“مبروكة خفاجي”.. قهرها زوجها ولكنها لم تلقي بابنها في الترعة فصار أول نقيب للأطباء
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لا مناسبة أفضل من ذكر مبروكة خفاجي كتلك الأخبار التي طلت علينا خلال الفترة الماضية عن أمهات تجردن من مشاعر الرحمة، وتخلصن من أبنائهن بحجة الظروف والمعيشة، ولكن أصعب تلك القصص على الإطلاق، قصة السيدة العراقية التي ألقت بولديها في النهر لتعذب زوجها الذي طلقها وأخذ منها حضانة الأولاد، لا أعلم كيف طاوعها قلبها على تلك الفعلة الشنيعة؟، أين ذهبت مشاعرها وغريزة الأمومة لديها؟، وهل خلافاتها مع زوجها سبب كافي يجعلها تقتل أبنائها؟.
أود أن أذكر لكم اليوم قصة لسيدة أخرى تحدت الظروف والصعاب، وبدلًا من أن تتخلى عن ابنها، جعلت منه طبيب يفتخر به أي مصري، حيث أنه كان أول عميد مصري لكلية الطب بجامعة الملك فؤاد الأول، وأول نقيب للأطباء في تاريخ النقابة التي أسسها بنفسه، إنها الفلاحة المصرية البسيطة، “مبروكة خفاجي” تلك المرأة التي لم تنل من التعليم أكثر مما نال حظها في الدنيا، فهي كانت أمية لا تعلم القراءة ولا الكتابة، وكذلك كان حظها أمّي لا يعرف الضحك ولا السعادة.
قصة عذاب تخللها كفاح وغدر من الزوج
تزوجت مبروكة خفاجي في عام 1879م، من فلاح بسيط جار لها في قريتها التي تقع في محافظة كفر الشيخ، كان زوجها يعمل بالأجرة لدى الناس الذين يملكون أراضي، وضاق به الحال للغاية، وشحت الأموال في يده، فقام بتطليق زوجته التي كانت حامل في الشهور الأخيرة، وأرسلها لمنزل أهلها، فرحت مبروكة بالطلاق مثلما لم تفرح بالزواج، فقد كان يضربها ليلًا ونهارًا، وكان جافًا في معاملتها، غليظ القلب.
وبعد أن ذهبت لمنزل والدتها، انتقلت عائلتها لمدينة الإسكندرية، وهناك أنجبت ابنها الوحيد “علي إبراهيم عطا”، ووقت أن ضمته لصدرها، أخذت عهدًا على نفسها بأن تفعل كل ما بوسعها لتربيته وتعليمه على أكمل وجه.
على الرغم من أن لديها مئات الأسباب التي تجعلها تندب حظها، أو حتى تتخلى عن ابنها وتتركه لوالده، إلا أن أبت تركه، ونزلت للعمل بنفسها، عملت في بيع المناديل الورقية في إشارات المرور، ثم عملت بعد ذلك في بيع الجبن في الشوارع، كانت تستيقظ في الصباح الباكر وتجوب شوارع الإسكندرية على قدميها التي نحلها الأسمنت، ولا تعود إلا بعد بيع الجبن وتحصيل الأموال.
ومرت الأيام، وحصل ابنها على الشهادة الابتدائية من مدرسة رأس التين الأميرية، وهنا ظهر والده الذي لم يسأل عنه مرة واحدة طوال السنوات السابقة، جاء وأخذ ابنه ليقوم بتوظيفه في الحكومة بالشهادة الابتدائية.
كان من الممكن أن تستسلم مبروكة، وتترك الولد لأبيه وينزاح عنها الحمل الثقيل، ولكنها رفضت التفريط بابنها، وذهبت إلى البلدة وقامت بتهريبه من فوق سطح المنزل المجاور، وجاءت به إلى القاهرة، وسجلته في المدرسة الخديوية، والتحقت بالعمل كخادمة لدى أسرة السمالوطي باشا، لتتمكن من الإنفاق على تعليم ابنها.
حصد ثمار التعب وتحقيق الأحلام
لم يخيب ابنها ظنها، فقد كان طالبًا متوفقًا في دراسته، واستطاع التخرج من مدرسة الطب في عام 1901م.
وفي عام 1916م، أصاب السلطان حسين كامل مرض شديد، واحتار الأطباء في مرضه حتى اقترح عالم البيولوچى الدكتور عثمان غالب على السلطان اسم الدكتور علي إبراهيم، وبالفعل قام الملك باستدعائه، واستطاع الطبيب علي إبراهيم معرفة مرض السلطان، وقام بإجراء جراحة خطيرة له، وكانت ناجحة للغاية، وشُفي السلطان، وتخلص من الآلام، وقام السلطان حسين كامل بتعيينه جراحًا استشاريًّا للحضرة العلية السلطانية، وطبيبًا خاصًّا للسلطان ومنحه رتبة البكوية.
اقرأ أيضًا
إدوارد جينر .. قصة طبيب ضحى بابنه من أجل مناعة العالم
وفي عام 1922م، قام الملك فؤاد الأول بمنحه رتبة الباشاوية، وتوالت النجاحات، وتم انتخابه كأول عميد مصري لكلية الطب بجامعة فؤاد الأول عام 1929م، ثم أصبح بعدها رئيسًا للجامعة؛ وفي عام 1940م، تم تعيينه وزيرًا للصحة، وقام علي إبراهيم بتأسيس نقابة الأطباء، واصبح هو أول نقيب لها في تاريخها.
الكاتب
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال