همتك نعدل الكفة
633   مشاهدة  

الأستاذ حسن في القاهرة كابول يعيش بيننا “قصة حقيقية صاحبها شابًا”

الأستاذ حسن في القاهرة كابول
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



لقيت شخصية الأستاذ حسن في القاهرة كابول ردود فعل متبانية على السوشيال ميديا، بعضهم سخر من الشخصية لأنها من الجيل القديم الذي يُكَسِّر المقاديف أو يبيع الوهم بالتاريخ، ومنهم من أعجب به لحكمته ومأثوراته، غير أن قلة رأوا في صياغة الشخصية مبالغة من المؤلف عبدالرحيم كمال وأنه لا يمكن لإنسان أن يكون مثله.

نبيل الحلفاوي - القاهرة كابول
نبيل الحلفاوي – القاهرة كابول

لا تقوم شخصية الأستاذ حسن في القاهرة كابول على قصة حقيقية، لكن نمط الشخصية وهو الكلام بالتاريخ وربط كل شيء بالتاريخ موجود داخل التكوين النفسي لـ (كاتب المقال)، وللأمانة فإن شخصيتي مقارنةً بشخصية الأستاذ حسن أكثر تطرفًا.

مثلما يتكلم الأستاذ حسن في التاريخ ويعيش به عبر أحداث القاهرة كابول، أنا أيضًا مثله وأشد تطرفًا، اسمي وسيم عفيفي واسمي ولقبي النوستالجي وسيم عفيفي الفارق بيني وبينه أنه ينتمي لجيل النكسة والانتصار والانتفاح والتيه السيرالي، يستوعب الشباب لكن بعقلية كلاسيكية، بينما أنا لست بالشخصية المثالية ولا السلبية، إنما أنا نوستالجي.

إنسانية بالنوستالجيا

محطة البلينا
محطة البلينا

لا يمثل التاريخ لي علمًا أو تخصصًا في العمل، فهذا هو الإطار الشكلي الخارجي لشخصيتي، لكن من داخلي وبأعماق نفسي فالتاريخ عندي متقولب في قالب النوستالجيا (الحنين للماضي) لكن النوستالجيا تطورت من أنماط مودية إلى حالة نفسية تكاد تكون مرض نفسي بالمعنى الحرفي للوصف.

حياتي كلها قائمة على التاريخ وتصرفاتي كلها مُوجَّهَة بالتاريخ وأعي كل شيء بالتاريخ، حتى في العلاقات الإنسانية وحبي الرومانسي فالنوستالجيا هي الوقود لكل شيء وأي شيء، والنماذج على ذلك كثيرة ومتعددة.

مصائر الإنسان من وجهة نظر نوستالجية
مصائر الإنسان من وجهة نظر نوستالجية

بدأت طريقي العملي في النوستالجيا حين تركت سوهاج يوم 4 سبتمبر 2012 م وأنا على المحطة وضعت لنفسي قانونًا نوستالجيًا يقول «انت رايح مصر ومستنيك مصير من تلاتة، إما عبدالغفور البرعي في لن أعيش في جلباب أبي، أو أحمد محرز في عودة الإبن الضال، أو شكري سرحان في شباب امرأة، لو مبقيتش عبدالغفور ربنا يرحمني وأرجع لأهلي في تابوت».

وصلت القاهرة يوم 5 سبتمبر لأعمل في مجال الكتابة وكنت مرعوبًا، ليس لأنه مجال جديد، لكن لأن تاريخ الوصول وبدء العمل ومكان العمل كلها رموز تاريخية بشعة، فمحطة المترو يرجع اسمها لأول رئيس لمصر تم تدميره، وأول تمثال رأيته كان لمحمد فريد الذي مات كمدًا في المنفى، وتاريخ وصولي يواكب ذكرى اعتقالات سبتمبر التي قام بها السادات، كل هذا الظواهر النوستالجية نفسيًا جعلني أفكر في الرجوع من حيث أتيت فأنا لا أريد مصير نجيب أو فريد أو المعتقلين في سبتمبر أو السادات.

حاولت التماسك من أجل لقمة العيش والحلم المجهول المحسوس فسرت مع صديقي إلى مقر العمل وكان أمام قصر عابدين، وشعرت بضجر لأن قصر عابدين حوصر بالدبابات سنة 1942 م، وأنا على باب المقر لفت نظري أني في منطقة عابدين، فاستلهمت أشكال القوة النفسية نوستالجيًا من تتر مسلسل أميرة في عابدين بكوبليه «عودوا لأصولكم تاني للأصل عودوا، دا اللي يمد جدوره يشتد عوده»، فقررت أن أرجع لأصلي وهو الحلم النوستالجي الذي أريده.

رومانسية بالنوستالجيا

الأستاذ حسن في القاهرة كابول

حين أحببتها وأحببتني وعدتني بأنها ستتمسك بي لكنها تريد أن تعرف ما هو موقفي من التحديات هل سأصمد أمامها أم لا ؟، لم أجبها بجمل شاعرية معروفة (ربما أي فتاة تحتاج أن تسمعها حتى لو كانت مستهلكة)، وإنما أجبتها إجابة لم تتوقعها.

قلت لها “إنتي عارفة أنا شايف نفسي وشايفك إزاي في العلاقة دي ؟ شايفك زي مصر وأنا محمد علي باشا اللي جا عشان يسترزق في البلد دي بشغله لحد ما حس بقيمتها فسعى لها واتأقلم مع التحديات مماليك وعثمانيين وأرناؤود ومصريين، عك في الآخر بس عمل حاجة وإن شاء الله مش هعك العك بتاعه لإني بحبك، بس عايز أحذرك من حاجة واحدة بس”.

توقعت حبيبتي أني سأضع لها كتالوجًا للتعامل معي، لكني قلت لها “أنا عايز أنجح في السعي ليكي زي ما محمد علي نجح في سعيه لمصر، عشان دا يحصل بلاش المواقف اللي تخلي نهايتنا زي نهاية جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر”.

كانت الأماكن الرومانسية بالنسبة لي في قصة الحب تلك موجودة بالقاهرة الفاطمية ومقابر الإمام الشافعي وشارع الأشراف، وكدنا نستصدر كارنيهات اشتراك لعربات الفول والسمين والكبدة، ولاحظت حبيبتي مدى التعلق النوستالجي فانبهرت به لكنها خشيت عليّ منه فغيرتني نسبيًا فصرنا نخرج لأماكن تبدو بالنسبة للناس معروفة لكني أحسست أني لم أعيش ومنها مثلاً الكورنيش ووسط البلد، فكنت أمقتهما وأشعر أن نفسيتي تشبه تتر مسلسل رجل في زمن العولمة الجزء الأول والجزء الثاني.

العمل بالنوستالجيا

الأستاذ حسن في القاهرة كابول

إقرأ أيضا
الأستاذ حسن في القاهرة كابول

عملي كله تاريخ والمعروف عن العمل أي عمل أنه شيفت (8 ساعات) وفي مجال الكتابة يمكن أن يكون شيفت ونصف، لكن أنا لا أعرف الشيفتات، فيمكن لي أن أعمل 48 ساعة بلا انقطاع ولا أشعر بالوقت، وهذا أمر عادي لكن الصعوبة تكون بعد انتهاء العمل.

مثلاً لما أقوم بتغطية شيءٍ أجمع كل محتوياته من صحف وجرائد وموسيقى معبرة ووثائق ومخطوطات ثم يتملكني كل هذا على الصعيد النفسي وحتى في نومي، فمثلاً أثناء تغطية فيلم الممر كنت أرى كوابيس النكسة وكأني موجود قبل الضرب لأخبرهم بأن القصف الإسرائيلي قارب على الحدوث لكني أقف مشلولاً ولا أتكلم، فكان هذا أول أعراض الجاثوم.

حتى مسلسل موسى يبدو للقراء أن التقارير المكتوبة مجرد تقارير قائمة على عمل بحثي تخصصي لكن الحقيقة أني أخضعت نفسي لتهيأة نفسية شديدة القسوة قبل رمضان حيث كنت يوميًا أقرأ مالا يقل عن 10 جرائد في الفترة من 1940 حتى 1945 وأدقق في كل خبر حتى لو كان خبرًا في صفحة الوفيات، ثم أثر ذلك عليّ في نومي فشعرت نفسي أني في الحرب العالمية الثانية مع رويعي وأريد أن أنقذه لأجدني معزولاً عن الموت وخبيرًا به في آنٍ واحد.

حين أعود لأجواء سنة 2021 لا أصدق أني في 2021 م، أقلب في الفيس بوك وكأني أريد بيانًا ستنشره صفحة النقراشي باشا، وحتى لما يكلمني رئيسي في العمل، تجيء ثواني ولا أشعر به لا أنساه لكن أستغربه كـ رئيس تحرير، فأراه طوق نجاة يذكرني بزمني الذي أحياه.

النوستالجيا وطريقها بالنسبة لي في العمل تتمحور في 3 أشياء، أولها تسجيل موقف أخروي (النوستالجيا علم ومن كتمه عقابه شديد جدًا) والكتم مثل الحياد، وثانيها تسجيل موقف دنيوي (بحيث لما الواحد يموت يقولوا الله يرحمه)، وثالثها أن التاريخ والنوستالجيا هما الغيبة والنميمة الإيجابية لأنهما قائميين على الكلام في الأموات، بالتالي أنا واثق أن كل الأموات الذين كتبت أسماءهم وقصصهم سيجمعني الله بهم في الآخرة لكي يحاسبنا جميعًا ونأخذ حقوقنا من بعضنا (أنا على ما قلت ونشرت وهم على ما فعلوا)، بالتالي ليس عندي استعداد أتحمل عواقب حديث أتدرون من المفلس .

 

الكاتب

  • الأستاذ حسن في القاهرة كابول وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان