الأفلام الغنائية والسنباطي .. قصة حياة ثومة “كوكب الشرق (16)

نسرد لكم أعزائنا القراء في الحلقة 16 من قصة حياة كوكب الشرق أم كلثوم  أبرز الأفلام الغنائية ونكمل فيها ما بدأناه من تلك المسيرة الملهمة، والحق أن من أهم العناصر التي أسهمت في بلوغ أم كلثوم مبلغ الكمال في الغناء والطرب وصعودها إلى قمة الهرم الغنائي هو العنصر التلحيني المتمثل في أساطين التلحين في القرن العشرين، وقد سبق وتحدثنا عن أربعة من كبار الملحنين هم أبو العلا محمد وأحمد صبري النجريدي وداوود حسني ومحمد القصبجي، واليوم نتحدث عن رفيق رحلة أم كلثوم منذ عام 1936م وحتى وفاتها عام 1975م ألا وهو الملحن الكبير والموسيقار الفريد رياض السنباطي.

أم كلثوم ورياض السنباطي

إذا كان التعاون الفني بين كوكب الشرق أم كلثوم والموسيقار رياض السنباطي قد تأخر قليلا فلم يبدأ إلا في العام 1936م، إلا أن اللقاء الأول بينهما كان باكرا حين كانا أطفال، وهو ما حكاه رياض السنباطي بنفسه في أحد اللقاءات التليفزيونية بدولة الكويت، يحكي ذلك ما أورده الدكتور فيكتور سحاب نقلا عن هذا الحوار المتلفز وقد جاء في هذا النقل أما اللقاء الأول بين الطفل رياض السنباطي والطفلة الأكبر منه بست سنوات تقريبا أم كلثوم فمعروف ومؤكد، وكانت آخر إشارة له ذات قيمة توثيقية حديث رياض السنباطي عنه.

وفي إحدى المقابلات التليفزيونية التاريخية خص بهم تلفزيون الكويت في العام 1980 أو 1981م، أي قبيل وفاته بأشهر، وربما كانت هذه التسجيلات لرياض السنباطي في مقابلة تليفزيونية، فقد كان رياض السنباطي بخيلا في أحاديثه الصحافية وأشد بخلا في الأحاديث الإذاعية و مغاليا في بخله في الأحاديث التليفزيونية، المهم أنه يذكر في إحدى مقابلاته قصة لقائه الأول مع أم كلثوم الذي كان في الساعة الخامسة فجرا من أحد الأيام فيما كان عائدا مع والده من إحدى الحفلات.

التقيا في محطة قطار الدلتا في قرية القرين بالشيخ إبراهيم البلتاجي وإبنته أم كلثوم العائدين أيضا من حفلة مماثلة، فكان ذلك أول لقاء شخصي إنساني بينهما، وما كان يمكن له أن يعطي أي ثمرة فنية مباشرة لصغر سن الفنانين في ذلك الوقت، وهي ثمرة سيتأخر قطافها حتى العام 1936م بلحن على بلد المحبوب وديني الذي ظهر قبل ذلك بعام واحد في فيلم أم كلثوم الاول (وداد) ولكن بصوت المطرب عبده السروجي، ثم سجلته أم كلثوم بعد ذلك على اسطوانة كأول لقاء بين صوتها وألحان السنباطي.

وإذا كان تعاون أم كلثوم مع الشيخ زكريا أحمد قد سبق تعاونها مع رياض السنباطي بما يدعو البعض إلى القول بترتيب السيرة حسب ذلك إلا أن حتمية اللقاء المبكر بينهما أي بين ثومة والسنباطي جعلتني ابدأ بالسنباطي قبل زكريا على أن أخصص حلقة كاملة للحديث عن مشوار زكريا أحمد مع أم كلثوم.

على أيه حال، فإن بداية التعاون الحقيقي بين أم كلثوم ورياض السنباطي كانت في رائعته (النوم يداعب عيون حبيبي) التي شابهت في صياغتها اللحنية ألحان المرحوم محمد القصبجي، ثم توالت الأعمال الكبيرة الخالدة بينهما لتسطر تاريخا أراه الأعظم على الإطلاق في مشوارهما المشترك، فما شهدته السنوات الأخيرة من العقد الرابع أي 1937م، 1938م، 1939م، كان جديرا بتثبيت قدم كل منهما على قمة الهرم الطربي.

والتأكيد على تزعمهما حركة التجديد، ويكفي لفهم ذلك الاستماع إلى روائع السنباطي مع أم كلثوم خلال تلك الفترة مثل: فاكر لما كنت جنبي، واذكريني وهوى الغانيات”كيف مرت على هواك القلوب” وأتعجل العمر ابتغاء لقائها وسلو كؤوس الطلا ومقادير من جفنيك حولن حاليا، وهلت ليالي القمر، كل تلك الأغاني الكبيرة قد حوت ما حوت من كمال الفن وذروة الطرب لدرجة تجعلني أخصها بمرحلة متفردة في حياة أم كلثوم.

لعل أطول الرحلات في حياة أم كلثوم كانت رحلتها برفقة الموسيقار رياض السنباطي، رحلة دامت أربعون سنة تقريبا، بدأت في عام 1936م، وانتهت بوفاة أم كلثوم في عام 1975م، لذلك حاز الموسيقار رياض السنباطي النصيب الأكبر من الألحان لأم كلثوم وكان القاسم المشترك  بين كل تلك الألحان هو فكرة المناسبة لحال أم كلثوم، فقد كان رياض السنباطي أكثر العارفين بحال أم كلثوم في مراحلها العمرية المختلفة.

وبناء على ذلك قدم لها ما تناسب مع إمكانياتها في كل مرحله، فما قدمه لها في الثلاثينيات اختلف عما قدمه لها في الأربعينيات وما قدمه في الخمسينيات حين كبرت أم كلثوم وبدأت الأبعاد العمرية والصحية تفرض نفسها اختلف كليا عما قدمه لها في الستنينيات وما تبعها من المراحل الأخيرة في حياتها وقد ذكرت مسبقا في مقال الربيع الكلثومي أن تلك الفكرة كانت من أهم ما ميز رياض السنباطي طوال مسيرته، فنستطيع أن نقول أن فكر السنباطي هو المميز الأول له، ليس فقط على مستوى جودة الألحان بل لأنه كان الأدرى والأكثر معرفة بحال أم كلثوم فقد قدم لها الألحان التي ناسبت مراحلها العمرية المتتالية، فما قدمه لها في ذروة قوتها وعنفوانها اختلف كثيرا عما قدمه لها فيما بعد مراعاة لأبعاد كثيرا كان البعد العمري أهمها.

إقرأ أيضا

“عشق فوازير رمضان ومات بها” اللحظات الأخيرة في حياة المخرج فهمي عبدالحميد

أم كلثوم والأفلام الغنائية

في ذات المرحلة التي تعرفت فيها أم كلثوم على رياض السنباطي وربما قبلها بسنة واحدة بدأت أم كلثوم تولي اهتمامها بالسينما الغنائية فقدمت ست أفلام هي من أبرز الأفلام الغنائية:

1- فيلم وداد 1935/1936م، إنتاج ستوديو مصر وبطولة أحمد علام وإخراج فريتز كرامب، وفيه غنت أم كلثوم يا بشير الأنس من ألحان الشيخ زكريا أحمد، وليه يا زمان  ويا طير يا عايش أسير وياللي وداداي صفالك ويا بهجة العيد من الحان المرحوم محمد القصبجي وأغنية حيوا الربيع للسنباطي.

2- فيلم نشيد الأمل 1936/1937م أحد ابرز الأفلام الغنائية من إنتاج أفلام الشرق، بطولة زكي طليمات وعباس فارس وإخراج أحمد بدرخان، وغنت فيه للقصبجي منيت شبابي، ويا مجد وياللي صنعت الجميل ونامي يا ملاكي، وللسنباطي غنت افرح يا قلبي لك نصيب تبلغ مناك ويا الحبيب ويا شباب النيل وقضيت حياتي .
3- فيلم دنانير 1939/1940م، بطولة عباس فارس وسليمان نجيب من إنتاج أفلام الشرق، إخراج أحمد بدرخان، وغنت فيه لزكريا أحمد بكرة السفر، ويا ليل نجومك شهود وللقصبجي غنت الزهر في الروض ابتسم وطاب النسيم العليل ويا فؤادي غن ألحان الوفاء، وللسنباطي غنت يا ليلة العيد آنستينا والشمس مالت للمغيب.

4- فيلم عايدة 1942/1943م، بطولة إبراهيم حمودة وسليمان نجيب وإخراج أحمد بدرخان، وفيه غنت أوبرا عايدة مع إبراهيم حمودة وكان اللحن مقسما بين القصبجي والسنباطي أما زكريا فغنت من ألحانه فضل لي إيه يا زمان ويا فرحة الأحباب.

5- فيلم سلّامة وهو من أبرز الأفلام الغنائية 1944م، بطولة يحيى شاهين وإنتاج وإخراج توجو مزراحي، وفيه غنت لزكريا غني لي شوي شوي وقل لي ولا تخبيش يا زين وسلام الله وموال برضاك يا خالقي وعيني يا عيني وفي نور محياك وقولي لطيفك، وغنت للسنباطي قالوا أحب القس سلامة.

6- فيلم فاطمة 1948م،  بطولة أنور وجدي وسليمان نجيب وإخراج أحمد بدرخان، وفيه غنت لزكريا أحمد الورد جميل وجمال الدنيا ونصرة قوية، وللسنباطي غنت أصون كرامتي وهاقابله بكرة وظلموني الناس وللقصبجي غنت ياللي انحرمت الحنان ونورك يا ست الكل ويا صباح الخير ياللي معانا.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.