همتك نعدل الكفة
680   مشاهدة  

حكاية أقصر برلمان في تاريخ مصر.. عمره 8 ساعات فقط

برلمان
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



كانت الدولة المصرية بعد ثورة 1919 م على موعد مع الانتخابات النيابية التي بدأت في 1924، وأسفرت عن برلمان مصر الذي جاء بعد الانتخابات للشعب المصري والذي كان شكلاً من أشكال التتويج لكفاحه خاصة بعد صدور دستور 1923 م.

تحدد يوم 12 يناير 1924 لإجراء انتخابات مجلس النواب، وتقدمت الأحزاب التي كانت متواجدة في الساحة وهي الوفد والأحرارالدستوريين والحزب الوطني، وأسفرت عن سقوط رئيس الوزراء يحيى إبراهيم باشا، وحصول الوفد على الأغلبية من مقاعد مجلس النواب.

لكن العام 1924 م شهد حدثين متناقضين، ففي أوله ولد النظام الدستوري الديمقراطي، فانتخب برلمان مصر الأول بغرفتيه، النواب في 12 يناير، والشيوخ في 23 فبراير، وحصل الوفد على الأغلبية، فأجبر الملك فؤاد على تكليف سعد زغلول باشا زعيم حزب الوفد بالوزارة في 28 يناير، وبدأت مصر أولى خطواتها في طريق الديمقراطية، ولكن في آخره، تلقت الديمقراطية والحياة الدستورية ضربة قاضية، فاستقالت وزارة سعد في 24 نوفمبر 1924، وحل البرلمان في 24 ديسمبر.

سعد زغلول
سعد زغلول

بدأت الأحداث بعد فشل المفاوضات بين سعد زغلول ورمزي ماكدونالد رئيس وزراء بريطانيا في 20 أكتوبر 1924، فقد كان الإنجليز يطمحون إلى انتزاع توقيع سعد كممثل شرعى للأمة على اتفاقية تحسم المسألة المصرية بشكل نهائي.

أجريت الانتخابات في بريطانيا آخر الشهر، وسقط حزب العمال، ونجح حزب المحافظين الذى كان معروفا بمعارضته وجود وزارة شعبية في مصر، فتحول الإنجليز من موقف المهادنة إلى العداء مع سعد زغلول، ساعتها أدرك الملك فؤاد أن الفرصة سانحة لدعم الإنجليز له ضد النظام الدستوري.

الملك فؤاد
الملك فؤاد

لم يكن قبول الملك فؤاد بالدستور، وتنازله عن صلاحياته لصالح نظام ديمقراطي، يملك فيه ولا يحكم، إلا قبول المضطر، وظل يتحين اللحظة للانقضاض على النظام، وكان تغيير موقف الإنجليز يمثل تلك اللحظة.

ثم بدأ الملك في تحدي الدستور والانقلاب عليه، فقام في 8 نوفمبر بتعيين حسين نشأت باشا وكيلا للديوان الملكي ورئيسا له بالنيابة بدون الرجوع للوزارة كما ينص الدستور، وقد كان معروفا بعدائه للوفد، ثم استقال توفيق نسيم باشا من الوزارة بإيعاز من القصر، فعارض سعد زغلول تصرفات الملك غير الدستورية، وتجاهله للوزارة الممثلة للشعب، وأصر على الاستقالة.

افتتح دور الانعقاد الثاني الخاص بـ برلمان مصر يوم الأربعاء 12 نوفمبر 1924 وبوادر الأزمة تلوح في الأفق، قدم سعد استقالته للملك في 15 نوفمبر، ثم التجأ للبرلمان وأبلغه قراره، وعلله بأسباب صحية، ولكن البرلمان رفض الاستقالة، وأعلن تجديد الثقة في الحكومة.

توجه وفد برلمانى إلى الملك، فأظهر الملك رفضه للاستقالة، وبعد مفاوضات وضغط، قبل الملك شروط سعد بالالتزام بالدستور، والرجوع دائما للوزارة، فعدل سعد عن الاستقالة يوم 17 نوفمبر، وكان المفترض أن تسير الأمور بسلاسة بعد ذلك، ولكن في 19 نوفمبر، اغتيل السير لى ستاك باشا سردار الجيش المصرى وحاكم السودان العام .

تصوير إنجليزي لحادث اغتيال السير لي ستاك - برلمان
تصوير إنجليزي لحادث اغتيال السير لي ستاك

استغل الإنجليز الحادثة لأقصى درجة، فأصدروا إنذارهم الشهير للحكومة المصرية يوم 22 نوفمبر 1924، وكان قبوله يعني تسليم مصر التام، فما كان من سعد والبرلمان إلا رفض المطالب، وعرض سعد ترضية الانجليز بما تقتضيه القوانين والأعراف الدولية دون الانتقاص من استقلال مصر، ولكن الإنجليز أصروا على موقفهم، وضغط الملك على سعد، فما كان منه إلا أن استقال في يوم 23 نوفمبر.

قبل الملك الاستقالة في اليوم التالى أي 24 نوفمبر، واتجه سعد للبرلمان في نفس اليوم وعرض الاستقالة، واتخذ البرلمان قرارا بدعم موقف حكومة سعد، وأعلنوا دعمهم لأي حكومة وطنية تعمل على الحفاظ على استقلال مصر، وأصروا على رفض الإنذار البريطاني.

كلف الملك زيور باشا رئيس مجلس الشيوخ بتشكيل الوزارة في نفس يوم قبول استقالة سعد، فشكلها في نفس اليوم، وكان المفروض أن توجه الحكومة خطابا للبرلمان تعرض عليه برنامجها، وتطلب منه منحها ثقته، ولكن خطاب تشكيل الحكومة الذى وجه للملك خلا من أى برنامج، ثم أصدر زيور قرارا في 25 نوفمبر بتأجيل انعقاد مجلس النواب لمدة شهر متحديا الدستور، ومتهربا من تقديم برنامجه إلى البرلمان ذى الأغلبية الوفدية، فبدأت أبعاد الانقلاب تتضح.

الأزهر في ثورة 1919 م - برلمان
الأزهر في ثورة 1919 م

مثل الانقلاب الدستورى الأول نكسة للنظام الديمقراطى الوليد في مصر، وفتح الباب للقمع والاستبداد اللذين قامت الثورة المصرية عام 1919 في وجههما، فعاد القمع والاعتقال، ومطاردة المعارضين، ومصادرة الصحف والرأي، ثم حل الملك فؤاد برلمان مصر الثاني يوم الاثنين 23 مارس 1925 في نفس يوم انعقاده، ليكون أقصر برلمانات مصر، حيث استمر لمدة 8 ساعات فقط، ضاربًا بالدستور عرض الحائط.

إقرأ أيضا
رمضان التسعينات في مصر

ظل الملك فؤاد جامعًا بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية التي اغتصبها، واستمر الانقلاب حتى عام 1926، عندما اضطر الملك لإعادة الدستور تحت الضغط الشعبي.

 

إقرأ أيضاً

انتخابات مجلس النواب في مصر .. برلمان له تاريخ و 2020 بها طفرة

الكاتب

  • برلمان وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان