“الكيسانية” حكاية مذهب منقرض أسس الصراعات الدموية في الإسلام
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
دومًا مع أي حراك سياسي دموي مثل حركة الكيسانية وفيه استدلال بالقرآن، يسفر لا محالة عن تقسيمات سياسية شديدة يمكن أن تصل شدتها إلى أن يدفع كل الأجيال الثمن.
منذ أن أشار عمرو بن العاص برفع المصاحف على أسنة الرماح في الحرب التي دارت بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان؛ بدأت تلوح في الأفق رايات الفرق الإسلامية وذلك بإعلان ظهور الخوارج الذين كانوا في الأصل من جند علي بن أبي طالب.
لما قبل علي بن أبي طالب بالتحكيم قرآنيًا في تلك الأزمة، أعلن الخوارج كفره هو ومن والاه ، كما أعلنوا كفر معاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص واختزلوا حقيقة الدين في أنفسهم.
كرد فعلٍ طبيعي من الإمام علي بن أبي طالب ، كان لابد أن يواجههم ، فبادر أولاً بالمواجهة الفكرية فأرسل لهم عبدالله بن عباس الذي تمكن من اقناع جمهور كبير منهم على خطأهم الديني ، أما البقية الذين تمسكوا بالسيف فحدث بينهم وبين علي بن أبي طالب حرب النهروان التي أسفرت عن هزيمتهم، وشيئاً فشيئاً قضى الإمام علي بن أبي طالب نحبه قتيلاً في محرابه على يد واحدٍ منهم.
بمجرد أن تنازل الحسن بن علي للخلافة، كان لابد أن يخرج طائفة موالية لعلي بن أبي طالب وآل البيت عموماً، ومابين تنازل الحسن عن الخلافة سنة 40 هجرية، واستشهاد شقيقه الحسين في كربلاء عام 61 هجرية؛ نشأت طائفة الكيسانية.
يرجع اسم الكيسانية كما ذكر البلحي في كتابه البدء والتاريخ، نسبةً للمختار الثقفي الذي طالب في ثورة دامية بقتل كل من شارك في قتل الحسين، وكان المختار معروفاً باسم كيسان
غير أن مؤرخي الشيعة كأمثال المجلسي في كتابه بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار؛ ينفي الصلة بين المختار والكيسانية كون أنهم نشأوا زمن علي بن أبي طالب، أي قبل المختار الثقفي، وأصل تسميتهم يرجع إلى أصحاب كيسان مولى علي بن أبي طالب والذي كان تلميذاً لمحمد بن الحنفية.
رغم كل هذا الاختلاف حول أصل تسميتهم، لكنهم صُنِّفوا على أنهم مذهب عقائدي يرى أن الخلافة بعد علي بن أبي طالب وولديه الحسين والحسن ، تكون لمحمد بن الحنفية ومن خالفه فقد كفر، ومع الظهور المباغت لتلك الطائفة ، كان اختفاءها أيضاً مباغتاً وسريعاً ، ويرجع اختفاءهم إلى سبب ذكره الطبري في كتابه الأمم والملوك وعلق عليه الدكتور محمود إسماعيل في كتابه “الفِرَق” ، حيث أن الكيسانية انتهى دورهم بصعود العباسيين إلى الحكم بدلاً من الأمويين وشيئاً فشيئاً بدأوا في الاندثار حتى انتهوا.
أعجب ما يمكن إدراكه في الكيسانية هو أنهم رغم الانقراض كحركة ثورية لكن كان لها آثار فكرية لا زالت حتى الآن تؤجج الخلافات العقائدية بين كل طوائف المسلمين.
فقد تبنى الكيسانية نظرية عقائدية عرفت باسم “البداء” ومعناها التغيير والتبديل في الأخبار التي في علم الغيب ؛ فمثلاً لو كُتِب في الغيب أن فلان سيعيش 50 عاماً ثم يموت، لكنه يقوم بصلة رحمه أو الجهاد فسيمد الله له في أجله؛ وأرجعوا ذلك إلى قول الله تعالى ” وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ “.
لا زال مفهوم البداء يؤجج الخلاف بين علماء المسلمين إلى الآن، حيث رأى أهل السنة بكفر من يعتنق تلك النظرية وردوا بذلك كما أورد الشهرستاني في كتابه الملل والنِحَل، أن البداء يعني نسب العلم لله بعد جهل وهذا محال عليه، كما تبنوا أيضاً وجود الحلول والتناسخ، تلك القضية التي لا زالت مثاراً للتكفير بين كل طوائف المسلمين والتي أدت لقتال بعضهم وأحياناً إعدام كثيرين.
مفهوم الحلول عند الكيسانية معناه أن الله سبحانه وتعالى حل في بعض خلقه وامتزج به بحيث تلاشت الذات الإنسانية في الذات الإلهية، فصارتا متحدتين غير منفصلتين.
أما التناسخ فهو انتقال الروح بعد الموت من جسد إلى آخر، وصدور النسخ من أهل البيت للآية القرآنية والحديث النبوي.
هي تلك القضية التي فرقت الشيعة إلى أكثر من طائفة ، وفرقت أهل السنة إلى طوائف متعددة ، وكلهم تناحروا وقتلوا بعضهم بعضاً ، وإلى الآن لا زالت الصراعات الفكرية حول ذلك مستمرة.
إقرأ أيضاً
“التنجيم” حرمته الشريعة الإسلامية وصدقه خلفاء الدولة العباسية
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال