كيف أدت استراتيجية حروب المياه في إنشاء القاهرة “الحلواني لم يبني العاصمة اعتباطًا”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يجد من يجوب شوارع القاهرة العتيقة في نفسه عبق التاريخ يفوح من أزقتها، وكل بناء وجدار شاهداً على زمنٍ مر بمختلف الأحداث، لكن القاهرة لها جوانب كثيرة من حيث التسمية وسبب اختيار موقعها.
الجانب المجهول في اختيار موقع القاهرة
المشهور عن بناء القاهرة أن الذي قام ببناءها جوهر الصقلي وسماها المنصورية، ولما جاء المعز لدين الله سماها القاهرة، واختلف المؤرخون حول سبب تسميتها بالقاهرة، فقيل أن وقت تسميتها تصادف مع “نجم القاهر” (وهو تسمية عربية لكوكب المريخ)، وينما رآى أخرون أن سبب تسميتها بهذا الأسم نسبة إلى مقولة المعز لدين الله إلى جوهر في رسالته له أثناء تحركه إلى مصر “لتنزلن خرائب أحمد بن طولون ولتبنين مدينة تقهر الدنيا”، وهذا معروف عند الكثيرين.
اقرأ أيضًا
عندما ساهم الأزهر في تعليم الصنايع لدول أوروبا “حدث بالفعل من 273 سنة”
ولكن الغير معروف أن هناك جانب آخر وراء اختيار موقع بناء القاهرة، والغرض منه سياسي، له صلة بحروب المياه، إذ يحكي الكاتب الراحل جمال الغيطاني في كتابة “قاهريات” عن أن النيل كان عاملاً رئيسيًا لاختيار موقع القاهرة كعاصمة للدولة الفاطمية.
عندما قام القائد الفاطمي جوهر الصقلي ببناء القاهرة وقع اختياره على موقع الإنشاء بعيدًا عن نهر النيل، وكان ذلك بتوجيه الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، لم يكن توجيه المعز لدين الله إلى جوهر الصقلي اعتباطًا أو جزافًا وإنما جاء تحديد الموقع لدوافع سياسية عسكرية كانت تكمن في رؤية جغرافية تفاديًا لحروب المياه، إذ كان من الممكن استغلال النيل ليكون بوابة للحرب النهرية وإزاحة الدولة الفاطمية.
اختيار موقع العاصمة جعل هناك أزمة في تزويدها بالماء لأن الخليج المصري (الذي ردم في عام 1910، وموقعه الآن شارع بورسعيد) لم يكن يمد المدينة بالمياه إلا لمدة ثلاثة شهور فقط خلال شهور الفيضان، وكانت القاهرة بعيدة عن النيل، وكان لابد أن تذهب المدينة إلى النهر لجلب المياه الذي كانت تستهلكه بكميات كبيرة، ليس للشرب فقط، وإنما في أغراض عديدة منها رش الشوارع المتربة في الصيف، وحتى وقت قريب كانت حواري الجمالية تكنس وترش بالماء مرتين يومياً، ويقول الغيطاني في نوستالجية خاصة به “أتذكر ذلك وقلبي يفيض بالحسرات على ما آلت إليه أحوال النظافة في العقد الأخير”.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال