الحلقة الأخيرة من مسلسل موسى .. نهاية مقنعة لأسباب تاريخية

انتهت الحلقة الأخيرة من مسلسل موسى بنهاية مأساوية لم يتوقعها أشد المتابعين تشاؤمًا، حيث قُتِل موسى على يد شداد ثأرًا في ليلة شديدة الدموية.

ملحوظات الحلقة

أكثر ما يشد في أحداث الحلقة الأخيرة من مسلسل موسى هو عذوبة حوار المؤلف ناصر عبدالرحمن خاصةً في مشهدين هما ماستر سين الحلقة.

المشهد الأول يتمثل في لقاء موسى بـ شفيقة بعد سنوات من الابتعاد والبحث عنها من أجل الشرف، حيث لم يكن الحوار مبالغًا فيه، خاصةً في قوة شخصية شفيقة ورقتها بآنٍ واحد.

اقرأ أيضًا 
متابعة موقع الميزان لـ مسلسل الميزان من الحلقة الأولى حتى الأخيرة 

أما ثاني المشاهد التي توهج حوارها بنص المؤلف ناصر عبدالرحمن فهو حوار مسعد مع الله أمام ضريح الولي والذي وعى معنى التوبة وأراد من الله الرحمة بجمل مؤثرة للغاية، خاصةً مع تشبيه نفسه بقاتل الـ 100 نفس.

قراءة في أسباب النهاية

من المؤكد أن أحداث الحلقة الأخيرة من مسلسل موسى كانت صادمة خاصةً وأن حياة موسى كلها مأساوية، فضلاً عن التصور بأن المسلسل يرسخ فكرة الثأر.

من حيث سياق قصة العمل فإن سبب قتل موسى في الحلقة 30 هو عودته لسوهاج وعلة رجوعه إلى قرية مصاخة هو “العقل المتحجر والأصل”، فموسى لم ينسى أصله خصوصًا وأنه مرتبط بسوهاج التي كانت محطته الأخيرة بعدما خسر ما لديه في القاهرة حيث الزوجة وجزء من التجارة.

بالإضافة إلى كل هذا فإن مسألة التلسين على شرف أخته تؤرقه، ولذلك فبمجرد الرجوع لها كان لابد أن يعودا معًا إلى القرية لإعلان براءتها، خصوصًا وأنها هي الأخرى لن يكون لها مأوى بعد موت زوجها، ربما بعض العيوب الفنية في النهاية تتمثل في عدم تحديد مصير ميراث شفيقة.

نهاية لابد منها تاريخيًا

من حيث سياق مرحلة المسلسل تاريخيًا فإن نهاية موسى بسبب الثأر مقنعة من الحيثية التاريخية خصوصًا وأن الصعيد في مسلسل موسى يختلف تمامًا عن الصعيد في نفس 2021 م.

يزخر تاريخ الصعيد مع الثأر بدراسات متعددة هو تلك الظاهرة، منها كتاب الثأر دراسة أنثروبولوجية بإحدى قرى الصعيد طبعة 1958 م وخصص الكتاب عن قرية بني سميع التابعة لمركز أبو تيج محافظة أسيوط، وكتاب نظام الثأر والعداوة في مركز دشنا سنة 1959 م، وكان مجموع قضايا الثأر في الكتابين يتجاوز الـ 300 حادثة.

لعل أعجب قصص الثأر في تاريخ الصعيد أن أفراد عائلات في أسيوط قرروا إعطاء أنفسهم أجازة من الثأر في آخر مايو من العام 1967 م استجابةً لنداء  أحمد كامل محافظ أسيوط في مؤتمر شعبي كبير ووجه نداءًا إلى كافة عائلات أسيوط ناشدهم فيه بضرورة نسيان الخصومات الثأرية وتوفير الجهود للمعركة الفاصلة مع العدو المتربص على الحدود، وطلب منهم توجيه أسلحة الثأر التي لديهم إلى صدور الأعداء.

إقرأ أيضا

“ألو القاهرة .. معاك يا إسكندرية” قصة أول تجربة لوضع الأسلاك التليفونية تحت الأرض

وصل النداء إلى كل مكان في محافظة أسيوط ولبته مدن البداري والشامية والمعابدة وبني فيز وغيرها من القرى التي تنخر فيها جراثيم الثأر منذ سنوات بعيدة وتحولت مع الأيام إلى معسكرات متناحرة ، وانهالت برقيات من رؤوس العائلات تعلن استعدادها للقتال في سبيل الدفاع عن شرف الوطن صفًا واحدًا وبقلب واحد.

تشير جريدة أخبار اليوم في عدد 4 يونيو عام 1967 م إلى أن كل عائلات أسيوط المتخاصمة أعلنوا إطفاء نار الثأر ونسيان كافة الخصومات للوقوف صفًا واحدًا أمام العدو المشترك، وتلقى أحمد كامل محافظ أسيوط برقيات من رؤوس العائلات يعلنون فيها استعدادهم للذهاب بأسلحتهم إلى الخطوط الأمامية وتكوين كتائب مسلحة تساهم في المقاومة الشعبية.

تقدم 150 شخصًا من صدفا والبداري بأسلحتهم وذخائرهم لوضع أنفسهم تحت تصرف المقاومة الشعبية رغم أنه لم يمضي على عودة أغلبهم من اليمن سوى أسابيع، كما سيدة تتبرع بأساورها وترفض ذكر اسمها، 3 آلاف جنيه من 3 مواطنين بأسيوط.

انتهت الحرب بالنكسة وانهارت الأحلام لكن ماكينة الثأر لم تتوقف فأغلب العائلات المذكورة في واقعة يونيو 67 لا زالت خصوماتها مستمرة حتى يوليو سنة 2020 م.