همتك نعدل الكفة
1٬552   مشاهدة  

أنا قلبي دليلي.. حينما اجتمعت عبقرية القصبجي وشطارة أنور وجدي

أنا قلبي دليلي


أنا قلبي دليلي قالي هتحبي، حينما تذكر تلك الأغنية لليلي مراد نتذكر على الفور أحد أشهر فالسات الموسيقى العربية، فالس من إبداع محمد القصبجي على مقام عجم ثم الانتقال للنهاوند -المقام الأثير لدى القصبجي- ولا يخلو من حليات شرقية ممتعة، والأغنية كلمات أبو السعود الإبياري، ومن فيلم قلبي دليلي إخراج أنور وجدي، وإنتاج عام 1947.

ما هو الفالس؟ الفالس ليس مقام موسيقي ولكنه إيقاع أو بمعنى أكثر دقة هو قالب إيقاعي، تختلف سرعته من لحن للآخر حسب رؤية الملحن، يمكنك سماع أصل الفالس من يوهان شتراوس في مقطوعة الدانوب الأزرق، فألمانيا والنمسا هما موطن الفالس ومنه أنتشر ها القالب للعالم.

وصدقا إذا سمعت الموشح الأندلسي يا غصن نقا مكللا بالذهب قد تشعر أنك في حضرة الفالس، ولكن الحقيقة التي يقولها مؤرخي الموسيقى ان الفالس الغربي مشتق من قالب إيقاعي عربي وهو السرمند، والذي تسمعه في الموشح بوضوح.

 أنا قلبي دليلي هي أغنية ملحن، حاول مجرد محاولة بسيط أن تقرا كلمات الأغنية منفردة كأنك تقرأ قصيدة، ستجد أنك أمام كلمات في منتهي العادية، لا تحمل أي تركيبات فذة أو جديدة، لا تحمل صور شعرية قوية وفي رأيي الشخصي أنها لا تحمل أية صور شعرية على الإطلاق.

ما أقوله ليس انتقاصا من أحد أعظم الكتاب في تاريخ مصر وهو أبو السعود الإبياري، ولكن يبدو أنا خرجت منه على سبيل “النحتاية”، لكن ما جعل الاغنية خالدة، راسخة في أذهان العامة، لتتحول لجزء من الكلاسيكيات الغنائية المصرية والعربية، هو لحن القصبجي.

القصبجي لم يكن يومًا ملحنًا عاديًا أو حتى مجرد ملحن فذ، القصبجي هو العبقرية الاستثنائية في الموسيقى العربية، عبقري لدرجة أن ألحانه قد تتحول على عقدة لدى موسيقار أخر “السنباطي على سبيل المثال” أو انه يقدم ألحان كما وصفها محمد فوزي من سنة 2000.

مع اعتماد القصبجي على الأصوات البشرية في المقدمة وخلق هارموني بينهم على إيقاع الفالس الراقص، والدخول للغناء ستجد ان القصبجي “بيفحت” صوت ليلى مراد حرفيًا، ينقلها سريعا من نقطة إلى أخرى، وكان صوت ليلى مراد هو باريس بينما القصبجي هو هتلر نفسه، يجول في داخل صوتها من أقصاه إلى أقصاه دون أن يخشى شيئًا، والحقيقة أن صوت ليلى مراد كان من الاتساع ليسع كل تطلعات القصبجي الموسيقية، ليخرج من حنجرتها لحن ينافس الخلود خلودًا.

ولكن الأغنية من فيلم، وليست أي اغنية انها “ماستر” الفيلم، الفيلم نفسه اسمه قلبي دليلي، لذلك كان على أنور وجدي ان يقدمها إخراجيًا بشكل مميز، الحقيقة أن أنور وجدي هو أهم سينمائي مصري وعربي على الإطلاق، نقطه لا جدال فيها، لم يقدم أحد للسينما مثلما قدم أنور وجدي، أنور هو الذي بدع العديد من الأشياء أبسطها حملات التسويق للأفلام، وتقديم الأطفال في السينما المصرية، ولكن الحقيقة أيضا أن وجدي كان أشد سينمائيّ عصره تأثرًا بالسينما الأمريكية.

في اغنية قلبي دليلي يلجأ أنور وجدي للسينما الأمريكية كمرجع أساسي لتنفيذ لا الغنوة فقط ولكن الفيلم بالكامل، وبالعودة للغنوة سنجد أن وجدي قدمها داخل حفلة، معتمدا على رقصة جماعية يقدمها أغلب المدعوين يدورون فيها حول ليلى وأنور في أجوا احتفالية، شيء يشبه أفلام هولييود في الأربعينات في بدايتها تحديدا ولكن كانت هناك مشكلة كبيرة.

إقرأ أيضا
آمبر و الوسواس القهري

المشكلة كانت في حجم استوديو التصوير، الاستوديو صغير للغاية على كل هذا الكم من الشخوص الموجودين في الكادر، ضيق لدرجة ان أنور وجدي لا يستطع طوال الأغنية أن يأخذ لقطة واحدة لونج شوت، مكتفيا بلقطات أحجام “ميديم وشورت ولونج ميديم” وبأربعة زوايا تصوير فقط لا غير، ليلجأ إلى زاوية “الأمورس” من خلف كتفه هو لتظهر ليلى مراد، تخيل أن ضيق الاستوديو يجعل ليلى مراد في بعض اللقطات تخرج من بؤرة الإضاءة؟!

طبعا ضيق الاستوديو جعل حركة الراقصين محدودة، خاصا حينما يقرر وجدي أن باقي الكومبارسات عليهم أن يصطفوا ملتصقين تقريبا كي يظهروا في الكادر لتبدو الحفلة عامرة بالحضور، ولكن على الرغم من كل هذا استطاع أنور وجدي أن ينقل الغنوة شعوريا للمتلقي بحيلة بسيطة جدا، وهو التركيز على ملامح ليلى مراد وهي تغني، ليكون وجه ليلى مراد هو بطل الأغنية الثاني بعد لحنها الأسطوري، مع الجو المخملي الذي خلقه أنور وجدي “برجل حمار” لأنه شاطر، ثبت الأغنية في وعي ووجدان الجمهور، لكن يبقى سؤال واحد فقط من باب العتاب.. لماذا حبوبي يا أبو السعود ألم تجد كلمة بديلة؟!

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان