“تاريخ الشيعة في السعودية” لماذا كانت ذكرى الحسين الـ 1400 حدثًا فارقًا
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لم تعرف السعودية مع مواطنيها مسألة المذهبيات باستثناء الشق العقائدي الفكري، غير أن تاريخ الشيعة في السعودية به نقطة لافتة، أنهم قديمًا لم يكن لهم أي أيدولوجية طائفية وإنما كانوا جزءًا من المجتمع السعودي سياسيًا منذ قيام الملك عبدالعزيز بتوحيد بلاده حتى وقع الشرخ بين الشيعة والدولة في السبعينيات.
اقرأ أيضًا
حين تفشى الوباء في صلاة الجمعة “قصة جريمة عبيان التي أسقطت مدينة بأكملها”
كان ثورة الخميني نقطة تحول لـ تاريخ الشيعة في السعودية سياسيًا حيث غير رأيهم في عاشوراء حيث أن قبله كانت الذكرى عبارة عن حزن وتطبير، أما على يده فقد جعل عاشوراء مناسبة للثورة لا الحزن والانكسار، وأدى هذا إلى تصدير الثورة الإيرانية حتى وصلت إلى قلب المملكة العربية السعودية في أحداث القطيف يوم 10 محرم سنة 1400 الموافق 25 نوفمبر سنة 1979 م.
بين مكة والقطيف .. السعودية كادت أن تُطَاح
قبل 44 سنة بالهجري كانت السعودية خلال شهر المحرم أمام تحدي أمني بالغ الخطورة ففي يوم 1 محرم اقتحم جهيمان العتيبي الحرم المكي وظل في قبضته أسابيع، وبالتوازي مع ذلك وقعت أحداث القطيف في عاشوراء من خلال مظاهرة شيعية بدأت جذورها في 6 محرم وانتهت بالدماء يوم عاشوراء بين أبناء محافظة القطيف ذات الأغلبية الشيعية وبين قوات الحرس الوطني السعودي.
اقرأ أيضًا
فاطمة آل سبهان .. امرأة هزت عرش آل سعود
مثلت حادثة جهيمان العتيبي خطراً على السعودية كون أنها أظهرتها في موطن الضعيف لم تعد قادرة على تحرير أقدس أماكن الأرض لدى المسلمين من مجموعة مسلحة عددها صغير، وعلى نفس السياق بات أن انقلاباً شيعياً يأخذ ثورة في شرق المملكة تأثراً بثورة الخميني.
الأسباب والأحداث
في عاشوراء بدأت المظاهرات الشيعية في القطيف والأحساء تنزل إلى الشوارع لممارسة طقوس الشيعة من التطبير “الإدماء الذي يقوم به الشيعة”، وكان هذا محظوراً بحكم القانون والدين وبالتالي تم اعتبار ممارسة تلك الطقوس بمثابة انقلاب على سلطة المملكة السعودية.
كانت الأسباب مجرد اعتراض على سياسة القمع والتمييز العنصري الذي تقوم به المملكة السعودية، وبالتالي تطور شكل مواكب العزاء التقليدية التي يقوم بها الشيعة كل مناسبة عاشوراء وتحولت إلى صدام مسلح بينهم وبين قوات الحرس الوطني.
انتشر 20 ألف من قوات الحرس الوطني في منطقة القطيف وعملت الآلة الإعلامية السعودية على وصفها بأنها فتنة بينما رد المتظاهرين الشيعة بوصفها انتفاضة، وتحسبًا للدماء حاول كبار الشيعة الحيلولة دون الصدام، غير أن النية المبيتة من الطرفين كانت أقوى ففتحت قوات الحرس الوطني الرصاص الحي في يوم عاشوراء.
كان يوم عاشوراء داميًا حيث قامت شرطة المملكة العربية السعودية بإطلاق الغاز المسيل للدموع ثم الرصاص الحي فتم قتل 20 شخصاً من المتظاهرين وإصابة 100 واعتقال 600 شخص، وتغير وضع الشيعة في القطيف بعد هذه الأحداث حيث اعتبرتهم المملكة عملاءاً.
تسامح ديني باسم النفط
أثرت أحداث عاشوراء داخل المجتمع السعودي حيث حدثت بعض الإثارة بين الطلبة الشيعة والسنّة الجامعيين في الرياض، بسبب منع الشيعة من الصلاة في مسجد كليّة العمارة والتخطيط، وكان لافتاً أن أحداث عاشوراء 1400 لم تؤثر في موقف عبدالعزيز بن باز مفتي المملكة السعودية، حين أجرى المهندس علي الأخضر اتصالاً بمفتي السعودية وسأله عن رأيه في ما حدث فقال : «لا يجوز منع الأخوة الشيعة من الصلاة في المسجد مع السنّة، بل يشجعون على ذلك، مع بذل النصيحة والتوعية والإرشاد العام إلى ما قد يبتدع من أفعال في الصلاة إن وجدت..ومن نقل عني، أو قال بأني أكفرهم فهو إما كاذب أو مخطئ، ومع أننا لا نملك الكشف عمّا في قلوب عباد الله ونياتهم، فإننا نقوم بالنصح ونوكل السرائر إلى الله تعالى؛ هذا وتوجد بعض الفرق تعتقد بألوهيّة علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وهذه هي الطائفة التي نكفّرها، ولا نعتقد بأن من عندكم ـ في الجامعة ـ هم من هذه الفئة،ونرجو منكم الحكمة وعدم إثارة الفتنة، والله أعلم، والسلام على من اتبع الهدى».
هذا التسامح وإن أخذ شكلاً دينياً لكن بواطن السياسة تشير إلى أمر آخر طبقاً لوثائقي الـ BBC الذي يتكلم عن الحراك السري في السعودية، حيث تشير التقارير إلى أن الشيعة يقومون بمعظم الأعمال اليدوية في حقول النفط، ويشكلون حوالي 40%من مجموع القوى العاملة في شركة أرامكو، وان مصيرهم وقدرهم وهم يحققون وينتجون ثروة المملكة كلها، يكادون لا يتمتعون بشيء منها.
تذكر تقارير الدراسات الحقوقية الأخرى أن أحداث عاشوراء 1400 كانت تعبيراً عن مظالم وآلام الشيعة المسلمين الذين يعيشون في بلدة القطيف وحولها منذ قرون عديدة، وأعادت ذكريات ما قبل سبعين عاما مضت، حين كان ساحل الجزيرة العربية الشرقي مستقلاً عن نجد، وأثبتت أن المشاعر الإقليمية ما تزال تتأجج في الأعماق، ولو لم يتم فتح المنطقة الشرقية لكانت ثروتها النفطية الهائلة.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال