رحيل المطرب علي حميدة حصان طروادة الأغنية الشبابية
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
كانت الأغنية السائدة في ثمانينات القرن الماضي تسير وفق هوى جمهور القاهرة، حيث لم يكن هناك متسعًا لوجود ثقافات أخرى إلا في نطاق ضيق جدًا، اتسعت تجربة منير التي حملها المثقفون على أكتافهم ودخلت بعض الثقافات الأخرى أهمها الثقافة البدوية التي حمل رايتها في البداية حميد الشاعري ونجح في أن يكون جزءً من الثقافة السمعية للجمهور.
عندما يتم التأريخ للموسيقى المصرية الحديثة لابد أن نقف عند المحطات التي تغيرت عندها الأغنية، لكن تظل محطة “لولاكي” للمطرب الراحل “علي حميدة” أهم تلك المحطات على الإطلاق، حيث مثلت انقلابًا موسيقيًا غير معالم الخريطة الغنائية في مصر وبدأت الأغنية تأخذ منحى جديدًا.
حققت لولاكى ما لم تحققه أغنية من قبل من شهرة جماهيرية مبيعات تخطت الخمس ملايين نسخة في وقت قصير، أغنية ذات إيقاع مقسوم سريع بلحن بسيط مكون من جملتين فقط، وتوزيع أبسط يغلب عليه الزخرفة الإيقاعية من الصقفة والطبلة، مطرب ذو قصة شعر غريبة وصوت رفيع غريب على الأذن المصرية، كسرت تلك الأغنية كل الحواجز أمام انتشار هذا الجيل وأجبرت السوق الغنائي كله على تغيير خططه بالكامل، وفتحت الباب أمام دخول ثقافات غنائية أخرى في صدارة المشهد بعد أن ظلت على هامشه لفترة طويلة، لكن الأهم أنها أعلنت فعليًا موت الأغنية الطويلة بعد أن ظلت تحتضر طويلًا منذ ثورة الغناء السبعيني.
أقرأ ايضًَا … رحيل الملحن خليل مصطفى صاحب أشهر أغنيات الثمانينات
بعد النجاح الضخم الذي حققه الظهور الأول لعلي حميدة بدأ الجمهور استكشاف هوية هذا المطرب الذي يغني بلهجة بدوية ولم يكن في مخيلته أنه يحمل الجنسية المصرية حيث ينتمي إلى محافظة مطروح في أقصى شمال غرب البلاد المشهورة بالطابع البدوي.
درس على حميدة في معهد الموسيقى العربية وعين أستاذا لمادة العود بالمعهد، انطلقت شهرته الفنية عبر ألبوم “لولاكي” ليقوم بعدها بتلحين العديد من الأغنيات لبعض نجوم موسيقى الجيل منها “منى عيني” لمنى عبد الغني، وصاني لعلاء عبد الخالق، فاكرك محمد زياد، حبينا وسمعاني علاء سلام.
ظل نجاح لولاكي يطارد على حميدة أينما حل، و استغله بعض منتجي السينما في صنع فيلم يحمل نفس الاسم من بطولته لكنه لم يحقق نجاحًا يذكر، وطاردته الضرائب كثيرًا رغم أن الألبوم لم يكن من إنتاجه، وتزامن كل هذا مع انتشار بعض الشائعات السخيفة حوله، وبرغم إصداره لخمس ألبومات تالية إلا أنه لم يحقق ربع ما حققته لولاكي التي بدت كلعنة حلت عليه لم يسلم منها أبدا.
مع بداية الألفينات كان ذوق الجمهور قد تغير كثيرًا بدخول أشكال موسيقية متطورة لم يستوعبها جيل على حميدة، فأثر السلامة بالابتعاد عن الوسط الغنائي وتفرغ لتدريس مادة العود بمعهد الموسيقى العربية.
في ظل حالة النوستالجيا التي ظهرت فجأة على الجمهور، بعثت لولاكي من مرقدها وبعث معها على حميدة لكن للأسف كان البعض مثار استهجان عشاق موسيقى الجيل كما حدث في مشهده القاسي جدًا في مسلسل “ريح المدام” والذي سخر من الأغنية، أو تم استغلال حاجته المادية للإعلان عن منتجات رخيصة على بعض القنوات المجهولة الهوية، لكن يظل أهم ظهور له في حلقة من برنامج “ريميكس” مع المطرب حمزة نمرة والذي تحدث فيه عن أغنية “وين أيامك وين” وكشف لنا عن ثقافة موسيقية رفيعة المستوى لم تستغل جيدًا.
رحل عن عالمنا المطرب على حميدة الذي كان بمثابة حصان طروادة الذي فتح الطريق أمام جيل جديد من المطربين وبدأت بسببه ما عرفت فيما بعد بالأغنية الشبابية.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال