رحيل الموسيقار جمال سلامة … واحد من جيل العظماء من المؤلفين الموسيقيين
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في أواخر عام 1990 وقف المطرب الكويتي عبد الله الرويشد ينشد من كلمات الأبنودي “ومادام ياربي خلقت لي دمعي من حقي أبكي .. ان شاالله دم .. ومادام ياربي خلقتي صوتي حاصرخ لو العالم حجر أصم”،عبرت تلك الكلمات بشكل صادم عما يجيش في الصدور العربية تجاه غزو العراق للكويت في أغسطس من نفس العام، وهو ما جعل احتفال الليلة المحمدية السادسة يكتسي بلون أسود قاتم، حيث زفت العروبة إلي مثواها الأخير.
كان بطل تلك الليلة هو الموسيقار “جمال سلامة” حيث وضع ألحان الأوبريت ووثقت أغنية “اللهم لا اعتراض” مأساة غزو الكويت، اليوم رحل عن عالمنا الموسيقار الكبير تاركًا إرثًا فنيًا صعب تجاهله في ظل حالة من التعتيم والكسل في البحث عن أرشيفه الموسيقي والذي يزخر بالعديد من الألحان والموسيقى التي حفرت مكانًا عميقًا في وجدان جيل الثمانينات والتسعينات.
اقرأ أيضًا
تترات مسلسلات رمضان … أغاني خاصة أم أغاني تترات
الميلاد وبزوغ الموهبة مبكرًا.
ولد جمال سلامة في 25 أكتوبر من عام 1945، والده عازف الترومبيت والمؤلف الموسيقي حافظ سلامة، بزغت موهبته مبكرًا فانضم إلى فصول الموهوبين التي أنشأتها وزارة التربية والتعليم، ليلتحق بعدها بمعهد الكونسرفتوار حيث درس اّلة البيانو وانتقل في العام الثالث إلى قسم النظريات الموسيقية.
تتلمذ سلامة علي يد العديد من الأساتذة منهم جمال عبد الرحيم ، يوسف السيسي، سمحة الخولي، شعبان أبو السعد، ثم استكمل دراسته العليا في الإتحاد السوفيتي حيث حصل على دبلومة في التأليف الموسيقي تعادل الدكتوراه من معهد كونسرفتوار تشايكوفسكي، ثم عاد إلى القاهرة ليلتحق بالعمل كمدرس بقسم التأليف والنظريات الموسيقية بكونسرفتوار القاهرة.
الحديث عن جمال سلامة يصحبنا في أربعة اتجاهات مختلفة عن بعضها البعض، الاتجاه الأول التأليف الموسيقي الأوركسترالي، والثاني هو الألحان والتوزيع الموسيقي ، الثالث الأوبريتات وأغاني المناسبات، ثم المضمار الأهم وهو الموسيقي التصويرية التي وضعها للعديد من الأعمال سواء في السينما أو في التليفزيون.
التأليف الموسيقي.
يعتبر جمال سلامة من الجيل الثالث من المؤلفين الموسيقيين المصريين الذي يعتبر أول جيل درس التأليف الموسيقي في مصر قبل أن يكمل الدراسة في الخارج ، بدأ مشواره في السبعينات وفي وقت كان الاهتمام بالمؤلفات الموسيقية الخالصة شبه معدوم لا يلقى رواجًا عند عموم الجمهور وظل حبيس دار الأوبرا وتجمعات الصفوة.
رغم قلة مؤلفاته الموسيقية إلا أنها تدل على موهبة فذة لم تستغل جيدًا في هذا المضمار وبرغم اهتمامه بالشكل الكلاسيكي التقليدي في التأليف إلا أنه كان مهتم بالموسيقى الشرقية حيث قام بإدخال الربع تون في بعضها.
من أهم مؤلفاته سيمفونية مصر الحديثة والتي كانت مشروع تخرجه من المعهد، فرحة ، افتتاحية مصر السلام، مقطوعة ذكريات، وكتب العديد من المؤلفات لموسيقى الحجرة للكمان والبيانو.
جمال سلامة الملحن والموزع.
بموت عبد الحليم حافظ وأم كلثوم بدأت الأغنية المصرية تأخذ منحى جديدًا في الشكل والتناول الموسيقي، كان سلامة أحد رواد تلك الأغنية الحديثة، حيث حافظ على الشكل التقليدي في البناء والانتقالات اللحنية المدروسة وأضاف إليها التوزيع الموسيقي وقدرة على بناء ألحان موازية يضفي ثراء على الأغنية.
تجارب سلامة في عالم الأغنية كبيرة وضخمة جدًا، صنع جماهيرية المطربة سميرة سعيد بعد سنين تجريب مع بليغ حمدي لم تكلل بالنجاح، لكنها أصابت نجاحًا ضخمًا معه بألبومي من ألحانه وتوزيعه “مش هتنازل عنك” و”تعبك راحة” وصنع لها العديد من الأغنيات المهمة مثل “قال جاني بعد يومين” و”واحشني بصحيح” و”إحكي يا شهرزاد”
وقدم أهم تجارب المطرب “عماد عبد الحليم” في ألبوم “طريق الأحباب” والذي اشتهرت فيه أغاني “أنا مهما خدتني المدن” و”سفينة”و”الأم”.
وقدم العديد من الأغاني المهمة للمطربة اللبنانية ماجدة الرومي والذي كان تعاونه معها مختلفًا أعاد تذكيرنا بجمال سلامة المؤلف الموسيقي حيث قدم لها “بيروت يا ست الدنيا” و”عيناك ليال صيفية”و“مع جريدة” “سمراء النيل” “لون معي الأيام”.
وله تجارب مع العديد من الأصوات القوية مثل “رجاء بلمليح” و”نادية مصطفى” و”لطيفة” وهاني شاكر” ودخل مضمار الأغنية الشعبية مع المطربة الكبيرة “فاطمة عيد” حيث قدم لها العديد من الألحان أشهرها “يا حلاوتك يا استفندي” ولحن لها ألبوم “التوتو ني” بالكامل.
رغم النجاحات الضخمة جدًا التي حققتها ألحانه، إلا أنها كانت في فترة كانت الأغنية العربية تسير بسرعة صاروخية نحو التغريب الكامل والانسلاخ التام عن أصول الطرب، فكان يدرك أنه لن يكون جزء من هذا التغيير فيفضل التركيز أكثر على تأليف الموسيقى التصويرية.
الموسيقى التصويرية.
في مجال تأليف الموسيقى التصويرية لجمال سلامة رصيد ضخم جدًا تخطى الـ 200 عمل درامي موزع ما بين السينما والتليفزيون، من أشهر الموسيقات التي وضعها موسيقى أفلام “حبيبي دائمًا” و”يارب ولد”و”النمر الأسود”و”ليلة بكى فيها القمر” و”تزوير في أوراق رسمية” ولحن العديد من الأغاني المهمة في الأفلام أشهرها بالطبع أغاني فيلم “ليلة بكى فيها القمر” وأغنية ساعات ساعات التي أعادت المطربة الكبيرة صباح إلى الواجهة مرة أخرى، بالإضافة إلى أغاني فيلم “النمر الأسود”
وعلى مستوى الدراما التليفزيونية تأتي “احلام الفتى الطائر” و”الحب وأشياء أخرى” ووضع أغاني مسلسلات “ذئاب الجبل”و”جمهورية زفتى”.
الأوبريتات وأغاني المناسبات.
بزغ اسم جمال سلامة كملحن الأوبريتات وأغاني المناسبات، فوضع ألحان وتوزيعات الليلة المحمدية وله رصيد كبير من الأغاني الدينية التي غنتها المطربة ياسمين الخيام مثل “محمد رسول الله”و”ساعة ولد الهدى”
وصنع العديد من الأغاني المهمة التي كانت دائمًا تلاحقنا وقت أي انتصار كروي مثل “المصريين أهما” و”فرحة مصر” ومصر اليوم في عيد” “و بلدي” و”مصر المستقبل “و”اللي عاش حبك يعلم”
وله العديد من أغاني المناسبات الشهيرة مثل “والله بعودة يا رمضان” للمطرب الكبير محمد قنديل والتي أصبحت من كلاسيكيات الأغنية الرمضانية على الرغم من أنها صنعت حديثًا نسبيًا، وبالطبع لا نستقبل العيد إلا مع صفاء أبو السعود وأغنية “العيد فرحة”.
في النهاية هل نال جمال سلامة التقدير الذي يستحقه بالفعل؟ … منحته الدولة جائزة عيد الفن في عام 1977 وجائزة الدولة التشجيعية للفنون في عام 1981، فهل كان هذا كافيًا، على مستوى الجماهير هل تم تجاهله بسبب أنه تجرأ وهاجم الموسيقار محمد عبد الوهاب على صفحات مجلة صباح الخير، لتتفرغ الأقلام بعدها للهجوم عليه والدفاع عن الموسيقار الكبير، وهل هذا سببًا كافيًا كي يتم معاقبته وأن تظل موسيقاه أشهر منه، وهل تم التعامل معها بشكل نقدي موضوعي بغض النظر عن آرائه التي أغضبت البعض، رحل جمال سلامة وترك بصمة موسيقية لا تخطئها الأذن و يصعب تجاهلها أو نبذها فحتمًا تلاحقك أينما ذهبت.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال