“في فكر الوردي” لماذا كره صاحب كتاب وعاظ السلاطين الدولة العثمانية ؟
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بات علي حسين محسن عبد الجليل الوردي صاحب كتاب وعاظ السلاطين أحد أساطين علم الاجتماع في العراق، ورغم أن مؤلفاته التي تتجاوز الـ 10 كتب لقيت شهرة واسعة لكن يبقى كتابه «وعاظ السلاطين»، أحد أبرز المراجع المعتمدة لفكرة العلمانية المعتدلة وفصل الدين عن السياسة، ولقي احترامًا حتى وفاته في التسعينيات.
الدولة العثمانية في فكر علي الوردي
يمكن استشفاف موقف المفكر علي الوردي من الدولة العثمانية وتأثيرها على العراق في كتابين هما «وعاظ السلاطين» و«دراسة في طبيعة المجتمع العراقي»، فالكتاب الأخير يقول الوردي عن الدولة العثمانية في مقدمته «لا نستطيع أن نفهم المجتمع العراقي في وضعه الراهن ما لم نرجع بدراستنا إلى الوضع الذي كان عليه هذا المجتمع في العهد العثماني، فقد ظل العهد العثماني مسيطراً على العراق زهاء أربعة قرون، ولم ينقشع عنه إلا خلال الحرب العالمية الأولى، إن تركيب شخصيتنا في الوقت الحاضر ليس سوى نتاج التفاعل بين ما كان عليه الناس في العهد العثماني، وما جاءت به الحضارة الحديثة من عادات وقيم وأفكار».
العثمانيون والصفويون نوع واحد
طرح على الوردي رأي صادم حول الوضع السياسي والحضاري للعراق خلال عصر الدولة العثمانية إذ يعتبر أن من أقوى أسباب الانحطاط هو الصراع بين العثمانيين والصفويين على حكم العراق والذي أخذ طابعًا مذهبيًا لا زال يحكم العراق حتى بعد زوال الدولتين.
في كتابه «وعاظ السلاطين»، يقول الوردي «كان سلاطين الصفويين لا يختلفون اختلافاً أساسياً عن سلاطين العثمانيين، كلهم كانوا يعبدون الله وينهبون عباد الله، ولم يكن الفرق بينهم إلا ظاهرياً، إذ كان جل همهم منصباً على تشييد المساجد وزخرفة جدرانها وتذهيب منابرها».
أما خلال صفحات «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي»، فيعطي رأيًا أقوى في تأثير الصراع العثماني الصفوي على العراق حيث يقول «جاء في أحد الأمثال الدارجة في العراق “بين العجم والروم بلوة ابتلينا”، هذا مع العلم أن العراقيين كانوا يطلقون على العثمانيين اسم الروم، والواقع أن الصراع بين العجم والروم كان بلاءً عظيماً ابتلي به العراق، ولا تزال بقية من هذا البلاء موجودة تفعل فعلها في النفوس سراً وعلانية، حتى يومنا هذا».
حاضرة الحضارة .. حاضنة الخرابة
شيء ملحوظ في نفسية المفكر علي الوردي صاحب كتاب وعاظ السلاطين حيث لم يخفي حزنه عن حال المعمار في العراق حيث قال «كانت المدن في العهد العثماني، لاسيما قبل منتصف القرن التاسع عشر، في غاية الانحطاط والخراب، لعلنا لا نغالي إذا قلنا إنها لم تكن (مدنا) بالمعنى المفهوم من هذه الكلمة في العالم المتحضر، بل هي كانت أشبه بالقرى منها بالمدن».
اقرأ أيضًا
حماية الدولة العثمانية على يد أوروبا .. قصة قرون التراجع
وعن الفرق بين بغداد قبل العصر العثماني وبعده أوضح علي الوردي «كانت بغداد تحتوي على أسواق عامرة نسبياً، وتتركز هذه الأسواق في الوسط، وإلى القرب منها شيدت دور من الآجر لا تخلو من زخرفة وفخامة، يسكنها كبار الموظفين وأثرياء التجار والملاكين، لكننا لا نكاد نبتعد عن هذا الوسط، حيث نتغلغل في أطراف المدينة، حتى نجد هناك محلات قذرة ذات أزقة ضيقة، تسودها العصبية المحلية».
ورغم أن الكاتب علي الوردي لم يغفل حق السلطان محمود الثاني في عملية التحديث التي فعلها في جهاز الدولة العثمانية مثل القضاء على الإنكشارية في إسطنبول وجميع الأقطار التابعة له، وعمله على فتح المدارس الحديثة لكي يتخرج منها الضباط والموظفون لإدارة الجهاز الجديد، لكنه أيضًا رفض الاقتناع بمسألة أن التحديث كان حقيقيًا.
اقرأ أيضًا
الماسونية والدولة العثمانية .. من التغاضي حتى الاتحاد والترقي
وفي هذا يقول علي الوردي «التحديث العثماني، كان ظاهرياً أكثر من كونه عميقاً وجذرياً، فشل الأفندية الذين حلوا في العراق محل الإنكشارية والمماليك، أن يكونوا حكاماً صالحين حسب مقاييس الحضارة الحديثة، لأن الأدواء التي كانت تنخر في كيان الدولة العثمانية، ليس من السهل معالجتها بفتح عدد محدود من المدارس وتخريج أفراد يتشدقون ببعض مصطلحات العلوم الحديثة، ويتكبرون بها على الناس».
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال