الفيلم الوثائقي العدوان الثلاثي .. قراءة تحليلية لأحدث أعمال الشركة المتحدة تاريخيًا
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بثت قناة DMC واكسترا نيوز الجزء الأول من الفيلم الوثائقي العدوان الثلاثي 56 من إنتاج وحدة الأفلام الوثائقية في الشركة المتحدة، ليكون رابع الأفلام الوثائقية التي أنتجتها الشركة تاريخيًا بعد أفلام «السندي أمير الدم، سيد قطب، حريق القاهرة».
فخين تفاداهما الفيلم الوثائقي العدوان الثلاثي
قُتِلَت فترة العدوان الثلاثي تناولاً في الأفلام الوثائقية عالميًا وعربيًا، إذ أنتجت الـ BBC وثائقي بعنوان ما قبل الكارثة ودبلجته قناة العربية، وبعدها خرجت قناة الجزيرة بفيلم وثائقي آخر بعنوان ناصر زمن المجد وأخذ العدوان الثلاثي حيزًا في العمل.
بالتالي تبدو فكرة الفيلم الوثائقي العدوان الثلاثي كأنها مستهلكة، وكان ذلك فخًا مثاليًا يهدد نجاح العمل الذي أنتجته الشركة، لكنه تفادته، خاصةً وأن الفكرة لم يتم تناولها مصريًا بشكل وثائقي باستثناء البرنامج الحواري الملفات السرية للثورة أواخر ثمانينيات القرن الماضي لطارق حبيب، وبرنامج اختراق لـ عمرو الليثي.
فخ آخر هدد الفيلم الوثائقي العدوان الثلاثي الذي أنتجته الشركة المتحدة، وهو شهود العيان للحدث الذين تم الاستعانة بهم في الأفلام والبرامج الأخرى التي تناولت الحدث، وحاليًا فإن أغلب شهود العيان من الجانب المصري رحلوا عن الحياة باستثناء سامي شرف سكرتير عبدالناصر للمعلومات، ومحمد فائق أحد الضباط الذين تولوا مهام تدريب المقاومة الشعبية في العدوان الثلاثي.
تفادى الفيلم الفخ الأول «استهلاك الفكرة» بتقديم زاوية جديدة في الموضوع وهو أهمية قناة السويس (محور الصراع)، إذ تم حصرها في الأعمال الأخرى بصفتها مفتاح الفرج لمشروع السد العالي وتأميمها مجرد رد فعل من جمال عبدالناصر على رفض البنك الدولي لتمويل السد، لكن ما ركز عليه الفيلم هو أن قناة السويس جزء من تاريخ مصر الحديث سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وبسببها وعن طريقها كانت مصر فريسة للاحتلالين الفرنسي والإنجليزي.
أما فخ شهود العيان فتم تفاديه بمثالية من خلال أمرين، أحدهما الاستعانة بالأكاديميين الإنجليز الذين ظهروا في العمل وهم «د/ سكوت لوكاس أستاذ السياسة الدولية بجامعة بيرمنجهام، د/ داني ستيد مؤلف كتاب الاستراتيجية والاستخبارات البريطانية في أزمة السويس، ود/ باري تيرنر مؤلف كتاب السويس 1956»، ويعتبروا هم مراجع الرؤية الإنجليزية للأحداث.
الأمر الثاني الذي مكن فيلم الشركة المتحدة من تفادي فخ شهود العيان هو الاستعانة بالدكتور علي الحفناوي، الباحث في تاريخ قناة السويس ونجل الدكتور مصطفى الحفناوي الأب الروحي لتأريخ وتوثيق القناة وأحد الأكاديميين القانونيين والتاريخيين الذين استعان بهم جمال عبدالناصر في خطته للتأميم، خاصةً وأن شخصية الدكتور مصطفى الحفناوي لم تبرز وثائقيًا في الأعمال التي تناولت العدوان الثلاثي.
يضاف إلى ذلك قمة المعلومات التي قدمها بقية الضيوف الموجودين في الفيلم وهم «اللواء محمد قشقوش أستاذ الأمن القومي والتاريخ العسكري في أكاديمية ناصر، د/ أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، اللواء أحمد كامل نائب مدير المخابرات الحربية السابق، د/ محمد المهدي أستاذ الطب النفسي في جامعة الأزهر، د/ أحمد فؤاد أنور أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة الإسكندرية».
الفيلم من حيث الجرافيك والتصوير خدم رسالة الفيلم تاريخيًا، لكن تبقى الاستعانة بالمواد الفيلمية هي إحدى أهم الأشياء الفنية التي تجعل الفيلم ممتازًا، إذ ابتعد الفيلم عن أرشيف جريدة مصر الناطقة، واستعان بما يخص الأرشيف البريطاني بشأن قناة السويس وزيارة تشرشل للقاهرة وحال مصر بعد الحرب العالمية الثانية، إلى جانب حريق القاهرة.
الزوايا التاريخية الجديدة التي قدمها الفيلم فتميز بها عن غيره
ثمة زوايا تاريخية طرحها الفيلم في الجزء الأول الذي حمل عنوان لماذا خططت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ضرب مصر عقب تأميم قناة السويس ؟
على رأس هذه الزوايا التركيز على الأبعاد النفسية في الثنائي ناصر وإيدن وما بداخلهما تجاه نفسيهما وتجاه بعضهما، فإيدن يعاني من أزمة ملو فراغ تشرشل الشخصية الأسطورة في التاريخ البريطاني، خاصةً وأن زوجة إيدن هي ابنة أخ تشرشل كلاريسا سبنسر تشرشل.
بينما ناصر يضمر العداء لبريطانيا ولا زال متأثرًا بحصار الفالوجا، بالتالي فإن التركيز على الأبعاد السيكولوجية في شخصية الرجلين أعطيا لتاريخ العلاقة السياسية بينهما جانبًا قويًا.
من الزاويا التاريخية الهامة التي أعطت ثقلاً للفيلم هو تناول العلاقة بين رجال ثورة يوليو والولايات المتحدة الأمريكية، وهو الملف الذي خضع لشائعات تاريخية كبيرة رسخها كتاب ثورة يوليو الأمريكية لمحمد جلال كشك، وكتاب كلمتي للمغفلين، والذي اتهم جمال عبدالناصر صراحةً بأنه صنيعة أمريكية، إذ لم يغفل الفيلم حيادية أمريكا تجاه ثورة يوليو، لكنه نفى التفاهم بين أمريكا وناصر من خلال صفقة الأسلحة التشيكية وحلف بغداد فضلاً عن تمويل السد.
اقتراح هام للغاية بشأن الفيلم الوثائقي العدوان الثلاثي
أدت الشركة المتحدة دورها بالفيلم الوثائقي وأتيح على يوتيوب، لكن هناك شيئًا هامًا ينبغي لوزارة التربية والتعليم وقطاع المعاهد الأزهرية القيام به، وهو أن يكون في جدول حصص مادة الدراسات الإجتماعية للصف السادس الابتدائي والثالث الإعدادي والثالث الثانوي أدبي حصة مخصصة لمشاهدة الفيلم الوثائقي العدوان الثلاثي على التلاميذ والطلبة ويتم عمل اختبار شهري فيه، ومن يحصل على الدرجة النهائية أو أقل من النهائية بـ 5 درجات في ذلك الاختبار يتم إهداءه بكتاب ملفات السويس مع فلاشة عليها نسخة الفيلم.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال