ماذا فعل قانون “عزبة مقار” بصبي الاستورجي؟
مررت من أمام هذا الصغير صاحب الشعر البني الفاتح، زادته “البوية” بياضًا فبدا وكأن فوق عمره عمر آخر.
في إحدى المناطق الشعبية يعمل عبد الله -14 عاماً- صبي أُسطورجي، بينما هو يلهو بالقطع الخشبية، يلعب أمامه آخرون من أطفال المنطقة، لعل قانون “عزبة مقار” التابعة لأبو النمرس هو من فرض عليه ذلك، ليس بسبب ضيق الحال أو لأنه ولد فلابد أن يعمل.
عبدالله ينتمي لأسرة ميسورة، لكنه ينتمي أيضاً لمنطقة “أبو النمرس” وهناك معظم من تعلم القراءة والكتابة لابد وأن يخرج من المدرسة؛ كي يتعلم مهنة ويعمل بها، قلة قليلة فقط هي من فلتت من هذا القانون.
“الأسطى بتاعي يبقى ابن عمي وطبعاً بيديني فلوس”، فور خروجه من المدرسة عندما أتم الدراسة بالصف الخامس الابتدائي ذهب إليه ليعمل بنفس المهنة “مع إني كنت شاطر في المدرسة وكنت بطلع من الأوائل، عندنا اللي بيتعلم بيطلع أقصى حاجة الدبلوم وممكن يطلعوهم من التعليم قبل ماياخدوه كمان”.
قانون “عزبة مقار” جعل عبد الله لا يشعر أن هناك شيء ما ليس على مايرام ولم يتأثر بخروجه من المدرسة في سن صغير؛ لأن الأغلبية حوله يفعلون نفس الأمر، في” عزبة مقار” لا يوجد فروق ولا يعتبر شخص نفسه أفضل من الآخر، فكلهم خرجوا من المدرسة لينخرطوا وسط الصنعة ومهن الحياة.
“أول مرة ماضربنيش عشان لسة بتعلم، لكن بعد كده بقى يضربني بس قليل عشان بعمل الشغل غلط”، سر مهنة الاستورجي هي كيفية المعجنة ووضع المعجون على الضغرات لإخفائها، وأصعب شئ في المهنة هو الرش “المعلم بس هو اللي بيعمله أنا بمعجن وأصنفر بس”، الرش عبارة عن مزيج من التينر والصبغة ويحتاج إلى الكثير من الثبات والحرفية.
سألت “عبد الله” عن أحلامه وهل تركه التعليم سبب له مشكلة ما، لكن يبدو أن عبد الله لا يكترث كثيراً بالتعليم، فهو سعيد بمهنة الصبي ويتطلع الى أن يصبح معلمًا يوماً ما ويفتح محل كبير.
أحياناً قوانين المنطقة التي نعيش بها هي من تطوع أحلامنا وتقودها وتجعلنا مقتنعين أن هذا القانون هو الأصح والأفضل؛ لعل الصغير عبد الله يشعر بذلك، يشعر أن الخروج من المدرسة هو قانون طبيعي لابد أن يسير عليه الجميع ومن يفعل غير ذلك فهو الخارج عن القاعدة.