همتك نعدل الكفة
967   مشاهدة  

محاكمة ساحرات بندل التي غيرت القانون الإنجليزي للأبد

القانون
  • ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



عندما نتحدث عن أي شيء متعلق بالساحرات في التاريخ نتذكر محاكمة ساحرات سالم وما حدث فيها إلا أن سالم لم تكن المكان الوحيد الذي اعدم مواطنيه بسبب تهمة السحر. ففي إنجلترا خاصة في مقاطعة لانكاشاير كان هناك بلدة تسمى بندل اعدمت مواطنيها بتهمة السحر في 1612 أي قبل سالم بثمانين عامًا! تعتبر محاكمة ساحرات بندل من أشهر المحاكمات في التاريخ الإنجليزي بسبب التغيير الكبير الذي حدث في القانون بسببها.

تختلف محاكمة بندل عن محاكمة سالم في محور جوهري وهو أن السحر كان مقبولًا في بندل بل أن المواطنين كانوا يذهبون للساحرات لشفائهم عوضًا عن الأطباء. لكن تغير كل ذلك عندما تولى الملك “جايمس” الأول حكم إنجلترا عام 1603. كانت الساحرات من أكبر مخاوف الملك” جايمس” حتى أنه زار الدنمارك لكي يحضر محاكمة ساحرات شمال بيرويك في 1590 وفي نفس العام قام بكتابة كتاب دعا فيه أتباعه أن يحاكموا من يمارس ويدعم السحر. وعندما أصبح “جايمس” ملكًا في 1603 أنشأ القانون الجديد الذي يجرم ممارسة السحر بالإعدام.

من الطبيعي أن يكون هناك رجال يودون التقرب من الملك وهذا هو تمامًا ما حدث في بندل حيث أراد رجل يدعى “رودجر نويل” التقرب من الملك وبدأ تحقيق عن السحر والساحرات في بندل. وبالرغم أن إحدى المتهمات، والتي تدعى “ديمدايك”، كانت معروفة بأنها ساحرة في المنطقة لمدة خمسين عامًا، وأنه كان هناك بعض الوفيات التي اتهم الساحرات بالتسبب فيها لم يهتم “رودجر” حتى مارس 1612.

يوم 21 مارس لسنة 1612، كانت “أليسون ديفايس”، حفيدة الساحرة “ديمدايك”، في طريقها إلى غابة تراودن عندما صادفت تاجر من هاليفاكس يدعى “جون لو”. طلبت “أليسون” من “جون” بعض المسامير المعدنية لكنه رفض أن يعطيها إياها لأنها على حسب قوله لم يكن معها مال والمسامير في ذلك الوقت كانت قيمتها أعلى بكثير. عندما رفض “جون” أن يعطى “أليسون” المسامير قامت بلعنه وبعد دقائق قليلة سقط أرضًا وأصيب بشلل نصفي.

بعدما عرفت “أليسون” ما حدث لجون كانت مصدومة وبدأت بلوم نفسها. وبالرغم من أن “جون” لم يلوم “أليسون” على ما حدث أو يتهمها بالسحر اعترفت “أليسون” بأنها السبب وراء ما حدث له. اعتراف “أليسون” كان سببًا كافيًا لابن جون لو ليذهب إلى “رودجر نويل” ويخبره بأن “أليسون” ساحرة. وفي يوم 30 مارس 1612 استدعى “رودجر” كلًا من “أليسون” وأخيها “جايمس” أمها “إليزابيث” ليستجوبهم.

اعترفت “أليسون” بما فعلته في جون في بداية التحقيق بالإضافة لاعترافها أنها باعت روحها للشيطان. كما قال أخوها أن “أليسون” اعترفت له بسحر طفل يعيش في بندل قبل ذلك أيضًا. كما اتهمت “أليسون” جدتها “ديمدايك” بممارسة السحر وصدقت على كلامها “إليزابيث” التي قالت أن أمها لديها علامة الشيطان الموجودة عند كل السحرة. لم يكن أيًا من هذا كافيًا لـ”رودجر” ولذلك بدأ في استجوابهم أكثر وحينها رأت “أليسون” فرصة للانتقام من عائلة معادية لعائلتها واتهمت سيدة تدعى “شاتوكس” بممارسة السحر.

العداوة بين العائلتين بدأت في 1601 عندما سرق أحد أفراد عائلة “شاتوكس” بعض البضائع من عائلة ديفايس. على حسب كلام “أليسون” فإن “شاتوكس” كانت تهدد والد “أليسون” أنها ستلعن عائلته إن لم يعطيها ما تريد مما جعله يوافق على إعطائها 3.6 كيلو من الشوفان سنويًا. كما قالت “أليسون” أن والدها توفى بعدما توقف عن إعطاء “شاتوكس” هذا الشوفان وأنه قال أن “شاتوكس” هي السبب وراء مرضه على سرير موته. لذلك اتهمت “أليسون” “شاتوكس” بقتل والدها وأربعة رجال أخرين باستخدام السحر.

استدعى “رودجر” كلًا من “ديمدايك” و”شاتوكس” وابنة “شاتوكس” “أن ريدفيم” للاستجواب يوم 2 أبريل عام 1612 واعترف كلًا من “ديمدايك” و”شاتوكس” بأنهم ساحرات باعوا أرواحهم للشيطان بكل سهولة لكن “أن” لم تعترف لكن لم تكن هذه مشكلة بنسبة لـ”رودجر”. فشهود العيان على سحر “أن” كانوا حاضرين. أولهم كان “ديمدايك” التي قالت أنها شاهدت “أن” تصنع تماثيل من الطين. والشهادة الثانية كانت سيدة تدعى “مارجريت كروك” التي ادعت أن أخيها مرض ومات بسبب لعنة وضعتها “أن”
عليه بعد مشاجرة. قرر “رودجر” أن يسجن كلًا من “ديمدايك” و”شاتوكس” و”أن” و”أليسون بتهمة إلحاق الأذى باستخدام السحر لينتظروا المحاكمة.

في يوم10 أبريل 1612 الذي كان يصادف جمعة الآلام قامت إ”ليزابيث ديفايس” بتنظيم اجتماع وعندما وصل الخبر إلى “رودجر نويل” قام “رودجر”بحبس “إليزابيث” وابنها “جايمس” بجانب 6 أشخاص أخريين لأن تحرياته أثبتت أن هذا كان اجتماع سحرة خاصة أن الحاضرين فضلوا حضوره عن الذهاب إلى الكنيسة في يوم مثل جمعة الآلام. بعد هذا القرار سجن كلًا من انتمى لعائلة ديفايس باستثناء “جانيت ديفايس” التي كانت تبلغ من العمر 9 أعوام فقط!

الحقيقة أن لا أحد يعلم أن كانت “جانيت” في الفترة ما بين القبض على عائلتها ومحاكمتهم. بدأت المحاكمة يوم 18 أغسطس 1612 وبحلول هذا الوقت كانت “ديمدايك” كانت توفت بسبب أوضاع السجن الغير أدمية وغير المناسبة لعجوز. كانت “أليسون” أول من حكم واعترفت بأنها ساحرة وأن سحرها تسبب في إيذاء “جون” لو بدون أي مشاكل لكن أمها “إليزابيث” لم تشاركها نفس السلوك حيث دافعت عن نقسها وعن براءتها. لكن الشاهدة الأساسية في القضية كانت لها رأي أخر.

كان القانون الإنجليزي يمنع شهادة الأطفال في المحكمة إلا أن الملك “جايمس” استثنى محاكمات الساحرات من ذلك القانون ولذلك كان “جانيت دايفس” التي كانت تبلغ التاسعة من عمرها الشاهدة الأساسية في المحاكمة.

عندما أحضرت “جانيت” إلى قاعة المحكمة وطلب منه الوقوف وإعطاء الأدلة ضد والدتها “إليزابيث”، بدأت “إليزابيث” بالصراخ وسب بنتها التي كانت ستوجه لها اتهامات تؤدي إلى إعدامها، مما أجبر القضاة على إخراجها من قاعة المحكمة قبل الاستماع إلى الأدلة. وُضعت “جانيت” على طاولة وقالت أنها تعتقد أن أمها كانت ساحرة لمدة ثلاث أو أربع سنوات. وقالت أيضاً أنها رأت أمها بصحبة الحيوان السحري الخاص بها الذي ظهر على شكل كلب بني يسمى “بول”. ادعت “جانيت” أنها شهدت محادثات بين “بو”ل وأمها، حيث طلبت أمها من “بول” المساعدة في جرائم قتل مختلفة. كما قدم “جايمس” أيضًا أدلة ضد والدته، قائلة إنه شاهدها وهي تصنع تمثال من الطين لأحد ضحاياها، وهو “جون روبنسون”. وقد ثبتت إدانة “إليزابيث” بالفعل.

إقرأ أيضا
أوبر

أما عن “جايمس” فأنه حارب من أجل براءته أيضًا إلا أنه كان اعترف لـ”رودجر” قبلها واستخدم “رودجر” هذا الاعتراف في المحاكمة كما أن “جانيت” قالت أنها رأت أخيها وهو يتفق مع كلب أسود قام باستدعائه لقتل شخص. نجحت “جانيت” في التعرف على كل شخص كان في اجتماع والدتها وكانت السبب وراء إدانة 10 أشخاص وإعدامهم.

تعدى تأثير “جانيت” إلى ما هو أبعد من لانكاشاير فقد أدرجت كتابات “توماس بوتس” وأدلة “جانيت” في دليل مرجعي للقضاة مما غير القانون. ولقد استخدم هذا الكتاب كل القضاة، بما في ذلك أولئك الذين كانوا في المستعمرات في أميركا، مما سمح للأطفال بالشهادة في محاكمات السحر. وهذا هو ما حدث في في محاكمات سحرة سالم السيئة عام 1692، حيث قدم الأطفال معظم الأدلة. وتم شنق تسعة عشر شخصًا. وحتى يومنا هذا مازال الأطفال قادرين على الشهادة في أي محاكمة.

لكن القانون الذي أنشأ أذى “جانيت” نفسها بعد فترة. فبعد عشرين عامًا من المحاكمة اتهمت هي أيضًا بالسحر مع 16 آخرين من قبل” إدموند روبنسون” الذي كان يبلغ من العمر عشرة أعوام. ولقد أدانتهم هيئة محلفين إلا أن القضاة لم يكنوا راضيين ولذلك أحيلت القضية إلى مجلس الملكة الخاص. فقد أصبحت إنجلترا أكثر تشككًا بمرور الوقت وكانت الأدلة المادية المطلوبة. اعترف “إدموند” في النهاية بالكذب بسبب القصص التي سمعها عن محاكمة الساحرات في بندل. وعلى الرغم من تبرئتها، لم يسمح لـ”جانيت” بمغادرة قلعة لانكستر إلا بعد أن دفعت ثمن الوقت الذي قضته هناك في المحاكمة. وبالنسبة لشخص في حالة “جانيت” المادية، فإن هذا كان مستحيلًا. وكان آخر سجل رسمي معروف في التاريخ لـ”جانيت” كان في عام 1636 ولا يعرف أحد ماذا حدث لها بعد ذلك.

الكاتب

  • القانون ريم الشاذلي

    ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان