رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
139   مشاهدة  

الدروز وحكومة الشرع، خلافات دون هدنة

الدروز


بين نيران الحرب والفتن، وبين دعوات التهدئة المتكررة، تحاول سوريا التقاط أنفاسها بعد سقوط نظام الأسد وتولي حكومة أحمد الشرع الحكم، في أعقاب إعلان انتصار الثورة السورية، ورغم إعلان وقف إطلاق النار منتصف يوليو الجاري، فإن الهدنة لم تصمد طويلًا، حيث جاءت بعد ما يقرب من أسبوعين من اندلاع الاشتباكات مع أبناء الطائفة الدرزية، بوساطة وجهاء محليين وبتفاهمات غير معلنة مع أطراف أمنية سورية. وقد نصّت الهدنة على وقف فوري لإطلاق النار، وانسحاب جميع المسلحين لضمان حماية المدنيين ومنع أي عمليات انتقامية.

لكن ما بدا وكأنه انفراجة مؤقتة، سرعان ما انهار أمام تصاعد العنف. إذ بدأت الخروقات تتوالى، أبرزها كان هجوم فصائل محلية على مناطق تابعة لعشائر بدوية بحجة ملاحقة متورطين في عمليات خطف وقتل، وعلى إثر ذلك، ردت بعض العشائر بهجمات مضادة، مما فجّر الوضع مجددًا، وأعاد محافظة السويداء إلى ساحة حرب أهلية.

وأعلنت وزارة الصحة السورية مقتل 260 شخصًا وإصابة 1698 آخرين في اشتباكات السويداء، بينما وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 321 شخصًا منذ الأحد الماضي، بينهم نساء وأطفال وعاملون في المجال الطبي، وأكدت الشبكة أن هذه الحصيلة تتضمن حالات إعدام ميدانية من جميع الأطراف.

 

الدروز وفرصة العبور الإسرائيلي

الصراع لم يقتصر على الداخل السوري فقط، بل تصاعد بشكل مفاجئ مع تدخل عسكري إسرائيلي، فقد شنت إسرائيل ضربات جوية على العاصمة دمشق، استهدفت مبنى الأركان العامة ووزارة الدفاع ومحيط القصر الرئاسي، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” إن التحذيرات التي كانت توجه إلى الجانب السوري قد انتهت، وجاء ذلك عقب تجدد الاشتباكات العنيفة في السويداء بين الحكومة وفصائل درزية.

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فبرر الهجمات بالقول إن إسرائيل “ملتزمة بمنع إلحاق الأذى بالدروز في سوريا، نظرًا للتحالف الأخوي العميق مع الدروز داخل إسرائيل، وروابطهم التاريخية والعائلية مع إخوانهم في سوريا”، لكنه في الوقت نفسه استغل الوضع لتوسيع الوجود العسكري الإسرائيلي في الجنوب السوري، بإعلانه عن إقامة منطقة منزوعة السلاح، تمنع دخول أي قوات أو أسلحة إلى جنوب البلاد، وفقًا لبيان رسمي صادر عن مكتبه.

ولم يكن هذا الموقف الإسرائيلي مفاجئًا أو إنسانيًا كما تم الترويج له، بل هو امتداد لرؤية أيديولوجية إسرائيلية تعتبر حكومة أحمد الشرع “نظامًا إسلاميًا متطرفًا” وتهديدًا مباشرًا لإسرائيل. وقد سبق أن طلب نتنياهو من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عدم رفع العقوبات عن سوريا، خشية تكرار سيناريو 7 أكتوبر 2023، بحسب تقرير نشرته شبكة CNN.

موقف الدروز من حكومة الشرع

رغم إعلان وقف إطلاق النار، ظهرتلقطات تظهر التزام الحكومة السورية بالانسحاب من السويداء، التي تشهد تجدد التوتر، خاصة بعد رفض أحد زعماء الدروز اتفاق الهدنة، وهو نفس الاتفاق الذي وصفه نتنياهو بأنه “مهم”، مشيرًا إلى أن إسرائيل “ستتصرف حسب الضرورة”، ويُعدّ الصدام بين الدروز والحكومة الانتقالية في أوجه، منذ تولي الشرع الحكم في ديسمبر 2024، بسبب ما اعتبرته الطائفة الدرزية تهميشًا واضحًا، حيث لم يمثلها في الحكومة سوى وزير واحد، وهو ما رفضته القيادات الدرزية.

وتفاقم الغضب بعد اشتباك مباشر بين الدروز وعناصر الأمن السوري، لتصدر “الرئاسة الروحية للدروز” بيانًا يرفض دخول أي جهة أمنية أو فصيل خارجي إلى المنطقة، متهمًا الحكومة وهيئة تحرير الشام بالمشاركة في قصف القرى الحدودية، باستخدام أسلحة ثقيلة وطائرات مسيّرة. كما طالبت القيادات بالحماية الدولية الفورية لحماية المدنيين وحقن الدماء، وهو ما كرره بيان “دار الإمارة في قرية عرى”، الصادر عن الأمير أبو يحيى حسن الأطرش، ويبدو أن الطائفة الدرزية، دون اتفاق داخلي موحد، قد تكون بوابة عبور إسرائيل إلى الداخل السوري، في ظل تصعيد سياسي وعسكري من تل أبيب.

من هم الدروز؟

الدروز، أو “الموحدون”، طائفة دينية انبثقت من المذهب الشيعي الفاطمي في مصر، وتُعدّ واحدة من أكثر الطوائف انغلاقًا وسرية في الشرق الأوسط. لا يُسمح بالدخول إليها من خارج الطائفة، كما لا يمكن تركها دينيًا. تنتشر الطائفة في ثلاث دول رئيسية: سوريا (يقدّر عددهم بمليون، منهم 700 ألف في السويداء)، ولبنان، وإسرائيل.

وتنقسم القيادة الروحية للدروز في سوريا بين ثلاثة مشايخ: حمود الحناوي، ويوسف جربوع، وحكمت الهجري. الأولان دعوا إلى التهدئة، فيما اتخذ الهجري موقفًا أكثر تشددًا، داعيًا إلى استمرار المواجهة، مما يعكس الانقسام الداخلي للطائفة في ظل غياب قيادة سياسية موحدة.

 

حجّة إسرائيل للعبور إلى سوريا

تعتبر إسرائيل نفسها حامية للطائفة الدرزية، نظرًا لوجود حوالي 150 ألف درزي إسرائيلي يحملون الجنسية الإسرائيلية، معظمهم في الشمال والجولان المحتل. وهم من القلائل بين عرب إسرائيل المسموح لهم بالانضمام إلى الجيش الإسرائيلي، وتولي مناصب فيه.

إقرأ أيضا
الدروز

وقد سمحت السلطات الإسرائيلية مؤخرًا بعبور عدد من الدروز الإسرائيليين إلى سوريا برًّا للاطمئنان على ذويهم، ما اعتُبر مؤشرًا على رغبة إسرائيل في توظيف علاقتها بالطائفة كغطاء إنساني لتدخل عسكري.

وفي هذا السياق، أعلنت إسرائيل من جانب واحد إنشاء منطقة منزوعة السلاح جنوب سوريا، وهو ما رفضته دمشق بشدة، واعتبرته انتهاكًا مباشرًا لسيادتها، في ظل تصاعد الدعم الدولي لمطالب سوريا بوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وفيما واصلت إسرائيل وصف حكومة الشرع بـ”الخطر الجهادي”، خرج الزعيم الروحي حكمت الهجري بدعوة عاجلة لحماية دولية، مشيرًا إلى ما وصفه بـ”حرب إبادة شاملة” تتعرض لها الطائفة على يد القوات الحكومية وحلفائها. لكن، كما هو الحال دائمًا، لم يكن الموقف الدرزي موحّدًا.

 

مشهد معقّد، تتداخل فيه الفتن الطائفية مع الحسابات الإقليمية، وتتصاعد فيه حدة الصراع بين بدو ودروز، أبناء المدينة الواحدة، وصولًا إلى صدام مباشر بين الطائفة والحكومة الانتقالية، كل ذلك في ظل محاولات إسرائيلية لاستغلال الأزمة لتوسيع نفوذها في الجنوب السوري، والسؤال الآن: هل تنجح حكومة الشرع في احتواء المشهد سياسيًا، ومعالجة شعور التهميش داخل السويداء؟ أم سنشهد تحول الدروز إلى بوابة عبور أخرى لإسرائيل داخل العمق السوري؟






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان