لماذا يجب أن تختار السودان مصر دونًا عن إثيوبيا “بعيدًا عن الإنشاء التاريخي”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تبدو العلاقات بين السودان و إثيوبيا هي إحدى أكثر علاقات دول إفريقيا تركيبًا، فالدولتين يبدو عليهما التفاهم لكن سرعان ما يحدث الخلاف بينهما والذي وصل إلى حد التدخل العسكري، بينما مصر على المستوى الشعبي تقف بينهما وهي ليست في وضع حيرة وإنما في خيبة أمل من الموقف السوداني، فكان المتوقع أن تختار السودان صف مصر لعمق ما بين القاهرة والخرطوم وليس ما بين الأخيرة وأديس أبابا.
ماذا لو خُيِّرَت السودان بين مصر وإثيوبيا ؟ مصر هي الأفضل
يثبت التاريخ أن التعامل المصري مع السودان أفضل من تعامل الإثيوبيين، فالأحباش وإن كانوا بلا حضارة قوية لكنهم كانوا مملكة قديمة ولم يتم النظر إلى السودان إلا على أنها جزء من مملكة مترامية الأطراف.
المسألة مع مصر أكثر اختلافًا منذ القدم، فمصر كانت دولة وحضارة ولما أدمج السودانيين فيها بالنيل الذي ربط بينهما لم يتم معاملة أهل السودان على أنهم عبيد، ويؤكد حجر بالرمو أن الملك سنفرو من الأسرة الثالثة «سنة 2900 قبل الميلاد» حين غزا بلاد النوبة وتوغل في الداخل السوداني وأسر سبعة آلاف من الرجال والنساء، استخدم الرجال في أعمال الحكومة، والنساء في القصر الملكي حتى صاروا جزءًا من الدولة.
على مستوى نظام الدولة الحديثة فإن العلاقات المصرية السودانية بدأت في عهد محمد علي باشا والي مصر عام 1820 وحين كانت السودان كعكة يظفر بها من يتفرغ لها من العثمانيين أو الأحباش كانت مصر تعمل على قدم وساق إلى الوحدة النيلية حتى ظهر السودان الحديث عام 1874 وتعمق الترابط بين البلدين باستثناء الفترة المهدية والتي انقضت برجوع السودان إلى مصر.
اقرأ أيضًا
تاريخ إثيوبيا الحديث (1-3) .. قصة حاكم قتله قريبه بسبب حبه للمسلمين
من حيثية العلاقات فإن إثيوبيا لم تتعامل مع السودان إلا من أجل المصلحة ومنطق أديس بابا قائم فقط على “استخدام” السودان ليس أكثر بعكس مصر، فمثلاً تدهورت العلاقات الإثيوبية السودانية 3 مرات وفي كل مرة يحدث وفاق تقوم إثيوبيا بضرب السودان ويؤكد ذلك أن إثيوبيا بدأت علاقتها تتحسن مع السودان بين الحرب مع إريتريا وكانت أديس بابا تريد تحييد السودان ولما تم ذلك لقيت السودان ضربة سياسية عنيفة من الإثيوبيين.
في أساس العلاقات السودانية الإثيوبية فإن ما بين أديس أبابا والخرطوم تنافس يأخذ شكل الصراع لكن الثابت أن إثيوبيا لها مطامع في السودان ومن أجلها يمكن أن تفعل أي شيء مثل مساندة إنفصاليو جنوب السودان، وهذا ليس وليد استقلال السودان وإنما منذ زمن بعيد.
أول موقف تخلت فيه إثيوبيا عن السودان كان عام 1898 م حينما قام منليك الثاني بإرسال مذكرة إلى أوروبا يطلب فيها ضم السودان إلى إثيوبيا من الخرطوم وحتى بحيرة نيانزا، ولم تقم إثيوبيا بمعاونة السودان في فترة الاحتلال الإنجليزي.
أما ثاني المواقف فكان في ستينيات القرن الماضي وبالتحديد في عام 1963 حينما بدأت اللجنة التأسيسية لمنظقة الوحدة الإفريقية وأعلن رئيس إثيوبيا أن الاستعمار حرم أديس أبابا من سواحلها على المحيط الأطلنطي إذ لم تكن هناك دولة اسمها السودان وبالتالي يجب ضمها إلى حدود إثيوبيا.
بينما ثالث المواقف التي تخلت فيها إثيوبيا عن السودان كان في فترة حكم البشير إذ طالب كثيرون ضرورة عرض البشير على المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته بصفته مجرم حرب، ولم فتور العلاقات المصرية السودانية لكن القاهرة رفضت هذا الاقتراح وجيشت كل جهودها الدبلوماسية لعدم تحويل السودان إلى عراق جديد، بينما التزمت إثيوبيا الحياد بغية سوء الوضع السوداني من أجل تحقيق الحلم القديم
أما مصر فلم تتخلى عن السودان في ظل التنكر السياسي لها والدليل على ذلك الجهود المصرية الحثيثة لإزالة اسم السودان من قوائم الإرهاب وتأكيد مصر على أن بقاء السودان في قائمة الإرهاب لا يتسق مع الواقع، أما إثيوبيا فلم تتحرك قيد أنملة.
سد النهضة .. دليل على نظرية استخدام إثيوبيا للسودان
يمثل سد النهضة دليلاً عمليًا على تعامل إثيوبيا مع السودان، فبعد سقوط البشير كان التفاهم السوداني الإثيوبي على أوجه لدرجة أن الخرطوم كان ينقصه قطع العلاقات مع مصر والتأكيد على وحدة السودان وإثيوبيا لكن أديس أبابا سرعان ما عادت لطبيعتها فضربت السودان عسكريًا لمشاكل حدودية ثم باعتها في ملف سد النهضة.
الخبراء في الخرطوم أبدوا استغرابهم لتأخر اختيار السودان لمصر بعد أن باعتهم إثيوبيا وبات سد النهضة عنصرًا مباشرًا لتهديد السودان نفسه إذ أن من أضرار السد انخفاض منسوب المياه في النيل الأزرق مما سيحول نظام الري إلى الري بالرفع، الذي يتسم بتكاليفه العالية وخاصة مع نقص الكهرباء والمواد البترولية في البلاد، وحجز الطمي أمام سد النهضة سيحرم السودان من المغذي الطبيعى لأراضيه، مما يتطلب استخدام الأسمدة الصناعية سواء بالاستيراد أو بالتصنيع الذي يتطلب كميات من الكهرباء أكبر من التى سيحصل عليها السودان من سد النهضة الأثيوبي، وحجز الطمي أمام سد النهضة سيوقف صناعة الطوب الأحمر في السودان، وسيزيد من معدلات النحر في النيل الأزرق، مما يهدد المنشأت المائية والسدود وكذلك الجسور.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال