“ملف البطولات المنسية” معارك الجيش المصري في رمضانات النكسة وحرب الاستنزاف
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بهتت الأجواء الاحتفالية في رمضانات النكسة وحرب الاستنزاف وبقي المناخ الروحي مفعمًا بروحانيات شهر الصوم ومختنقًا أيضًا بهزيمة للجيش المصري في معركةٍ لم يحاربها أصلاً.
اقرأ أيضًا
مصر في أول مولد نبوي بعد النكسة .. توثيق أحداث اليوم الخانق رغم روحانياته
حقق الجيش المصري النصر في العاشر من رمضان 1393 هجريًا، ولا زالت تلك الحرب تزخر بقصص وحكايات، لكن بطولات الجيش المصري في رمضانات النكسة وسنوات حرب الاستنزاف يغلفها بعض التجاهل، وفي هذا التحقيق نستعرض تلك البطولات منذ النكسة حتى سريان وقف إطلاق النار بموجب اتفاقية روجرز سنة 1970 م.
رمضان 1387 = ديسمبر 1967 .. عملية يوم إعلان الرؤيا
حل أول رمضان على مصر بعد نكسة يونيو يوم السبت 2 ديسمبر 1967 وكان عدة شعبان 29 يومًا.
في ظهيرة يوم استطلاع هلال شهر رمضان (1 ديسمبر 1967 = 29 شعبان 1387 هـ)، تمكنت المدفعية المصرية من إسقاط طائرتين نفاثتين تتبع قوات العدو دخلت المجال الجوي للقوات المسلحة في الساعة 12:10 ظهرًا للاستكشاف عبر خليج السويس في منطقة بير عديب، فقام الجيش الصهيوني بإرسال دورية جوية من 3 طائرات نفاثة لتضربها قوات المدفعية المصرية وتسقط واحدة في منطقة جبال عتاقة.
حاولت السلطات الصهيونية البحث عن الطيارين الثلاثة لكن مصر رفضت السماح للعدو بالبحث عنهم وسمحت لضباط الرقابة الدولية بأن يبحثوا عن هؤلاء الطياريين، لكن لم يتم العثور عليهم وكان الراجح أنهم إما قُتِلوا على يد المدفعية المصرية، أو غرقوا في مياه القناة.
رمضان 1388 = نوفمبر 1968 .. شهر المخابرات المصرية
كان شهر رمضان 1388 هجري والذي بدأ يوم 21 نوفمبر 1968 وانتهى في 19 ديسمبر من نفس العام، فقبل أشهر من بدء شهر الصيام وقعت مظاهرات أحكام الطيران في فبراير 1968 م، ومع اليوم الأول من شهر رمضان وقعت مظاهرة في مظاهرة طلابية في المنصورة اعتراضًا على نظام التعليم الجديد (تفاصيله هــنـــا)، وتطورت حدة التظاهرات لتصل إلى الإسكندرية في 5 رمضان 1388 هجري = 26 نوفمبر 1968 وتتحول المدينة إلى تخريب، ووصل ضحايا مظاهرات هذا الأسبوع إلى مقتل 4 (3 طلاب ومزارع) وإصابة 62 متظاهر و 76 ضابط وعسكري من الشرطة.
خلال المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي في 12 رمضان 1388 = 2 ديسمبر 1968 م برئاسة جمال عبدالناصر أبدى اندهاشه من المظاهرات لهذا السبب، وقال أن هناك أطرافًا تعبث في الداخل المصري بسبب الجو الكئيب نتيجةً للنكسة.
في اليوم التالي انعقدت الجلسة الختامية للمؤتمر القومي وأعلن جمال عبدالناصر عن أن هناك أطرافًا ذهبت للقنصليات الأجنبية تسلمها تقارير، وبالتالي هناك أطرافًا من المصريين سيتعرضوا إلى عمليات تجنيد من الموساد، وأي مصري له فرصة في العودة إلى رشده قبل أن يفوت الأوان.
وأعلن جمال عبدالناصر أن هناك جاسوس يتبع الموساد أشعل الأحداث في الإسكندرية وهو جندي سابق في القوات المسلحة واسمه محمد محمود الحداد والذي كان أسيرًا لدى الصهاينة وطلب الموساد منه معلومات عن الداخل المصري وطلبة الكليات الحربية ونشاط القوات البحرية.
في 16 رمضان 1388 هجري = 5 ديسمبر 1968 نشرت المخابرات المصرية بيانًا على غير العادة عبر جريدة الأهرام تركت فيه 3 أرقام تلفونية لمن تعرض لتجنيد من الموساد لكي يعود إلى رشده ويقوم بتسليم نفسه للمخابرات المصرية وإخبارها بما حدث له، وأمهلت المقصودين مهلةً تنتهي يوم 3 يناير 1969 م.
لم يكن بيان 16 رمضان للمخابرات المصرية بيانًا للاستهلاك الداخلي ولم يصدر في الإطار السياسي، وكان سكوت إسرائيل بمثابة صمت المريب لتقوم المخابرات المصرية يوم 18 رمضان = 8 ديسمبر بالكشف إعلاميًا عن سقوط 4 شبكات تجسس سقطت كلها في الأسبوع الأول من رمضان.
كانت الشبكة الأولى تضم اثنين من المصريين أحدهما منير محمد عبدالغني عيسى ويعمل مصور صحفي لوكالات الأنباء العالمية بالقاهرة، والثاني علي محمود علي موسى رئيس مكتب وكالة الأسوشيبتدربريس بالقاهرة، وقاما بمد إسرائيل بمعلومات عن ميزانية الجيش المصري بعد غلق قناة السويس و بيانات عن القوات الجوية في عملية إعادة بناءها، وبيانات عن الأسلحة الجديدة وأماكن الوحدات العسكرية الهامة والحصول على خرائط عسكرية وتفاصيل المصانع الحربية، وتصوير ذلك؛ وقد عوقبا بالسجن بالسجن المؤبد.
أما الشبكة الثانية فكانت تضم قبطان إسباني اسمه أنطونيو كاناليس وكان وظيفته مد إسرائيل بمعلومات حول أحجام شحنات الأسلحة القادمة لمصر من السفن السوفيتية التي ترسو على ميناء الإسكندرية وقد عوقب بالسجن المؤبد ليتم تخفيف الحكم عنه إلى 10 سنوات مع الرأفة لكبر سنه.
أما الشبكة الثالثة فكانت تضم دبلوماسي إنجليزي وموظف في وزارة الخارجية المصرية وكان دورهما مد الموساد بتقارير عن مراسلات مصر وروسيا العسكرية وتفاصيل موظفي مصر في السفارة السوفيتية وموظفي السوفييت في القاهرة، وعوقبا بالسجن 15 سنة.
أما الشبكة الرابعة فكانت تضم ملازم احتياط في الجيش المصري عبدالفتاح عبدالعزيز عوض والذي كان أسيرًا منذ يونيو 67 حتى يناير 68 وقام بتسريب معلومات عسكرية في أكتوبر أكتوبر 68 وقد عوقب بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة.
ضربة أخرى وجهتها المخابرات المصرية إلى الموساد يوم 27 رمضان 1388 الموافق 17 ديسمبر سنة 1968 لم تخطر على بال أشد المتشائمين في الموساد.
حيث أعلنت المخابرات عن ضبط 9 عناصر قامت إسرائيل بتجنيدهم لاختراق منظمة سيناء العربية الفدائية، وقد أُعْدِم 6 منهم وسُجِن الـ 3 الآخرين بمدد تتراوح بين 25 و 3 سنوات.
رمضان 1389 = نوفمبر 1969 .. إذلال إسرائيل في البر والبحر والجو
يحتل رمضان عام 1389 والذي بدأ في 11 نوفمبر 1969 وانتهى يوم 9 ديسمبر من نفس العام، قائمة المركز الأول في رمضانات النكسة وحرب الاستنزاف من حيث العمليات العسكرية شديدة التأثير التي شنها الجيش المصري ضد الصهاينة.
قبل يوم واحد من رمضان 1389 شنت القوات الجوية المصرية غارتين على الضفة الشرقية للقناة، كانت الأولى في منطقة عيون موسى حيث قواعد البطاريات الجوية الصهيونية، والثانية في منطقة القنطرة حيث استهدفت الغارات الجوية تجمعات دبابات العدو وقواته المدفعية؛ وردًا على هذا الهجوم أقلعت 12 طائرة صهيونية يوم 1 رمضان 1389 مهاجمة ميناء السويس، لتتصدى المدفعية المصرية لها وتجبر 10 طائرات صهيونية على الانسحاب وتسقط طائرتين.
لم تكد تمضي 4 أيام على عمليات القوات الجوية المصرية حتى دخلت القوات البحرية على خط المواجهة فشنت في يوم 5 رمضان = 15 نوفمبر ويوم 6 رمضان = 16 نوفمبر، هجومين على إيلات أسفرا عن إغراق السفينتين هيدروما وداليا، وكان ذلك الهجوم طريقًا للهجوم الثاني والثالث على إيلات سنة 1970 واللذين انتهيا بإغراق السفينة بيت شيفع وناقلة الجنود بات يام والرصيف الحربي لإيلات، وبعد 48 ساعة من عملية إيلات قامت مجموعة من القوات الخاصة المصرية بعملية إنزال بحري لمهاجمة قيادة العدو الصهيوني في شمال سيناء واستهدفت مقر القائد في العريش وضرب المستودعات الملحقة به وأسفرت العملية على مقتل وإصابة العشرات من الصهاينة.
وفي 12 رمضان 1389 الموافق 23 نوفمبر 1969 قامت قوة مصرية مكونة من 60 جنديًا بعبور القنال ومهاجمة دبابات العدو الصهيوني وأسفرت المعركة عن تدمير 3 دبابات بشكل كامل وإعطاب اثنين ومقتل عشرات من جنود الصهاينة واستشهاد 3 وإصابة واحد من أفراد القوات المصرية.
وعقب يومين على عملية العبور وفي ظهر 15 رمضان = 25 نوفمبر وجهت القوات الجوية المصرية ضربات مركزة على مواقع العدو في الضفة الشرقية للقناة أسفرت عن تدمير معدات العدو في القنطرة وضرب بطاريات الصواريخ هوك جنوب منطقة بالوظة، فضلاً عن نسف مستودعات التموين في القنطرة شرق، وتكرر الهجوم في 17 رمضان 1389 = 27 نوفمبر 1969 م، وردًا على عملية العبور وعمليات القوات الجوية شنت القوات الجوية الصهيونية هجمات متعددة فوق المواقع المصرية بمنطقة الجزيرة الخضراء وبورتوفيق والسويس والجناين والشط وكبريت في 23 و 24 رمضان = 3 و 4 ديسمبر 1969 م لكن القوات الجوية المصرية تمكنت من إسقاط 4 طائرات للعدو.
وفي 26 رمضان 1389 الموافق 6 ديسمبر نفذت القوات المسلحة المصرية هجومًا في جزيرة البلاح ورُفِع العلم المصري عند جزيرة البلاح لأول مرة منذ يونيو 1967 م بعد هروب جنود الصهاينة.
اختتمت عمليات رمضانات النكسة وحرب الاستنزاف في 9 ديسمبر 1969 الموافق 29 رمضان 1369 بنجاح القوات الجوية المصرية بإسقاط أول طائرة فانتوم صهيونية خلال معركة جوية عند ساحل خليج السويس.
رمضان 1390 = أكتوبر 1970 .. هدوء ما قبل العبور
دخلت مصر مرحلة وقف إطلاق النار في سنوات النكسة وحرب الاستنزاف تزامنًا مع غرة رمضان 1390 الموافق 31 أكتوبر 1970 م، ولم تحدث عمليات عسكرية قوية مثل باقي رمضانات النكسة وحرب الاستنزاف السالف ذكرها، باستثناء انفجار لغم في سيارة العدو أسفر عن إصابة 3 جنود صهانية، واختراق متبادل لأجواء مصر والعدو، لتدخل مصر بعد ذلك للاستعداد لشن الحرب الشاملة والتي جرت وقائعها في 10 رمضان 1393 الموافق 5 أكتوبر 1973 م
شهداء رمضانات النكسة وحرب الاستنزاف
خلال رمضانات النكسة وحرب الاستنزاف استشهد 7 من أبطال القوات المسلحة، وأسماء بعضهم المعلنة هم «الرقيب بحري محمد فوزي البرقوقي في عملية إيلات يومي 5 و 6 رمضان 1389 = 15 و 16 نوفمبر 1969، والنقيب سعيد أحمد إبراهيم علي، الملازم سامي إبراهيم حسان، والمجند مدني محمد أحمد في عملية 17 رمضان 1389 = 27 نوفمبر 1969 م، و 3 آخرين في عملية عبور 12 رمضان 1389 الموافق 23 نوفمبر 1969 م.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال