محاولات إثيوبيا للسيطرة على النيل “بدأت مع الحملات الصليبية وكلها فشلت”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لم يكن مشروع سد النهضة أول محاولات إثيوبيا للسيطرة على النيل ومواجهة مصر، كذلك لا يمثل لها أنه مشروع تنموي قومي، وإنما هو حلقة في سلسلة الأحلام التي حاولت أديس أبابا تحقيقها منذ أن كانت الدولة اسمها الحبشة.
أول محاولات إثيوبيا للسيطرة على النيل علنيًا
كانت فترة الحروب الصليبية بعد عصر الأيوبيين نقطة فاصلة في تاريخ الصراع الإسلامي الأوروبي، إذ بات اليقين أن هدف الصليبيين وهو السيطرة على بيت المقدس والشرق كله لن يأتي إلا بعد ضمان ولاء القارة الإفريقية لصالح أوروبا.
اقرأ أيضًا
لماذا يجب أن تختار السودان مصر دونًا عن إثيوبيا “بعيدًا عن الإنشاء التاريخي”
ولى عصر الأيوبيين وجاء المماليك واكتسبت مصر ثقلاً سياسيًا رياديًا واسعًا، فهي حاضرة الخلافة العباسية بعد سقوط بغداد ومقر حكام المماليك الذين قهروا التتار ويلاحقوا فلول الصليبيين، فقرر الصليبيون خلق حليف غير بقايا الحشاشين ليجدوا ضالتهم في الحبشة.
ظهر على الساحة الأوروبية الصليبية شخصية الضابط الفرنسي فيليب دو مزيير الذي قاد الترويج للحملة الصليبية على مصر عام 1365 م وكان يحكمها الأشرف زين الدين شعبان، واقتضت أيدولوجية فيليب التي أقنع بها پيير ده لوزينان ملك قبرص قائد الحملة الصليبية، ضرورة قيام الحبشة بالتعاون في سياسة ضرب مصر من العمق الاقتصادي.
كان عمق مصر الاقتصادي في ظل دولة المماليك هو نهر النيل وكانت فكرة فيليب هو تحويل مجرى النيل وإقناع إمبراطور الحبشة زارا يعقوب بتلك الفكرة لكن بشكل ديني، فتم الترويج لنظرية الجاسوس البورغندي بيرتراندون دي لا بروكوير التي تقول “القديس يوحنا كفيل بتحويل مجرى النيل”.
الكنيسة القبطية تكشف الملعوب الأول
بين الكنيستين المصرية والإثيوبية علاقات دينية قوية وصلت لدرجة أن من قانون تتويج الملك الحبشي أن يحضر بابا الأقباط لإتمام عملية التتويج، ومع تفشي الشائعات حول تحويل مجرى النيل خاصةً بعد قيام الصليبيين بالهجوم الفاشل على مصر عام 1365 م، لفت رجال الكنيسة أنظار المماليك إلى الحلم الحبشي، فضرب المماليك ضربة استباقية تمثلت في حظر عبور الأوروبيين من أعالي النيل أو البحر الأحمر، مع الحد من حركتهم الاستشراقية.
اقرأ أيضًا
تاريخ إثيوبيا الحديث .. قصة حاكم قتله قريبه بسبب حبه للمسلمين
ماتت أول محاولات إثيوبيا في مهدها ويشير الدكتور عمر عبدالعزيز منير في دراسته عن الحروب الصليبية إلى أن ملك الحبشة زارا يعقوب كان لديه توجس ديني من مسألة تحويل مجرى النيل ومفاده أن الأقباط سيموتون إن حدث تحويل لمجرى نهر النيل تزامنًا مع سيطرة أوروبا على البحر الأحمر.
اقرأ أيضًا
حكاية قبطي تعلم في الأزهر ووضع قانونًا حكم الحبشة بالمسيحية والإسلام
لم يكن الشعب المصري غائبًا عن هذا الحدث فأدخلوه في إطار السيرة الشعبية العربية، فخلال استعرض قصة سيف بن ذي يزن الذي يغزو العالم حتى يصل للحبشة نجد أن هناك نبؤوة ـ في السيرة الشعبية ـ تقول عنه “على عهده يكون عمار مصر، إذ يجري بها بإذن الله النيل المبارك على يديه”.
ثاني محاولات إثيوبيا للسيطرة على النيل
انقطع الحلم الحبشي الخاص بالسيطرة على نهر النيل عام 1365 ليتجدد بعد ذلك بـ 495 عامًا وبالتحديد في عهد الملك الإثيوبي كاسا هايلو (تيودروس الثاني) عام 1860 م، ففي خلال تلك الفترة كانت الأطماع البريطانية والفرنسية تتجه نحو الشرق في ظل التنافس بين إمبراطوريتين على كعكة الشرق.
اخترعت إنجلترا وفرنسا شائعات سياسية أوغلت الصدر الإثيوبي تجاه مصر لدرجة إعلان إثيوبيا الحرب على مصر بتهديدها في النيل، ويحكي كتاب «إسرائيل في النيل» أن الملك الحبشي خاطب حاكم مصر محمد سعيد باشا قائلاً «إن النيل سيكون كافيًا لمعاقبتك وحيث إن الله قد وضع أيدينا ينبوعه وبحيرته ونماءه فمن ثم يمكننا أن نستخدمه في إيذائك».
كالمحاولة الأولى تمامًا نجحت الكنيسة القبطية خلال حبرية البابا كيرلس الرابع في حل الصراع حيث ذهب إلى إثيوبيا من أجل حل المشكلة وهو ما تكلل بالنجاح ومات المشروع عام 1860 م.
اتفاقيات الحد من محاولات إثيوبيا للسيطرة على النيل
عدة بروتوكولات تم توقعيها بين البلدين «مصر وإثيوبيا» وقت احتلالهما وحتى بعد استقلالهما وكافة الاتفاقيات نصت على امتناع القاهرة وأديس أبابا عن القيام بأي نشاط يتعلق بمياه النيل يمكن أن يضر بمصر والسودان، وآخر تلك الاتفاقيات في 1 يوليو 1993 بين محمد حسني مبارك ورئيس الوزراء الإثيوبي وقتها ميليس زيناوي، والتي نصت على عدم قيام أي من الدولتين بعمل أي نشاط يتعلق بمياه النيل قد يسبب ضرراً بمصالح الدولة الأخرى، وضرورة الحفاظ على مياه النيل وحمايتها، واحترام القوانين الدولية، والتشاور والتعاون بين الدولتين بغرض إقامة مشروعات تزيد من حجم تدفق المياه وتقليل الفاقد.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال