مراحل تجسيد كرامات الأولياء في الفن .. آخرها جزيرة غمام
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
فتح مشهد عرفات وعبور السور في مسلسل جزيرة غمام جدلاً واسعًا حول كرامات الأولياء في الفن سواءًا كان سينما أو تلفزيون، بين مؤيدٍ ومُرَحِّبٍ لِمَا جرى، وبين رافضٍ للمشهد بشكل حمل نوعًا من اتهام المؤلف صراحةً بأنه يروج للخرافة.
نظرة الدين للكرامة .. بين المدرسة الوهابية والصوفية
قبل التطرق إلى كرامات الأولياء في المسلسلات ينبغي إلقاء ضوء شرعي على مسألة الكرامة، فثمة فوارق بين المعجزة والكرامة، فالمعجزة تكون للأنبياء وهي أمر خارق للعادة يؤتيه الله للنبي والرسول كتأييد لرسالتهم، أما الكرامة فهي أمر خارق للعادة يؤتيه الله لوليٍ من أولياءه من باب التكريم له أو استخدامه لدفع شر أو جلب خير.
كرامات الأولياء ثابتة في كتب تراث علماء المسلمين ولم يجرؤ أحد على إنكار وجودها، بما في ذلك المدرسة السلفية التي أقرت وجود الكرامة، لكنها هاجمت الصوفية بشكل فيه تناقض.
ابن تيمية نفسه في مجموع الفتاوى ذهب إلى اعتبار أن تصديق الكرامات هو من أصول أهل السنة والجماعة وقال في ذلك «من أصول أهل السنة والجماعة التصديقُ بكرامات الأولياء، وما يُجْري اللهُ على أيديهم من خوارق العادات؛ كالمأثور عن سالف الأُمَم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأُمَّة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة».
علماء الفقه والصوفية ربطوا حدوث الكرامة من الولي بصلاحه وسيره على الشرع، فالإمام الشافعي وشيخه الليث قالا «إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة».
أما الرمز الصوفي أبو يزيد البسطامي «لله خلق كثير يمشون على الماء ولا قيمة لهم عند الله، ولو نظرتم إلى من أعطي من الكرامات حتى يطير، فلا تغتروا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي وحفظ الحدود»، بالتالي ورود حدوث كرامة من ولي هو أمر ثابت، لكن المحاذير تكمن في أمور عقائدية حول رد فعل من رأى، والقاعدة الأصلية هي مدى صلاح الولي.
كرامات الأولياء في الفن .. مراحل التطور
لم تغيب كرامات الأولياء عن الحبكات الدرامية للأعمال الفنية لكنها مرت بمراحل مختلفة، فبعض الأعمال قدمتها على استحياء، والبعض قدمها بشكلٍ هادئ، وهناك أعمال قُدِّمت فيها الكرامات بشكل مباشر.
طوال تاريخ السينما والدراما في مصر ظهر الصوفية وما يخصهم في أكثر من عمل بشكل فيه تلميح تارة وتصريح تارةً أخرى، لكن كرامات الأولياء في تلك الأعمال مرت بمراحل مختلفة
مرحلة الاستحياء
حتى العام 2001 م قُدِّمَت كرامات الأولياء على استحياءٍ وانحسرت في الأعمال التي تتناول السير الذاتية لرموز الصوفية المشهورين، وفي أحيانٍ قليلة تكون في أعمالٍ عامة.
كانت البداية في فيلم السيد البدوي عام 1953 لـ عباس فارس، ورغم رداءة الفيلم من نواحي كثيرة، لكن ظهرت بعض مشاهد الكرامة بشكل الحكي لا الإخراج، وبعد 4 سنوات من الفيلم انضم فيلم طاهرة لـ مريم فخر الدين إلى الأعمال العامة التي أظهرت كرامات الأولياء، لكن بشكل لا يجسد تعريف الكرامة اصطلاحًا في كتب العقيدة.
مع العام 1963 حدث تطور كبير في مرحلة ظهور كرامات الأولياء فنيًا، من خلال فيلم رابعة العدوية لنبيلة عبيد في أكثر من مشهد على رأسه مثل قيام أهل البلدة برجم رابعة والشيخ ثوبان لشكهما في حدوث زنا بينهما لكن كان هناك حاجز، وكذلك في نهاية الفيلم عندما قام السارق بمحاولة قتل رابعة لكن يده شُلَّت.
ظلت المسلسلات بعيدةً عن مسألة طرح كرامات الأولياء منذ افتتاح التلفزيون المصري عام 1960 حتى العام 1973 م، حيث جاء مسلسل سيدي عبدالرحيم القنائي من بطولة أشرف عبدالغفور والذي تناول سيرة القطب الصوفي الشهير، لكن المسلسل والذي عُرِض لأول مرة يوم 12 أكتوبر 1973 لكن لم يتم عرض باقي حلقات المسلسل لتوقف البث الدرامي والإذاعي يوم 16 أكتوبر واقتصاره على النشرات بسبب ظروف حرب العاشر من رمضان.
ومع تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية شهدت الدراما المصرية عددًا من الأعمال ذات الطابع الصوفي التي تناولت سير أشهر رمور الصوفية، فكان مسلسل ذو النون المصري لممدوح عبدالعليم سنة 1997 م، ومسلسل الحسن البصري لعزت العلايلي سنة 2000، وبعده بعام مسلسل سفيان الثوري لأحمد بدير.
ورغم أن هذه المسلسلات تناولت شخصيات صوفية لكن كرامات الأولياء لم تظهر بشكلٍ مباشر في عمل ديني إلا من خلال مسلسل الفتح المبين – عقبة بن نافع لأحمد ماهر، من خلال مشهد القحط الذي كاد أن يفتك بجنود عقبة من العطش وصلى عقبة ركعتين ودعا الله فقام حصان عقبة بالحفر أرضًا بحثًا عن الماء ليفيض ماء البئر من تحت حافره.
وعلى صعيد الشخصيات العامة نجد شخصية الشيخ حنفي العنبري في مسلسل لن أعيش في جلباب أبي، والشيخ عبدالفتاح في زيزينيا، ونموذج آخر من أدب نجيب محفوظ المحول إلى الدراما من خلال شخصية الشيخ عفرة زيدان في مسلسل الحرافيش سنة 1998 م والتي جسدها الفنان حمزة الشيمي وهو يأتي لعاشور في المنام ويخبره بترك الحارة تفاديًا للشوطة (الطاعون).
مرحلة حديث الصباح والمساء وهوامشه
مع العام 2001 م حدثت طفرة كبيرة بشكل تجسيد كرامات الأولياء في الفن من خلال مسلسل حديث الصباح والمساء، متمثلاً في مشهد الشيخ القليوبي وهو يكلم سيدي نجم الدين وفي نفس الوقت يرى يزيد المصري ذلك في المنام، ثم يتطور الأمر أكثر مع جليلة والتي كان لها كرامات أخذت طابع الشعوذة.
فتح مسلسل حديث الصباح والمساء شهية الحبكة لدى المؤلفين في مسألة كرامات الأولياء والصالحين، فرأينا ذلك من خلال شخصية الحاج عثمان في مسلسل الليل وآخره، وشخصية الشيخ بلقايد والشعراوي في مسلسل إمام الدعاة بنفس العام.
لكن طفرة منسية في مرحلة ما بعد حديث الصباح والمساء وهو مسلسل درب الطيب لهشام سليم سنة 2006 م والذي يحكي قصة الولي الشيخ نور الدين الحجاجي، وظهرت كرامات الأولياء في ذلك العمل بشكل مباشر وكبير.
مرحلة التطور مع عبدالرحيم كمال
بدأ عبدالرحيم كمال مشواره الدراما بشكل خفيف سنة 2002 من خلال شباب أون لاين وبعده عمل إذاعي هو ميمي عربيات، ثم فيلم على جنب يا اسطى، ثم كانت الإنطلاقة الدرامية له من خلال مسلسل الرحايا، وبدأ فيها شكل تجسيد كرامات الأولياء في الفن يأخذ شكلاً متطورًا وبخطوات ثابتة.
الثيمة الموجودة في أغلب أعمال عبدالرحيم كمال هي ثنائية الكرامة وصلاة الفاتح، ففي مسلسل الرحايا نجد عم سيد له كرامات قد تُفْهَم أنها شيطانة لأنه مخاوي جنية، ثم نجد شخصية كامل والذي له حضور بالكرامة عندما استمع إلى أحد ينادي عليه (صوت عم سيد قبل أن يموت).
مثلما كان كامل ابن محمد أبو دياب يقول صلاة الفاتح في المستشفى أثناء إجراء العملية الجراحية لأبيه، كان الشيخ سلام في الحلقة الأخيرة من شيخ العرب همام يردد نفس الصيغة، لتكون شخصية الشيخ سلام هي ثاني شخصية صوفية لها كرامات من خلال مسلسل شيخ العرب همام في مشاهد متعددة.
ووصل تجسيد كرامات الأولياء في الفن على يد عبدالرحيم كمال إلى مرحلة التوهج من خلال المسلسل الدرامي الخواجة عبدالقادر والذي كان أول عمل صوفي مباشر في مسيرة عبدالرحيم كمال.
ولم تغب اللمحة الصوفية في مسيرة عبدالرحيم كمال عن مسلسل ونوس من خلال شخصية القصبي والذي تشوش في بعض الأحيان صوفيًا.
خلال مرحلة عبدالرحيم كمال جرت محاولات لنحت التجربة أحيانًا، أو مجاراتها أحيان أخرى من خلال تجارب فنية بعضها نجح مثل فيلم صاحب المقام وبعضها فشل مثل محاولة زكريا السيلي في مسلسل خلف الله، لكن لم يحقق النجاح الذي لقيه الخواجة عبدالقادر.
ثم تحدثت مسيرة عبدالرحيم كمال من الناحية الصوفية وكرامات الأولياء من خلال مسلسل جزيرة غمام وشخصية الشيخ عرفات والذي له كرامات متعددة كان أبرزها مشهد عبور السور.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال