عن تاريخ البنك المركزي المصري “أحد أصحاب الفكرة أنقذ تراث الشيخ رفعت”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يمكن تلمس تاريخ البنك المركزي المصري من كلام زكريا مهران الذي يعتبر أول من قدم فكرة البنك المركزي بالتاريخ المصري المعاصر.
اقرأ أيضًا
“الصراف شارو” حين تغير نمط قبض المرتبات في مصر بسبب شنب وزجاجة بيرة
كتب زكريا مهران في كتاب البنك المركزي في العصور المختلفة قائلاً «كنتُ أُريدُ أن أرى في مصر بنكًا مركزيًّا لأتحدَّثُ عنه، ولكنِّي مع الأسف لم أجد سوى مُحاولات لاتِّخاذ ذلك البنك، بعضها قامت به الحكومة، والبعض الآخر قام به الأفراد».
محاولات البنك المركزي المصري
قبل عام 1834 لم تعرف مصر نظام البنك المركزي إلى أن صدر مرسوم يقضي بإصدار عملة مصرية ذهبية وفضية على أن تتولى الحكومة سك العملة.
ويفصل زكريا مهران تفاصيل تاريخ البنك المركزي المصري بقوله «عقد محمد علي باشا اتِّفاقًا بينه وبين أحد الأجانب في شركةٍ تقربُ من البنك المركزي شبه الحكومي ساعده في تمويلِ تجارته الخارجية وفي تدبيرِ النقد المصري، ولم يطلق على هذه الشركة اسم بنك؛ لأن العلماء كانوا يحرِّمُون البنوك، ولم يتعامل بالفائدة فيما أعطى أو أخذ من ذلك الماليِّ الأجنبي».
مع عصر الخديوي إسماعيل باشا جرى اضطراب في الاقتصاد المصري ثم انعقد اجتماع بموافقة الخديوي إسماعيل مع رجال الاقتصاد ووضعوا نواة نظام بنك مركزي نقلوه عن نظام بنك فرنسا، وكان من أغراضه تسوية ديون الخديو والقيام على خدمتها، لكن الفكرة فشلت لاعتراض إنجلترا بينما اشترطت فرنسا أن يكون البنك دوليًّا وبإشراف منها لعجز مصر عن تصدير تشريع يمس حقوق الرعايا الأجانب بغير موافقة الدول التابعين لها.
وجاءت المحاولة الثالثة أثناء الثورة العرابيَّة وكان قادة الثورة يسعون لتأسيس بنك مركزي وطني لكن المشروع فشل حتى حل العام ١٨٩٨ بصدور قرار من الخديوي يفوض السير أرنست كاسل، وسلفاجو، وسوارس، بإنشاء البنك الأهلي، ويختصه وحده بامتياز إصدار البنكنوت في مصر، وقد جاء في الطلب الذي قدَّمُوه للسير «ألوين بالمر» المُستشار المالي للحصول على الدكريتو أنهم يحقِّقُون الرَّغبة التي كلَّفهم بها جنابه، وأنَّ البنك الأهلي حين يصدر البنكنوت يقترض بغير فائدة.
ويعقب زكريا مهران حول المحاولة الثالثة بقوله «العبارة تُغنينا عن كلِّ تعليق، فالبنك الأهلي يقترض من مصر بغير فائدةٍ، بل أكثر من ذلك أقرض مالَ مصر بفائدة قليلة لإنجلترا باستعماله القراطيس الإنجليزية غطاءً لما يصدره من بنكنوت، وقد نجحت سياسة اللورد كرومر المالية إلى أقصى حدٍّ حين أرادَ من إنشاء هذا البنك أن يُحارب نفوذ البنوك الأجنبية، وأن تُستخلَص مصر للإنجليز».
جاءت رابع محاولات تأسيس البنك المركزي بين عامي 1904 و 1907 عبر أبحاث بين البنك الأهلي والحكومي وأرادَ منها البنك أن يَزِيد من اختصاصاته بأن يكتسب صفة البنك المركزي فوق أعماله التجارية.
أما خامس المحاولات فكانت عن طريق طلعت باشا حرب حيث ألف كتاب البنك الوطني وعلاج مصر الاقتصادي عام 1912م وظل ينتظرُ انتهاء امتياز البنك الأهلي ليحلَّ بنك مصر محله في إصدار البنكنوت، ويكونُ بنكًا مركزيًّا يضطلع بنهضةِ البلاد ولم يغِب هذا عن البنك الأهلي فأعد له العدة.
أما سادس المحاولات حكاها زكريا مهران بقوله « كانت فُرصة عَرَفَ البنك الأهلي كيف يستغلُّها حينَ انكشف في سنة 1940 حساب الحكومة الجاري في البنك بمبلغ مليونيْ جنيه، وحين أرادَ بنك مصر أن يقترضَ منه كما كانت تُقرِضُ البنوك الأُخرى على سندات الدَّين المُوحَّد وسبائك الذهب، فاشترط البنك الأهلي لإمهال الحكومة في دفع دينها ولمساعدة بنك مصر على اجتياز أزمةٍ عابِرةٍ أن تستصدر الحكومة قانونًا من البرلمان يمدُّ امتيازه أربعين سنة، وقد تعهَّدَ لها البنك الأهلي بأن يتحوَّلَ إلى بنكٍ مركزيٍّ. وقد قبلت الحكومة ذلك مُرغَمَة تحتَ ضغط الحوادث وانتهت الدَّورة البرلمانية، ولم تنفذ الحكومة ما أتمَّت دراسته، ولم تتناول بالعمل الإيجابي موضوع البنك المركزي، ولم تتخذ مع المؤسسات الحالية أيَّ تدبير».
مشروع زكريا مهران
كان زكريا باشا مهران صديقًا ومريدًا للشيخ محمد رفعت وله دور بارز في حفظ تراثه تكلم عنه عمر طاهر في كتاب صنايعية مصر وقال «كانت الإذاعة المصرية لا تسجل للشيخ رفعت وإنما تبث وعقب انتهاء التلاوة تقوم الإذاعة بالمسح وكاد تراث محمد رفعت أن يضيع لولا قيام زكريا مهران بالتسجيل فقد كان من عشاق الشيخ رفعت وواحدا من ضمن قلائل يمتلكون جهاز تسجيل الأسطوانات.. وكانت مدة الأسطوانة فى هذا الوقت دقيقتين و45 ثانية، فكان يقوم بالتسجيل بواسطة جهازين، حتى لا يضيع أى شىء من تلاوة الشيخ رفعت».
قدم زكريا باشا مهران مشروعًا لتأسيس البنك المركزي بصفته عضو بمجلس الشيوخ في 2 يناير سنة 1946 وكان عبارة عن مشروع قانون لتحويل البنك الأهلي إلى بنك مركزي للدولة المصرية على أساس شركة شبه حكومية رأس مالها عشرون مليونًا من الجنيهات تملك الحكومة منه 51٪ والباقي يكتتب به المساهمون الحاليُّون إذا هم أرادوا والبنوك والهيئات المالية والأفراد، فلا يقل نصيب المصريين فيه عن 80٪ على أقلِّ تقدير؛ وتأييدًا لهذا الإشراف جعل زكريا مهران للحكومة حقَّ تعيين المُحافظ ونائبيه بقرارٍ من مجلس الوزراء، ويعين وزير المالية أيضًا مندوبين من قبل الحكومة لدى البنك لهما مُراقبة أعمال البنك.
ورغم إيجابيات هذا المشروع لكنه فشل بسبب تقدير سعر السهم بمبلغ 30 جنيه لكن زكريا مهران علق بقوله «التقدير مأخوذٌ من مُتوسِّطِ أسعار أسهم البنك في عدَّةِ سنوات كما فعلت كثير من الدول عند تحويل بنك فيها إلى بنك مركزي ثمَّ إنِّي لم أجعل هذا السعر إجباريًّا، بل تركتُ للمساهم الخيار بين أن يأخذ هذا المبلغ وبين أن يبقى مُساهمًا في البنك الأهلي بعد تحويله إلى بنك مركزي، وفوق ذلك جعلت من الجائز أيضًا أن يعطيه البنك سندات فائدتها مُتوسِّط الأرباح التي كان يحصُلُ عليها في السنوات الأخيرة فلم أظلم المساهمين الحاليين أو الجدد خصوصًا وأنِّي مددت مدَّة الامتياز 13 سنة فإذا قدَّرنا مُقابلًا لهذه الزيادة فالتقدير يزيدُ عن الثلاثين جنيهًا».
اقرأ أيضًا
هذا التقرير سيجعلك تدمع شجنًا أو تبتسم ارتياحًا “شريط حياتك سيمر هنا”
وانتهت كل المحاولات في تاريخ البنك المركزي المصري بنجاح في 19 يوليو عام 1960 حيث صدر القانون رقم 250 والمعدل في 2 نوفمبر بموجب القانون 377 بشأن البنك المركزي المصري والبنك الأهلي المصري ونص القانون على إنشاء البنك المركزي المصري ويمنحه حق إصدار أوراق النقد المصرية ولقد تم إدخال عدة تغييرات على العلامة المائية وتصميم الأوراق والألوان.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال