القصة المنسية لروزماري كينيدي التي تحولت حياتها لجحيم حتى ينجح أخوها جون كينيدي
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
على الرغم من أن الرئيس الأمريكي جون كينيدي وزوجته جاكي قد يكونا أكثر أفراد العائلة شهرة إلا أن عائلة كينيدي كانوا مشهورين لوقت طويل قبل من أن يصبح جون رئيسًا. كان رب الأسرة، جوزيف كينيدي الأب، رجل أعمال وسياسي بارز في بوسطن وزوجته، روز، كانت نجمة اجتماعية بارزة مهتمة بالأعمال الخيرية. معًا كان لديهم تسعة أطفال، ثلاثة منهم عملوا السياسة. في أغلب الأحيان عاشوا حياتهم في العلن، كأنهم النسخة الأميركية من أسرة ملكية. ولكن، مثل كل عائلة، كان لديهم أسرارهم وأحد تلك الأسرار كان ما حدث لروزماري كينيدي.
ولادة صعبة:
ولدت روزماري كينيدي يوم الجمعة 13 سبتمبر 1918 وكانت الطفلة الثالثة لأبويها والبنت الأولى بعد جوزيف الابن وجون. في وقت ولادتها كانت مدينة بروكلاين في ماساتشوستس في قبضة وباء الإنفلونزا الإسباني لذلك تأخر طبيب التوليد حيث كان يعالج مرضى الوباء.
أثناء مخاض روز كينيدي وعلى الرغم من أن رأس روزماري كانت في طريقها للخروج طلبت الممرضة من روز أن تبقي ساقيها متشابكتين لمنع الولادة حتى وصول الطبيب. عندما فشل ذلك في تعطيل الولادة قامت الممرضة بإدخال يدها في قناة الولادة الخاصة بروز لتمنع الطفل من الخروج.
تصرفات الممرضة كانت لها عواقب دائمة على روزماري كينيدي. تسبب نقص الأكسجين إلى دماغها أثناء ولادتها في ضرر دائم في دماغها مما أدى إلى اضطراب في نمو عقلها. على الرغم من أنها كانت تبدو مثل بقية العائلة بعيونها المشرقة وشعرها الداكن إلا أن والديها يعرفون أنها مختلفة على الفور. كطفلة كانت روزماري غير قادرة على مجاراة أشقائها الذين غالبًا ما يلعبون الكرة في الفناء يركضون في جميع أنحاء الحي. وكثيرًا ما أحبطها ذلك. كما أنها واجهت مشاكل كبيرة في التعليم.
وفي العشرينات من القرن الماضي كان المرض العقلي موصوم بشدة. خوفًا من أن يعرف أحد بمرض روزماري وعواقب ذلك، سحبتها العائلة من المدرسة وبدلًا من ذلك استأجرت معلما لتعليم الفتاة من المنزل. في نهاية المطاف، أرسلوها إلى مدرسة داخلية كبديل لإرسالها لمصحة أمراض عقلية.
إنجلترا:
بعد تعيين والدها جوزيف سفيرًا في المملكة المتحدة من قبل الرئيس فرانكلين دي روزفلت في عام 1938، انتقلت عائلة كينيدي إلى إنجلترا. وجذب جمال وسحر المراهقة روزماري انتباه الصحافة البريطانية. حيث قالوا أن جمال روزماري كان سبب رئيسي لنجاح والدها في الدخول في الدوائر الأرستقراطية البريطانية.
في مايو 1938، قدمت روزماري بجنب عائلتها إلى الملك جورج السادس والملكة إليزابيث في قصر بكنجهام. وكانت روزماري البالغة من العمر 19 عامًا موضوع جميع الصحف. فقد قامت الصحف بنشر صور فوتوغرافية لها في كل صفحاتها الأولى. بالطبع لم يعرف أحد مدى إعاقتها حيث علمت عائلة كينيدي جاهدة للحفاظ عليها كسر.
عندما أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا في سبتمبر، سارعت روز كينيدي وأغلب أطفالها بالعودة إلى الولايات المتحدة. كانت روزماري هي فقط من بقيت مع والدها. عندما بدأت الحرب، تم إرسالها من لندن إلى بيلمونت هاوس، وهي مدرسة تتبع طريقة مونتيسوري التي تركز على جميع الحواس الخمسة لتطوير تعلم الطفل. أحبت روزماري المدرسة ووصفتها بأفضل مكان ذهبت إليه.
بعد بضعة أسابيع هناك، كتب جوزيف بحماس إلى زوجته: “تحب التعليم مع الأم إيزابيل. إنها سعيدة، تبدو أفضل من أي وقت مضى في حياتها. لا تحس بالوحدة إطلاقًا.”
لكن تعاطف جوزيف النازي المعروف بالإضافة إلى آرائه الصريحة بأن بريطانيا لن تتمكن من كسب الحرب وأن “الديمقراطية قد انتهت” جعل انسحابه كسفير أمرًا حتميًا. في نوفمبر 1940، مع أمريكا على حافة الانضمام إلى الصراع عاد إلى الولايات المتحدة وكانت تلك نهاية مشواره السياسي. عادت روزماري برفقته ومن هذه النقطة أخذت حياتها منعطفًا مأساويًا.
الولايات المتحدة الأمريكية مجددًا:
كانت عودة روزماري إلى أميركا كارثية. حيث حرمت من الحب والرعاية التي تلقتهم في إنجلترا وتراجعت حالتها بسرعة. التقدم الذي أحرزته في بلمونت هاوس اختفى. وتفيد التقارير بأنها أصيبت بنوبات عنيفة وبنوبات غضب عنيفة، مما أدى إلى إصابة من حولها، حتى أشقاءها الأصغر سنًا. في إحدى الحوادث هاجمت روزماري جدتها، وضربتها وركلتها حتى تم أبعدت عنها.
تم وضع روزماري في الدير لكنها تحدت جميع القيود. ولم تستطع الراهبات السيطرة عليها. في العديد من الليالي كان يتصل بعائلتها لإخبارهم بأنها مفقودة، فقط ليجدوها تتجول في الشوارع في الساعة الثانية صباحًا. وسرعان ما انتشر أن روزماري كانت تتسلل إلى الخارج لمقابلة الرجال الذين كانوا سعداء بإعطائها الاهتمام والراحة والجنس.
في نفس الوقت كان جوزيف يحضر أبناءه الأكبر جوزيف الابن وجون لمشوار مهني في السياسة. لذلك كان قلق من أن سلوك روزماري يمكن أن يخلق سمعة سيئة ليس فقط لنفسها ولكن للعائلة كلها. وبدأ بالبحث عن حل لمشكلتها حتى وصل إلى دكتور والتر فريمان. فريمان جنبًا إلى شريكه الدكتور جيمس واتس كان بحث إجراء عصبي قيل أنه قادر لعلاج الإعاقة البدنية والعقلية. كان هذا الاجراء هو الجراحة الفصية أو Lobotomy.
في ذلك الوقت كانت الجراحة لم تمارس إلا لمدة ثلاث سنوات في الولايات المتحدة. وكانت تشير الأدلة إلى أن هذه الجراحة التجريبية كانت محفوفة بالمخاطر وغير موثوقة وكثيرًا ما كانت ضارة وأحيانًا قاتلة. ونصحت الجمعية الطبية الأمريكية بشدة بعدم إجراء تلك الجراحة إلى أن يتسنى إجراء المزيد من الدراسات عليها. على الرغم من كل هذا، رتب جوزيف الأب لروزماري الخضوع للجراحة دون استشارة زوجته أو أي شخص آخر في الأسرة.
الجراحة والحياة من بعدها:
حلقت رأس روزماري. وكانت مربوطة بمائدة العمليات وظلت مستيقظة طوال الجراحة. طلب منها الأطباء أن تغني أغاني مثل “بارك الله أمريكا”، تقرأ صلاة الرب وتروي القصص بينما كانوا يقوموا بتقطيع دماغها، توقفت الجراحة عندما فقدت روزماري وعيها. عرفوا الأطباء على الفور أن العملية لم تكن ناجحة على حسب الممرضة التي حضرت الجراحة والتي أصيبت بصدمة شديدة بسبب ما رأته جعلتها تترك مهنتها.
ما كان ذات مرة مشكلة سلوكية يمكن السيطرة عليها تحول لشيء أسوأ بكثير. وقد تراجعت روزماري البالغة من العمر 23 عامًا إلى حالة طفلة عمرها سنتان وفقدت قدرتها على المشي والكلام. على الفور أرسل جوزيف ابنته إلى مستشفى أمراض نفسية في شمال ولاية نيويورك ولم بخبر أيًا من أخواتها بذلك. اخبر جوزيف زوجته أنه من الأفضل لها ألا تزور روزماري حتى تتمكن من “الاعتياد” على حياتها الجديدة. بينما أخبروا الجميع أنها سافرت للخارج الدراسة لتكون معلمة أو لتشارك في العمل الاجتماعي. قالت يونيس كينيدي التي كانت أقرب أشقياء روزماري لها أنها لم تعرف مكان روزماري لأكثر من عقد.
أمضت روزماري كينيدي 20 عامًا في المستشفى غير قادرة على التحدث أو المشي أو رؤية عائلتها. لم ترى أيًا ن عائلتها إلا بعد أن عانى جوزيف من سكتة دماغية هائلة وذهبت روز ذهبت لرؤية ابنتها. في غضب مذعور هاجمت روزماري والدتها غير قادرة على التعبير عن نفسها بأي طريقة أخرى. لكن سرعان ما تحسنت العلاقة وكانت روز تزور ابنتها بشكل مستمر. كما زار أخوات روزماري الباقيين وأزواجهم واولادهم روزماري وكانت تذهب إلى منازلهم في الكثير من الأوقات كذلك.
ما حدث لروزماري جعل أخواتها يحاربون من أجل أصحاب الإعاقات العقلية والجسدية. فقد استخدم جون كينيدي رئاسته للتوقيع على تعديل تخطيط صحة الأم والطفل والتخلف العقلي لقانون الضمان الاجتماعي، وهو القانون السابق لقانون الأمريكيين ذوي الإعاقة، الذي حارب من أجله شقيقه تيد كينيدي أثناء فترة عمله كعضو في مجلس الشيوخ. كما أسست يونيس كينيدي الألعاب الأولمبية الخاصة في عام 1962.
توفت روزماري كينيدي عام 2005 في عمر 86 محاطة بأخواتها الباقيين، يونيس وبات وجين وتيد.
الكاتب
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال