حركة أبو ركوة.. قصة ثورة شعبية ضد حاكم مصري
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
كان الحاكم بأمر الله الفاطمي، هو أحد أبرز حكام مصر الفاطميين، كون أن المؤرخين اختلفوا حول حكمه، فالبعض يراه أنه كان آخر الخلفاء الفاطميين الأقوياء، واتسمت فترة قيادته لمصر بالتوتر، لخلافاته الدائمة مع العباسيين، فضلاً عن صراعه مع دولة القرامطة؛ لكن هناك مرحلة منسية في عهد الحاكم بأمر الله وهي حركة ثورة قادها أبو ركوة الوليد بن هشام.
نسب أبو ركوة مختلف فيه فالمقريزي يعتبره من أنجال المغيرة بن عبدالرحمن الداخل المشهور تاريخياً بـ “صقر قريش”، وآخرون مثل بن الأثير يذكرون أنه من نسل هشام بن عبد الملك بن مروان، وله صلة قرابة بالمؤيد هشام بن الحاكم الأموي صاحب الأندلس، وتسميته بـ أبي ركوة، تجيء لأنه كان يحمل إناء صغير يسمى في اللغة العربية بـ “الركوة”، وكان حمله دائماً له من أجل الوضوء كحال صوفية العهد الفاطمي بمصر.
بدأ تاريخ أبو ركوة بعد هروب الأمويين الأندلسيين وتفرقهم من قرطبة، فأقاموا في منطقة برقة الليبية التي كانت تمتاز بكثرة الفاطميين هناك.
أما ثورته فقد بدأت في العام 1005 م، وكان قوام من شارك فيها من قبيلة بني قرة نتيجةً لاستبداد الحاكم بأمر الله في قتل قادتهم والاستيلاء على أموالهم.
أهم نقطة تسترعي الاهتمام في ثورة أبي ركوة، وهو نجاحه في تصفية الخصومات القبلية بين قبيلة قرة وقبيلة زناته لكن لجأ في ذلك إلى طريق المال، وفق ما يذكره المقريزي فقد اتفق أبو ركوة معهم بعد الصلحعلى أن يكون الثلث من الغنائم له والثلثان لبني قرة وزناتة.
يتابع المقريزي في وصف حركته الثورية قائلاً “لما قارب برقة خرج إليه واليها، فالتقوا وانهزم عسكر الحاكم وملك أبو ركوة برقة وقوي هو ومن معه بما أخذوا من الأموال والسلاح وغيره، ونادى بالكف عن الرعية والنهب وأظهر العدل وأمر بالمعروف”.
لم يقبل الحاكم ما جرى في برقة، فأرسل من مصر 5 آلاف جندي بقيادة رجله الأول ينال الطويل، والذي لاقى هزيمة نكراء بين بلدة مفازة وبرقة، وانتقلت هذه الأنباء إلى القاهرة عاصمة الحكم الفاطمي، وبدأ تواصل سياسي وثوري بين أبي ركوة والحسين بن جوهر أسفرت عن سفر أبي ركوة إلى الصعيد لملاقاة جيش الحاكم البالغ عدده 12 ألف رجل بقيادة الفضل بن عبدالله والتقى الجيشان في كوم شريك مركز كوم حمادة محافظة البحيرة، وانتصر أبو ركوة ولاحق فلول جيش الفضل في الجيزة.
لعب الفضل على وتر الخلافات القبلية القديمة بين قبيلتي قرة وزناته، فاستمال غالبيتهم إلى صفه، وأبرم معهم صفقة تقضي إعادة أملاكهم التي في حوزة أبي ركوة إليهم، حيث أقنعهم أنه ليس برقاوياً مثلهم وهو غريب عنهم، فتخلوا عنه بالقرب من الجيزة، ودارت معركة شديدة أسفرت عن هزيمة أبي ركوة وكان أول من فتك بهم الفضل هم الذين خانوا أبو ركوة .
توجه أبو ركوة بعد هزيمته إلى بلاد النوبة، لكن في طريقه إليها قبض قبض عليه أبو المكارم هبة الله أمير قبيلة ربيعة، وسلّمه للحاكم بأمر الله وكوفئ، أبو المكارم بلقب كنز الدولة وتوارث أبناؤه هذا اللقب، وعرف بنو ربيعة ببني كنز وهو الكنوز الحاليون الذين يمتد وطنهم من أسوان شمالًا إلى كروسكو في الجنوب النوبي، وفور القبض عليه، نُكِّل به حيث طاف الفاطميون به في الشوارع وألبسوه طرطواً وجعلوا وراءها قرداً يضربه على رأسه ثم قُتِل وصُلِب.
أما القائد الفضل الذي تسبب في هزيمة أبي ركوة فقد أصابه المرض بعد المعركة وربطته علاقة ود قوية مع الحاكم بأمر الله والذي قتله عقب شفاءه من مرضه، تفادياً لصعود نجمه السياسي.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال