حسن رياض رحلة ابداع لا تنتهي .. وداعا يا برج الحمام
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
اتصل بيه مازحًا “واحشني يا خال مش هنتقابل بقى ونعمل حوار”، يرد عليا بتواضعه الجم الذي كان يخجلني منه كثيرًا، يا محمد تنورني والله، تعالى نسهر سوا عشان واحشني وعاوز أشوفك، و بلاش موضوع الحوار ده أنت عارف أنا رجل لا بحب اعمل حوارات ولا بتاع صحافة ولا تليفزيون.
على مقهى صغير في مدينة أكتوبر كنا نلتقي، عندما يقابلك بوجه البشوش وابتسامته الطفولية جدً؛ تشعر بأنك جالس مع أحد أفراد عائلتك المقربين منك، لا تشعر بهالة النجومية الضخمة المزيفة التي يصنعها الشعراء حولهم، لم أكن أناديه سوى بالخال، كنت أقول له أنت خال حقيقي في زمن خذلنا فيه الكثير ممن استفادوا من شعرهم وأطلق عليهم ألقاب عديدة، كنت أنت أولي بها، كان يخجل من أن تمدحه كثيرًا ولا يستطيع الرد سوي بابتسامة بسيطة تشعر فيها بخذلان كبير من وسط غنائي يجري خلف أشباه الشعراء وسماسرة الكلام.
اقرأ أيضًا
ماذا بين الحكمدار ومؤسس الفانك؟
كان تصفح أغلفة شرائط الكاسيت هي هوايتي منذ الصغر، لازلت أحتفظ بعدد ضخم منها ولا زالت ذاكرتي مكدسة بتفاصيلها الصغيرة حتى أسماء العازفين واستوديوهات التسجيل، عندما كانت تعجبني أغنية كنت أضع خطًا رفيعًا تحتها، وأكتب أسماء صناعها في كشكول منفصل، كنت أتعقب مسيرتهم لدرجة أني ممكن أن أشتري شريطًا لمجرد وجود اغنية صنعها هؤلاء فيها، كان حسن رياض أحد أهم الأسماء التي شكلت وجداني وأدين لها بالكثير، فبرغم إنتاجه القليل جدًا والذي لا يتناسب مع حجم موهبته إلا أنه هذا الإنتاج خلف أغاني خلدت في تاريخ بعض المطربين مثل “من غير ماتتكلمي” وبرج حمام” “و”حود ” و” اللي اشترى منك “ و“النواصي” و”عبد الرحيم القناوي”
عندما بدأ حسن رياض كان نجم المطرب طارق فؤاد بدأ في اللمعان وارتبط معه في شراكة فنية وصنعا العديد من الأغنيات الهامة مثل “بتاخدني عيونك” ولا يابكرة تعال” و”طرح الهوا” و”ضميني”، لكن توقف مسيرة طارق فؤاد عطلته كثيرًا.
كان شخصية تحترم ذاتها وكلماتها لا يجيد التملق لمطرب أو ملحن كي يعمل، وبرغم أنه كان يقطن بجانب أحد الملحنين الكبار في عابدين والذي كان بيته ملتقى سهرات أغلب فناني الثمانينات والتسعينات، لكنه لم يكن يهوى الجلوس في تلك السهرات التي لا تتفق مع أفكاره ومبادئه فلم يصنع معه سوى أغنية واحدة فقط.
حسن رياض كان مرجعية ضخمة في الفلكلور الشعبي بكافة ألوانه، و أكم من الشعراء المشاهير حاليًا كانوا يجلسون تحت قدميه يتلقوا منه أشعاره التي كان لا يتوقف عن إلقائهم في جلساته الخاصة ليفاجأ بعدها بأن كلماته ومفرداته وتراكيبه الخاصة جدًا قد صيغت في أغنية تحصد نجاحات ضخمة وعبى بها الشاعر جيبه باّلاف الجنيهات، عندما اسمعنى أغنية “رمانك حداق” للمطربة حنان ماضي والتي لم تصدر حتى الاّن، قلت له أن السوق الغنائي يحتاج هذه النوعية، وأنا مدرك تمامًا أن سوق الغناء المصري يضع الكلمات أخر أولوياته، وقلت له أننا أحوج لتلك الكلمات في ظل أن السوق انتفض بسبب أغنية ملفقة لمطرب كبير لمجرد أن مفرداتها مختلفة وجديدة على أذن الجمهور، وأن حان الوقت لإفساح المجال لتجربة أصلية مثل تجربته.
كان يحدثني بمرارة شديدة عن العديد من المواقف التي خذله فيها بعض المطربين الكبار، وكيف استغلوا طيبته وحبه الكبير لهم سواء ماديًا أو معنويًا، كنت أصب غضبي عليهم وعليه من فرط حبي الشديد له ومن تقصيره تجاه نفسه، وأقول له أنت لا تستحق سوى أن يجلس هؤلاء تحت قدميك ينصتوا لما تقول، أنت تستحق أن يفتح لك المجال ، وأن يكون في ألبوماتهم خمسة أو ستة أغنيات لك، بدلًا من الرهانات الخاسرة على شلة السوبر ماركت وأشباه الشعراء، كان يرد بكبرياء أنه لن يجبر أحد على التعاون معه متمنيًا لهم التوفيق بصدق وطيبة شديدة الندرة لن تجدها في وسط غنائي تحاك فيه المؤامرات بين الفنانين وبين بعضهم.
في آخر اتصال بيني وبينه، تطرقنا للحديث عن أحد الفنانين الذي يمر بأزمة نفسية حاليًا، وكانت تطل من كلماته مرارة وحزن على هذا المبدع ، ثم بدأ يفكر معي في حلول لإخراجه من تلك الأزمة فوعدته بالتصرف ريثما نتقابل، ففاجئني بأننا سنتقابل هذه المرة في مسقط رأسه في عابدين وسط القاهرة بدلًا من أكتوبر، ويبدو أن كان يشعر بحنين جارف للعودة للجذور مرة أخرى، ولم أكن أعرف أنه سيكون أخر اتصال بيني وبينه، وأن استيقظ اليوم على صدمة خبر وفاته، لينتابني غضب شديد بسبب تقصيري تجاهه لأني لم أكتب عنه في حياته.
رحل اليوم الخال الجميل حسن رياض أحد أعظم شعراء العامية والأغنية المصرية، والذي لم ينل التقدير الذي يتناسب مع حجم موهبته الضخمة جدًا، لكن العزاء الوحيد هو أن المبدع لا يموت وأن كلماته ستبقى في الوجدان كثيرًا.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال