قبل زمن المعز لدين الله.. محاولات فاطمية لدخول مصر كلها فشلت
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ذكر السيوطي في مقدمة كتابه ـ تاريخ الخلفاء ـ أن أحد أسرة طباطبا العلوية، سأل حفيد المعز لدين الله عن نسبه وحسبه العرقي والسياسي، فجذب نصف سيفه من الغمد وقال هذا نسبي ونثر على الأمراء والحاضرين الذهب وقال هذا حسبي.
هكذا كان نظام الفاطميين منذ أن تأسسوا وأسسوا وحافظوا على دولتهم الشيعية، نظام السيف والذهب، فالمعز لدين الله الفاطمي تولى زمام حكم الفاطميين في عام 341 هجرية، وورث حكم أبيه وأجداده وأحلامهم أيضاً، وكانت مصر على رأس تلك الأمنيات منذ أن نبتت نواة دولتهم، لكن تبددت هذه الأحلام وتحولت إلى كوابيس.
منذ عام 301 هجرية بدأ مؤسس الدولة الفاطمية عبيد الله المهدي في الذهاب إلى مصر، لكن النيل شريان الحياة، تحول إلى خندق مائي منع عبيد الله المهدي من دخول الفاطميين إلى مصر من جهتها الشرقية، فقرر العودة إلى عروس البحر المتوسط ومنها إلى المغرب.
فلول الجيش الفاطمي لم يهنئوا بالانسحاب، حيث إن جيش الخليفة العباسي المقتدر بالله لم يمهلهم والتقى معهم في منطقة برقة وأنزل به هزيمة ساحقة لم تعلمهم الدرس، إذ إن بعد خمس سنوات وجه مؤسس الفاطميين جيشاً آخر بقيادة ابنه ونجح في دخول الإسكندرية والعبور براً إلى الجيزة والتوغل جنوبا إلى ديار الصعي، إلا أن أحد القادة في مصر ويُدعى مؤنس الخادم هزم الفاطميين في الصعيد وأحرق عددا كثيرا من سفنهم بالنيل والإسكندرية.
مع حلول عام 323 هجرية قرر بن عبيد الله أن يثأثر للجرح الفاطمي، فأرسل جيشا إلى الإسكندرية ودخلها، ووجد تأييدا من زعماء المصريين بها، مما يدل دلالة واضحة على انتشار الدعوة الفاطمية في مصر، لكن لقوا هزيمة ساحقة على يد الإخشيد وظلت العلاقات بين الدولتين بين ويلات التربص ونيران الحيل.
عندما كان كافور الإخشيدي وصياً على عرش أنجور، سعى إلى تحسين علاقته بالخليفة العباسي في بغداد، والدولة الفاطمية التي أعلنت الخلافة لنفسها بالمغرب، بأسلوب العطايا والهدايا واستمر هذا الأسلوب من كافور حتى وهو في الحكم، لينتشر الدعاة الفاطميين في مصر ويستفحل توغل دعوتهم في مصر حتى استطاعوا في آخر سنة من حكم كافور أن يأخذوا البيعة للمعز لدين الله الفاطمي من رجال بلاط كافور وكبار موظفيه.
يرحل كافور الإخشيدي عن الدنيا سنة 357 م وزال معه تماما كافة أشكال الاستقرار بالديار المصرية، فقرر الكثير من ذي السطوة في مصر إرسال كتب المبايعة والطلب للمعز بأن يأتي لمصر المهيئة لحكمه، وتم تجهيز الجيش الذي وصفه المقريزي بأن تكلفته العسكرية بلغت ـأي 24 مليون دينارـ مع ألف جمل و مئات الآلاف من الخيول.
تولى جوهر الصقلي قيادة الجيش الفاطمي وهو يستحوذ على الثقة الكاملة من المعز لدين الله الفاطمي وظهرت هذه الثقة عندما قال المعز عن جوهر بحضوره “والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر، ولتدخلن مصر من غير حرب، ولتنزلن في خرابات ابن طولون لتبني مدينة تقهر الدنيا”، وقصد المعز من خرابات ابن طولون، مدينة القطائع التي بناها أحمد بن طولون عاصمة لدولته الطولونية في مصر، ووصفها بالخرابات لأنه تم إحراقها على يد محمد بن سليمان قبيل إقامة الدولة الإخشيدية.
تحركت طلائع الجيش الفاطمي في الرابع عشر من شهر ربيع الثاني لعام 358 هجرية وكان قوامه مائة ألف فارس فدخل الإسكندرية بغير مقاومة، ووصلت أنباء دخول الفاطميين إلى كبار المصريين فقرر جعفر بن الفرات وزير بني الإخشيد بمصرالتفاوض لطلب الأمان على أرواح المصريين.
عقد جعفر بن الفرات وجوهر الصقلي معاهدة تروجة وهي قرية الآن من إحدى قرى محافظة البحيرة واسمها تروجي وتتبع مركز أبي المطامير، وكان مفادها أن يُؤَمَّن المصريون على حياتهم ومذهبهم السني ولا يلزمون بالتحول إلى المذهب الشيعي، إلا أن طائفة كبيرة من الجند المصريين رفضوا هذا العقد، ودخلوا في معركة حربية مع جوهر الصقلي ولكنهم استسلموا في النهاية وطلبوا إعادة الأمان.
في الحادي عشر من شعبان لعام 358 هجرية ، الموافق لشهر يوليو سنة 969 ميلادية دخل جوهر القائد إلى الفسطاط ومنح أهلها الأمان والعهد ، وأرسل خطاباً إلى المعز بذلك.
إقرأ أيضاً
احتفالات عاشوراء في مصر الفاطمية .. كيف كان وضع المسلمين السُنَّة خلالها ؟
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال