحرير الشام” هذا التوقيت لإرسال رسالة ميدانية وسياسية، عبر سيطرتها على مزيد من الأراضي في “حلب”، محاولةً بذلك فرض واقع جديد على النظام السوري وحلفائه، واعتُبر الهجوم بمنزلة ردّ مباشر على الغارات المشتركة التي استهدفت “إدلب” طوال أكتوبر 2024م، في سياق المواجهة المستمرة بين الطرفين.

إقرأ أيضا
ليلة وردة
هجوم حلب
هجوم مدينة حلب

والسبب الثالث يتمثل في تحرك “هيئة تحرير الشام” لمواجهة المساعي الروسية الهادفة إلى صياغة اتفاق لتطبيع العلاقات بين النظام السوري وتركيا، فتلك الخطوة الروسية، إن تحققت، قد تؤدي إلى إعادة ترتيب الأوضاع في سوريا بما يخدم توثيق التعاون التركي-الروسي، وتتزايد التوقعات بأن تركيا، إذا ما تم التطبيع، قد تتيح للنظام السوري فرصة استعادة السيطرة على مناطق المعارضة المسلحة في الشمال، خاصة “إدلب” و”حلب”؛ حيث تفرض “هيئة تحرير الشام” نفوذها.

هجوم حلب
هجمات ردع العدوان

وإدراكًا لهذا السيناريو، عمدت الهيئة إلى شن هجوم عسكري واسع النطاق، امتد على مساحة 60 كيلومترًا وعمق 30 كيلومترًا داخل مناطق “حلب”، محاولة تأمين نفوذها ورسم واقع جديد على الأرض.

اقرأ أيضًا
استهداف حسن نصر الله .. فصل آخر في متاهات عنف شتت لبنان

السبب الرابع يكمن في محاولة “هيئة تحرير الشام” استباق أي تحركات سياسية أمريكية جديدة تتعلق بالوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا، وتعمل الهيئة على فرض أمر واقع جديد قبل أن يتولى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب“، مهام منصبه في يناير 2025، ساعيةً إلى ترسيخ دورها كطرف أساسي في معادلة الأزمة السورية، وبالتالي في أي تسوية سياسية إقليمية مقبلة.

بشار الأسد وترامب وبايدن
بشار الأسد وترامب وبايدن

على الرغم من أن النفوذ الأمريكي في سوريا يقتصر على الشمال الشرقي، بينما يتركز نفوذ “هيئة تحرير الشام” في الشمال الغربي، إلا أن الهيئة تستهدف بوضوح أن تكون جزءًا لا يتجزأ من أي تسوية سياسية، في وقت يُنتظر فيه أن تضم التسوية المقبلة القوى الثلاثة الكبرى: روسيا، والولايات المتحدة، وتركيا.

الكاتب

  • هجوم حلب وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان