المستشار طارق البشري .. جده عارض كرومر وإسرائيل كانت تريد رأسه أكبر أزماته
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يمثل المستشار طارق البشري أيقونة طبقة المثقفين الوسطى في مصر، لكنه كان متفردًا عن بقية جيله بتنوع مجالاته، ومع تعدد بصماته القانونية له إسهامات ضخمة في التاريخ والفلسفة.
إسرائيل كانت تريد رأسه
للدكتور طارق البشري مئات المقالات الصحفية والتي جُمِعَت في كتاب مصر بين العصيان والتفكك، غير أن هناك لكن هناك مقال واحد لم يكتبه البشري باسمه الحقيقي وذلك لحساسية منصبه كقاضي وهو بعنوان إسرائيل كانت تريد رأسه وكان منشورًا في جريدة الشعب التابعة لحزب العمل الإشتراكي عدد 16 يناير 1986 م عن سليمان خاطر.
كتب طارق البشري مقاله عن سليمان خاطر باسم محمد سليم وكان واضحًا عليه فرط الغضب والاستياء من حادث قتل سليمان خاطر في 7 يناير من نفس العام، ولم يُعْرَف أن طارق البشري هو كاتب هذا المقال إلا بعد 18 سنة من نشره، حيث كشف أنه هو صاحب المقال خلال العدد الخاص الذي أصدرته مجلة البستان عنه.
استهل طارق البشري المقال بقوله «منذ يونيو 1967 لم أشعر بالمهانة لحدث من الأحداث مثل ما شعرت به لحادث مقتل سليمان خاطر، لم أشعر أن بلدنا مخترق بمثل ما شعرت في هذا الحادث، وليس سرًا أن إسرائيل كانت تريد رأس سليمان خاطر، وإنما يهمها بالدرجة الأولى أن يقتل ردعًا لغيره على المستوى العربي كله، ولا يحتاج إلى ذكاء كبير القول بأن هذه الإرادة الإسرائيلية إنما تزداد إصرارًا بقدر ما نهض الرأي العام المصري يدافع عن سليمان خاطر ويحتضنه ويعلي صنيعه إعلاء البطولة».
هاجم طارق البشري في مقاله أداء الدولة المصرية حيث قال «اليوم نرى أعجوبة مصر، جهازها الإداري الرصين كالمدن المفتوحة، ما شعرت قط أنني في العراء بغير حماية في وطني كما شعرت اليوم».
سليل عائلة المشاهير
في حي الحلمية وفي الأول من نوفمبر لعام 1933 ولد المستشار طارق عبدالفتاح البشري لعائلة لها جذور تعود إلى منطقة محلة بشر في مركز شبراخيت بمحافظة البحيرة.
عائلة المستشار طارق البشري لها بصمات واضحة في التاريخ المصري الحديث، فجده هو الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، وعمه هو الأديب واللغوي الكبير الشيخ عبدالعزيز البشري.
لجد المستشار طارق البشري دور بارز في تاريخ الأزهر فقد كان الشيخ سليم البشري شيخًا لمشايخ المذهب المالكي سنة 1887 م في عهد الخديوي توفيق، وكان عضوًا بالمجلس الأعلى للأزهر سنة 1895 ولما اشتد الصراع بين اللورد كرومر والأزهر حول المحاكم الشرعية ورغبته في التدخل بالتعيينات خلال فترة الشيخ حسونة النواوي، تصدى البشري لها وفشلت محاولة كرومر في التدخل بتعيينات المحكمة الشرعية وهو ما أدى إلى فصل منصب مفتي الديار عن شيخ الأزهر بعد رحيل حسونة النواوي فتم تعيين الشيخ محمد عبده مفتيًا للديار والشيخ عبدالرحمن النواوي شيخًا للأزهر.
عقب رحيل الشيخ عبدالرحمن النواوي تولى البشري مشيخة الأزهر سنة 1899 وكان خصمًا لدودًا للورد كرومر كما كان معارضًا شرسًا للخديوي عباس حلمي الثاني فقدم استقالته من مشيخة الأزهر سنة 1903 وقبلها عباس حلمي الثاني مما تسبب له في حرج كبير فأعاده لمنصبه بعد 6 سنوات وبقي فيه حتى وفاته سنة 1917 م
رحلة التحولات
شهد عبدالعزيز في طفولته فترة الليبرالية المصرية وصراعها مع القصر الملكي، لكن تبلور أيدولوجيًا في ظل النظام الجمهوري، بعدما تخرج من كلية الحقوق في جامعة القاهرة عام 1954 م، وكان أساتذته مشاهير في القانون، وبعدها عمل في السلك القضائي وتحديدًا عبر مجلس الدولة، إلى جانب توليه رئاسة الجمعية العمومية للفتوى والتشريع.
اقرأ أيضًا
بعد وفاة كرم زهدي عراب الإرهاب ونبذه “قراءة حول الشيء الذي طلبه من الله قبل موته ؟”
كان المستشار طارق البشري متأثرًا بفكرة العلمانية الوطنية التي تفتحت مداركه عليها في أربعينيات القرن الماضي وكان شغلها الشاغل الاستقلال الوطني الذي ينادي به حزب الوفد، ثم تطورت أفكاره أكثر في ظل النظام الاشتراكي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
اتسم المستشار طارق البشري بخصلة أنه لا يستنكف عن العدول عن رأيه أو موقفه إن كان خاطئًا بعدما يتكشف له، ويدلل على ذلك التحول الفكري الذي كان عليه، حيث كان علمانيًا وطنيًا ثم تحول إلى مفكر إسلامي بعد نكسة يونيو سنة 1967 م.
عايش المستشار طارق البشري أجواء الهزيمة ومعاناتها ومرارتها، فبدأ يعيد ترتيب أفكاره السياسية والفكرية، فكتب بين سنة 1967 و 1969 كتاب الحركة السياسية في مصر من 1945 إلى عام 1952 م، ثم كتب كتاب رحلة التجديد في التشريع الإسلامي، وبدأت مسيرته في الكتابة بشتى المجالات سواءًا كانت سياسة وقانون وتاريخ.
رحل عن عالمنا طارق البشري وبقي سؤال في مسيرته الفكرية وهو موقفه من النشاط الأدبي الذي كان مخاصمًا له وليس خصمًا وعنها يقول «حتى نهاية الستينيات نت متابعًا لا بأس به للإنتاج الأدبي في مصر والعرب، ومنذ باكورة صباي كانت قراءاتي الأدبية أكثر من السياسية، وواكبت الحركة الحديثة في التذوق الأدبي بخسمينيات القرن الماضي لكن النكسة صرفتني عن الأدب، لم أفقد صلتي بالكتابات الأدبية لكن بعد النكسة لم أجد في الأدب المتاح ما يجيب عن الأسئلة المتعلقة بأسباب الهزيمة وغيرها».
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال