حقيقة قصة الشعراوي ونقل مقام إبراهيم .. أسباب تاريخية تجعل الحكاية غير حقيقية
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تمثل قصة الشيخ محمد متولي الشعراوي ونقل مقام إبرهيم إحدى أبرز فصول تاريخ عمارة المسجد الحرام وتوسعاته، خاصةً وأن نقل مقام إبراهيم له حَيِّز قديم في الفقه الإسلامي؛ إلا أن تلك القصة تعتريها أشياء تدعو للتأمل والتشكك التاريخي أيضًا.
يتناول هذا التحقيق عبر موقع الميزان القصة التاريخية من حيث حدوثها من عدمها، ولا يناقش الأدلة الدينية حول جواز النقل من عدمه.
نص ومصدر قصة الشعراوي ونقل مقام إبراهيم
جاءت قصة الشيخ محمد متولي الشعراوي ونقل مقام إبراهيم في كتاب أنا من سلالة آل البيت بدءًا من ص 199 إلى ص 204 الطبعة السادسة سنة 1997 م؛ والكتاب هو مجموعة حوارات أجراها الصحفي سعيد أبو العنين مع الشيخ الشعراوي في مجلة آخر ساعة قبل رحيله بـ 4 سنوات، ثم جُمِعَت في كتاب الشعراوي الذي لا نعرفه (وهو عن حياة الشيخ الشعراوي) ثم كتاب أنا من سلالة آل البيت (وهو عن المواقف والأسرار الروحية التي في حياة الشيخ الشعراوي مع آل البيت والأولياء وأضرحتهم).
تقول القصة على لسان الشيخ الشعراوي، أنه في سنة 1954 كان الشيخ الشعراوي يعمل أستاذًا في كلية الشريعة بمكة، واتجهت رغبة المملكة إلى نقل مقام إبراهيم (بمعنى إرجاعه عن مكانه للوراء) ليفسحوا المطاف وينهوا أزمة الزحام، وسيشهد الملك سعود نقل المقام يوم الثلاثاء.
قبل النقل بـ 5 أيام يعني في يوم الجمعة عرف الشعراوي بالموضوع وقرر أن يقاومه لمخالفته الشريعة الإسلامية، فكلم الشعراوي عددًا من العلماء ومنهم الشيخ إبراهيم النوري والشيخ إسحاق عزوز وقال لهما لا يصح ترك المسألة تمر فهذا شيء يخالف الشريعة ونريد أن نقول كلمتنا.
بعث الشيخ الشعراوي رسالة من 5 صفحات فولسكاب إلى الملك سعود وعرض أدلة المؤيدين ونقدها ثم قدم أدلة لعدم جواز النقل، وقدم مقترحًا مفاده هدم المبنى الكبير حول المقام لأنه سبب الزحام، بينما حجر المقام يقام عليه قبة صغيرة زجاجية غير قابلة للكسر.
وصلة برقية الشيخ الشعراوي إلى الملك سعود وقبل موعد النقل بـ 24 ساعة أرسل سعود برقية الشعراوي لعلماء السعودية فاجتمعوا وتدارسوا ما أوردته البرقية، ووافقوا على كل ما جاء فيها، وأصدر أمرًا بهدم المبنى الجديد الذي كان قد عهد ببنائه إلى شركة بن لادن، وتنفيذ مقترحات الشعراوي.
وبعد يومين من الأمر الذي أصدره سعود بإيقاف نقل المقام أجرى الشيخ الشعراوي زيارة إلى مقام إبراهيم بعد وضع القبة الزجاجية عليه ثم طلبه الملك سعود وأعطاه مشلح (عباية).
مراحل انتشار قصة الشعراوي ونقل مقام إبراهيم
قبل زمن السوشيال ميديا وبعد كتابي أنا من سلالة آل البيت والشعراوي الذي لا نعرفه، لم يتم ذكر القصة إعلاميًا إلا بعد أشهر قليلة من رحيل الشيخ الشعراوي عام 1998، حين قالها محمد عبده يماني وزير الإعلام السعودي في الحلقة 22 من برنامج أيام من حياة الإمام، الذي أنتجته قناة اقرأ عن الشيخ الشعراوي.
وبعد 5 سنوات من رحيل الشيخ الشعراوي استعرضت الحلقة 11 من مسلسل إمام الدعاة نفس القصة مع فوارق (المسلسل ذكر مناظرة بين الشعراوي وعلماء السعودية بينما تاريخيًا لم تكن مناظرة)، ثم تم ترديد القصة مرة أخرى في زمن فيس بوك، حتى ذكرها موقع الملك سعود بن عبدالعزيز دون نشر وثيقة برقية الشعراوي.
تأملات نقدية في قصة الشعراوي ونقل مقام إبراهيم .. تناقضات مع حقائق التاريخ
عدة أسباب تاريخية تجعلنا نتشكك في القصة المروية عن موقف الشيخ الشعراوي من نقل مقام إبراهيم ورد فعل الملك سعود عليها.
أولاً / تاريخ التوسعة ووجود الشعراوي يتناقض مع ما قالته القصة ؟
تشير قصة الشيخ الشعراوي أن مشروع النقل كـ فكرة وُلِدَ ومات في 1954 م، وقد طلب الملك سعود من علماء السعودية قراءة تقرير الشعراوي واستجاب العلماء لما طرحه الشعراوي ووافقوا جميعًا على كلامه.
رغبة الملك سعود بن عبدالعزيز في توسعة الحرم لم تحدث في العام 1954 م كما تقول القصة، إنما بدأت في يوم الأربعاء 24 أغسطس 1955 الموافق 5 محرم سنة 1375 هـ، حينما أعلنت المملكة العربية السعودية انتهاء أعمال توسعة المسجد النبوي التي دامت 5 سنوات، وبدء المملكة في توسعة الحرم المكي.
وفي يوم 6 صفر عام 1375 هـ الموافق 24 سبتمبر 1955 م أصدر الملك سعود بن عبدالعزيز أمرًا ملكيًا بتشكيل لجنة للإشراف على تنفيذ المشروع.
وفي 22 شعبان عام 1375 هـ الموافق 4 إبريل 1956 م بدأت فعليًا أولى مراحل مشروع توسعة الحرم المكي بوضع حجر الأساس الذي حضره الملك سعود، وانتهت المرحلة الأولى من التوسعة في 20 جمادى الثانية سنة 1381 هـ الموافق 28 نوفمبر 1961 م.
تلك المرحلة (1955 – 1961) لم يكن مقام النبي إبراهيم مستهدفًا في المشروع ولم يحدث بشأنه أي أمر ملكي يخص نقله أو هدم المبنى الكبير له، ولم يصدر أي فتوى من علماء السعودية في هيئة العلماء بجواز النقل، وإنما ما حدث هو ظهور دعوة تطالب بنقل المقام وصاحبها هو الشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني.
ثانيًا / موقف الملك سعود من نقل مقام إبراهيم وموقف علماء السعودية
تضفي القصة المتداولة جوانب غير منطقية في شخصية الملك سعود بن عبدالعزيز، فالعاهل الراحل لم يكن ليختلف مع علماء المملكة العربية السعودية في قضية دينية، فضلاً عن أن علماء السعودية بنزعتهم الوهابية ما كانوا ليسمحوا لرأي شيخ صوفي أن يُعْتَد به، وهناك 3 أدلة على ذلك.
الدليل الأول أن أول من طالب بنقل مقام إبراهيم كان الشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني عام 1958 والذي كتب اقتراحًا طلب فيه نقل مقام إبراهيم.
أما أول من اعترض على نقل المقام فكان الشيخ سليمان بن حمدان ويرد عليه بكتاب نقض المباني من فتوى اليماني عام 1963 م، فقام اليماني بالرد عليه في كتاب نصيحة الإخوان ببيان ما في نقض المباني لابن حمدان من الخبط والجهل والبهتان، وأيده مفتي السعودية حينها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ برسالة عنوانها الجواب المستقيم في جواز نقل مقام إبراهيم، ثم جمع اليماني كل كلامه في رسالة مطولة بعنوان مقام إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
ويؤخذ من الدليل الأول أن السعودية كان لديها علماء يختلفون مع بعضهم حول تلك المسألة ويردون على بعضهم والشيخ الشعراوي لم يكن في دائرة الظهور للاعتراض لأن الأخذ والرد قام به غيره.
الدليل الثاني أنه على فرض أن الشيخ الشعراوي دخل مضمار الخلاف وكان من المعارضين وأرسل برقية للملك سعود أخذ بها العلماء، فإن موقف الملك سعود نفسه من فكرة النقل عكس ما قاله الشعراوي، والدليل على ذلك أن الشيخ اليماني الذي كتب رسالة مطولة على جواز نقل مقام إبراهيم، تابعه الملك سعود شخصيًا وأمر بطبع رسالته التي تؤيد نقل المقام، وقد قال مفتي السعودية الذي راجع الرسالة في زمن الملك سعود «تفضل جلالة الملك سعود المعظم أطال الله عمره بالأمر بطبعها وتوزيعها ابتغاء مرضاة الله لحسم الخلاف ولوضع الحق موضعه ولتعميم النفع».
ويؤخذ من الدليل الثاني أن الملك سعود كان ميالاً لفكرة نقل المقام من قبل حتى أن تكتمل التوسعة في عهده.
الدليل الثالث أن أول شيخ صوفي اعترض على مشروع نقل مقام إبراهيم كان الشيخ إبراهيم إنياس الكولخي في سنة 1963 م، حيث دُعِي إلى اجتماع اللجنة التأسيسية لرابطة العالم الإسلامي لمناقشة مشروع نقل مقام إبراهيم وبعد مناقشة الموضوع، كتب الشيخ إنياس رسالة بعنوان سبيل السلام في إبقاء المقام، وقد رد عليه في حينها مفتي السعودية؛ ووقتها لم يكن الشعراوي في مكة وإنما كان يعمل مفتشًا للعلوم العربية بالأزهر الشريف من 1962م وحتى 1964 م.
ثالثًا / تاريخ الغطاء الزجاجي لمقام إبراهيم مختلف عن رواية الشعراوي
يقول الشيخ الشعراوي في ص 204 من كتاب أنا من سلالة آل البيت أنهم أخذوا باقتراحاته واستقبله الملك سعود وأعطاه عباية ثم أزالوا المبنى الذي كان يوجد به المقام وعملوا القبة الزجاج، وبعد يومين من الأمر الذي أصدره الملك سعود بإيقاف نقل المقام شرفني الله وشرفت عيني برؤية سيدنا إبراهيم الخليل.
تلك الجملة تتناقض مع ما حدث أصلاً، فهدم المبنى الكبير للمقام وتأسيس لقبة الزجاجية لمقام النبي إبراهيم لم يتم في سنة 1954 م ولم يحدث في عهد الملك سعود أصلاً، وإنما حدث في عهد الملك فيصل يوم 18 رجب سنة 1387 هـ، الموافق 22 أكتوبر 1967 م.
رابعًا / الغطاء الزجاجي .. من صاحب فكرته وهل احتمالية خطأ ذاكرة الشيخ الشعراوي واردة ؟
تأتي فرضيتين وسؤال حول تاريخ الغطاء الزجاجي
أما الفرضية الأولى فهي أن ذاكرة الشيخ الشعراوي ربما خانته في تحديد التاريخ لكِبَر سنه فهو قال أنه رأى المقام بعد أيام من لقاء الملك سعود.
أما الفرضية الثانية فهي أن صياغة الصحفي سعيد أبو العنين أخطأت وكانت تقصد أن الشيخ رأى مقام إبراهيم فيما بعد بالقبة الزجاجية.
لكن الفرضيتين مردود عليهما لـ 3 أسباب :
الأول | أن القبة الزجاجية بُنِيَت سنة 1967 م وفي تلك السنة لم يكن الشيخ محمد متولي الشعراوي في السعودية أصلاً وإنما كان في الجزائر كما ذكر هو بنفسه في لقاءه مع طارق حبيب (الفيديو من هنا)
الثاني | أن الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسير آية واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ـ وقد تم التسجيل في أواخر السبعينيات ـ لم يشير من قريب أو بعيد إلى فكرة النقل أو تصديه لها (الفيديو من هنا)، ثم حكى قصة أخرى غير التي كانت موجودة في المسلسل والكتاب (الفيديو من هنا)
الثالث | هناك فيلم تسجيلي من إنتاج صفوح النعماني عام 1964 م عن مناسك الحج والمشاعر المقدسة يظهر في الفيديو أن المبنى الكبير لمقام إبراهيم ظل موجودًا إلى الستينيات بعكس كلام الشعراوي (لمشاهدة الفيلم كاملاً من هنا وظهور المقام في الدقيقة 12 والثانية 25)
- وهنا يأتي السؤال الملح .. من صاحب فكرة مقام إبراهيم ومن نفذها ؟
ونجد الإجابة عند المهندس المصري رشاد سيد أحمد الحملي المهندس المدني في التوسعة الأولى للحرم المكي، والذي قال في فيديو وثائقي عن محمد بن عوض بن لادن منفذ مشروع مقام إبراهيم أن رابطة العالم الإسلامي هي التي اقترحت على الملك فيصل عام 1967 م وضع غطاء زجاجي على مقام إبراهيم (لمشاهدة الفيلم الوثائقي مـن هـنـا وقصة بناء الغلاف الزجاجي في الدقيقة 45 والثانية 38)، وهو ما حدث في 22 أكتوبر 1967 م، أي بعد رحيل بن لادن بأسبوع وأيام (توفي في 3 سبتمبر 1967).
ربما يحدث تصور أن اقتراح رابطة العالم الإسلامي هو نفسه اقتراح الشيخ الشعراوي، لكن هذا غير صحيح، لأن رابطة العالم الإسلامي قدمت هذا الاقتراح لأول مرة في الجلسة 11 المنعقدة بتاريخ يوم 25 ذو الحجة سنة 1384 هـ، الموافق 27 إبريل 1965 م، وفي 6 رجب سنة 1387 هـ الموافق 10 أكتوبر 1967 م أعلنت الرابطة قبول الملك للاقتراح، والشيخ الشعراوي في كِلا التاريخيين (1965 و 1967) لم يكن موجودًا بالسعودية، فقد كان مديرًا لمكتب شيخ الأزهر من الفترة من 1964 لـ 1966 م ومن 1966 كان رئيسًا لبعثة مصر في الجزائر حتى العام 1970 ثم ذهب للسعودية (بعد 3 سنوات من إقامة المقام بالغطاء الزجاجي).
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
الحساب الرسمي للملك سعود اعلن قبل كتابة المقال بشهرين ان الشيخ الشعراوي بالفعل ارسل البرقية وان تم الاخذ بتلك البرقية وعدم نقل المقام، مجهود حقيقي يحترم من الكاتب من البحث لكن اعتقد بان تلك التغريدة تنفي ما هو موجود في المقال من التشكيك في رواية الشيخ الشعراوي، رابط التغريدة بالاسفل…
https://twitter.com/kingsaud/status/1389896177089384450?t=XgvQS4Jb0GnGrXfxN0IA-g&s=19