همتك نعدل الكفة
2٬301   مشاهدة  

“قتل الإمام الشافعي” تحقيق في ملف حادثة تثير الجدل دائمًا

قتل الإمام الشافعي
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



يطل اسم فتيان بن أبي السمح المالكي في قصة جدلية حول قتل الإمام الشافعي على يديه، وربما ستظهر تلك القصة في الحلقات الأخيرة من مسلسل رسالة الإمام ، وستفتح نقاشًا حول قتل الإمام الشافعي على يد المالكية أو على يد فتيان بن أبي السمح.

قتل الإمام الشافعي والجدل المتجدد دائمًا

أفيش مسلسل رسالة الإمام
أفيش مسلسل رسالة الإمام

أعطى مسلسل رسالة الإمام طيلة 15 حلقة جانبًا من العلاقة بين الإمام الشافعي وفتيان بن أبي السمح وقد جسد شخصية الأخير الفنان أحمد الرافعي، وظهرت العلاقة بينهما بتوتر وخلاف وانتهت لاتفاق وصداقة.

أحمد الرافعي - فتيان بن أبي السمح
أحمد الرافعي – فتيان بن أبي السمح

فكريًا وتاريخيًا فإن الكلام حول قتل الإمام الشافعي وربط بفتيان بن أبي السمح أو المالكية ليس بجديد، فقد خرجت سطور عنه من بطون الكتب القديمة تقول أنه قتل الإمام الشافعي بعد أن جلده السُرِّي بن الحكم والي مصر.

حمزة العيلي - السُرِّي
حمزة العيلي – السُرِّي

واستقرت تلك السطور بعد أن خرجت من رحم بطون الكتب في صفحات الجرائد  فكان أول من عارض ذلك في الصحافة الشيخ مصطفى عبدالرازق[1] والشيخ محمد زاهد الكوثري[2].

أما آخر من أيد فرضية قتل الإمام الشافعي على يد العامة فكانت الكاتبة نشوى الحوفي[3]، وقد استندت في فرضيتها لما قاله بن عساكر والرازي، رغم أنه لم يرد في تاريخ بن عساكر[4] ولا مناقب الشافعي للرازي[5] أي شيء مما قالته؛ وقد سبقها في ذلك كثير من المفكرين تنوعت مراجعهم.[6]

وفي إطار تغطية موقع الميزان لمسلسل رسالة الإمام الشافعي نفتح التحقيق حول أمرين، أحدهما اتهام فتيان بن أبي السمح بقتل الإمام الشافعي، وثانيهما مسألة ضرب المالكية للشافعي؛ وذلك بتحليل تاريخي نقلي وعقلي.

بداية الأزمة بمناظرة بين الإمام الشافعي وفتيان بن أبي السمح

رسمة تخيلية من سنة 1961م للإمام الشافعي في أواخر أيامه
رسمة تخيلية من سنة 1961م للإمام الشافعي في أواخر أيامه

أبو خيار فتيان بن أبي السمح من فقهاء مصر المالكية وكان قريبًا جدًا من الإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة، وقد ولد سنة 768م / 150هـ، واسمه كاملاً أبو الخِيَار فِتْيَان بن أبي السَّمْح عبدالله بن السمح بن أسامة بن زُكَيْر، وهو مولى بني عامر بن عَدِي بن تُجِيْب.

ثمة خلاف جرى بين فتيان بن أبي السمح والشافعي وصل لحد المناظرة، فقد بدأت المناظرة بالرأي الفقهي حول حكم بيع الشخص الحر لنفسه من أجل سداد دينه، إذ كان رأي الشافعي أن البيع في تلك الحالة جائز، فيما كان رأي فتيان أنه لا يجوز للحر أن يبيع نفسه من أجل سداد دينه، وصل سقف المناظرة إلى السياسة، إذ قال فتيان للشافعي، حدثني مالك إن الإمام (الحاكم / الوالي) لا يكون إمامًا أبدًا إلا على شرط أبي بَكْر الصِّدِّيق فإنه، قال: وليتكم ولست بخيركم ألا وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ منه الحق ألا وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ له الحق إنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني فاحتج الشَّافِعي بأشياء ثم شتمه فتيان ليصل موضوع المناظرة إلى السري بن الحكم. [7]

اتهام فتيان بن أبي السمح بقتل الإمام الشافعي وحقيقته

قتل الإمام الشافعي
قبة ضريح الإمام الشافعي

اتفق كل المؤرخين بلا استثناء أن مناظرة الإمام الشافعي وفتيان بن أبي السمح انتهت على شر لم يُرَام، فالسُرِّي بن الحكم جلد فتيان وجرسه وحكى أبو زيد القراطيسي يوسف بن زيد أنه شاهد فتيان قد طِيف به مضروب الظهر وحُلِقْت لحيته فأفظعنا قبيح منظره ولم نعرفه لسوء ما صار إليه ثم ترك الفسطاط ولم يعد إليها أبدًا.[8]

أورد بن حجر العسقلاني موضوع موت الإمام الشافعي وقصيدة أبو حيان الأندلسي التي تتهم فتيان، ثم رفض الاقتناع بها فقال «وقعت بين فتيان والشافعي مناظرة فبدرت من فتيان بادرة فَرُفِعَت إلى أمير مصر فطلبه وعَذَّره (نفذ فيه حد الجلد بالتعذير) فحقد ذلك فلقي الشافعي ليلاً فضربه بمفتاح حديد فشجه فمترض الشافعي منها إلى أن مات، ولم أرى ذلك من وجه يعتمد».[9]

نقليًا فإن مسألة قتل الإمام الشافعي على يد فتيان مشكوك فيها

وهذا لأن بن حجر العسقلاني وحده الذي تكلم عن هذا الموضوع وقد ولد بعد موت الشافعي بـ 569 عامًا، وأبو حيان صاحب الأبيات التي اتهمت فتيان بالقتل ولد بعد موت الشافعي بـ 450 عامًا.

أما أول من كتب عن تاريخ الشافعي فكان أبو حاتم الرازي وقد ولد بعد مجيء الشافعي إلى مصر بـ 3 سنوات ومات بعد وفاة الشافعي بـ 73 عامًا، وقد حضر تلامذة الشافعي واحدًا واحدًا، ولم يتكلم مطلقًا عن جزئية مقتله فقد قال «مرض في آخر عمره واشتدت به تلك العلة حتى ساء خلقه وربما كان يخرج منه الدم وهو راكب حتى يمتلئ ثوبه وخفه وسرجه ثم قوية تلك العلة حتى نقبوا له الفراش والسرير ووضعوا الطست تحته»[10]

منطقيًا فإن حادثة القتل غير مقنعة لسببين:-

أحدهما أن شخصية كشخصية الإمام الشافعي إن انتهى مصيره بالقتل، فستجد كل كتب التاريخ بجميع أنواعها تكلمت عنها، سواءًا كتب تاريخ الولاة أو كتب تاريخ المذهب الشافعي قبل وبعد بن حجر العسقلاني، وهو مالم يحدث، فقبل بن حجر وبعده كان الاتفاق على مناظرة فتيان بن أبي السمح، دون الكلام عن تورطه في قتله.

ثانيهما أن شخصية مثل السُرِّي بن الحكم الذي تولى حكم مصر وارتبط بصداقة مع الإمام الشافعي لدرجة أنه جلد رجلاً شتم الشافعي، ما كان ليهدأ حتى يبحث عن فتيان بن أبي السمح ويقتله قصاصًا أو حتى انتقامًا؛ لكن لم يوجد سطر واحد كُتِب عن ولاية السُرِّي فيه كلام عن ذلك، بل أيضًا اتفق من تناول سيرة فتيان بن أبي السمح أنه مات طريح الفراش وليس بالقتل.

أزمة الشافعي والمالكية .. هل كان والي مصر سينفي الإمام ؟

مخطوط موطأ الإمام مالك + مخطوط ترتيب أبواب كتاب الأم للشافعي
مخطوط موطأ الإمام مالك + مخطوط ترتيب أبواب كتاب الأم للشافعي

يحكي بن حجر العسقلاني عن موقف المالكية من الشافعي في مصر، خاصةً بعدما وضع الإمام كتابًا للرد على مذهب الإمام مالك، أثار جدلاً في مصر وحكاه بن حجر في توالي التأسيس إذ قال «ثار المالكية وذهبوا إلى والي مصر وطالبوه بطرد الشافعي من مصر، ووافق الوالي على ذلك فطلب منه الشافعي أن ينتظر 3 أيام ثم يرحل، لكن الوالي قد مات قبل أن ينفي الشافعي وبقي الشافعي إلى أن مات».[11]

إقرأ أيضا
تاريخ الجبرتي

تلك القصة التي حكاها بن حجر أيضًا فيها شك كبير لسبب نقلي والآخر عقلي
السبب النقلي الذي يشكك في القصة :-
أن مرجع بن حجر هو كلام أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم القرشي المصري المشهور بـ بحشل، وهذا الراوي مشكوك في كلامه، فقد قال عنه بن عدي «رأيت شيوخ أهل مصر الذين لحقتهم مجمعين على ضعفه، ومَنْ كتب عنه من الغرباء غير أهل بلده لا يمتنعون من الرواية عنه».[12]

فإن قيل أن وصف (مشكوك فيه) هي بمثابة (حجة البليد أو الخائف من الحقيقة) فيأتي هنا السبب العقلي.
السبب العقلي الذي يشكك في القصة :-
أن أحمد بن عبدالرحمن بن وهب لا يعتد برأيه، فهو يقول أن والي مصر مات قبل أن ينفي الشافعي، ولم يحدد اسم الوالي؛ وإن رجعنا إلى تواريخ الولاة الذين حضرهم الشافعي نجد أن تلك القصة لا يمكن أن تكون قد حصلت.

فبإحصاء رقمي سريع في التواريخ بين مجيء الشافعي لمصر ووفاته بها وولاتها نجد أن الشافعي منذ أن جاء لمصر حضر ولاية ابن الوالي نيابةً عن أبيه العباس بن موسى من سنة 814م / 198هـ حتى سنة 815م / 199هـ، وقد مات الوالي وابنه خارج الفسطاط، ثم حضر ولاية المطلب الثانية على مصر من سنة 815م / 199هـ حتى سنة 816م / 200هـ (وقد عُزِل عن مصر وغادرها هاربًا)، ثم ولاية السُرِّي بن الحكم الأولى من سنة 816م / 200هـ حتى سنة 817م / 200هـ، وبعده سليمان غالب الذي حكم مصر فترة قصيرة ثم ذهب إلى بغداد، ليحضر الشافعي ولاية السُرِّي بن الحكم الثانية من سنة 817م / 201هـ حتى سنة 820م / 205هـ؛ وقد مات الشافعي في ولاية السُرِّي الثانية قبل موت السُرِّي بـ 8 أشهر، فالشافعي من وفيات يناير 820م / رجب 204هـ؛ بينما السُرِّي مات في نوفمبر 820م / جمادى الآخرة 205هـ.[13]

ويكيبيديا وكلامها عن قتل الإمام الشافعي
ويكيبيديا وكلامها عن قتل الإمام الشافعي

تجدر الإشارة أيضًا بشأن قتل الإمام الشافعي على يد المالكية، أن موقع ويكيبيديا قال « وروى ذلك ابن مندة عن الربيع أنه رأى أشهب يقول ذلك في سجوده. ثم قام المالكية بضرب الإمام الشافعي ضرباً عنيفاً بالهراوات حتى تسبب هذا بقتله وعمره 54 عاماً فقط، ودُفن بمصر»، وقام الموقع بتهميش القصة بهامش رقم 66 وأرجعها لكتاب توالي التأسيس ص147 بطبعة دار الكتب العلمية سنة 1406هـ/ 1986م؛ لكن بالرجوع للكتاب والصفحة ليس فيه أي جملة مما كُتِب (لتحميل الكتاب بصيغة الـ PDF هــنــا)

خلاصة ما سبق
ضريح الإمام الشافعي - تصوير معاذ لافي
ضريح الإمام الشافعي – تصوير معاذ لافي

بعد هذا التمحيص يخلص تحقيقنا إلى النتائج الآتية :-
أولاً / مات الإمام الشافعي طريح الفراش جراء نزيف حاد عقب إصابته بالبواسير.
ثانيًا / حدثت مناظرة بين الشافعي وفتيان بن أبي السمح انتهت بضرب بن أبي السمح على يد الحاكم.
ثالثًا / قد تكون هناك مشكلة حدثت بين الشافعي والمالكية، لكنها لم تصل لحد الضرب بالهروات، إذ خلت كتب التاريخ السياسي للولاة وكذا كتب الشافعية وطبقاتهم من ذكر تلك الواقعة.


[1] مصطفى عبدالرازق، الشافعي واضع علم أصول الفقه، مجلة الرسالة، عدد: 25، يوم 25 ديسمبر 1933م، ص ص19–22.
[2] محمد زاهد الكوثري، مقالات الكوثري، ط/1، المكتبة التوفيقية، القاهرة، (بدون تاريخ طبع)، ص ص405–408.
[3] نشوى الحوفي، هل قتلنا الشافعى؟، موقع الوطن، 9 فبراير 2020م.
[4] أبو القاسم علي بن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق:- محي الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمروي، ج51، ط/1، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1418هـ / 1997م، ص ص267–438.
[5] فخر الدين الرازي، مناقب الإمام الشافعي، تحقيق:- أحمد حجازي السقا، ط/1، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1406هـ / 1986م، ص34–41.
[6] أبرز من كتب واقتنع بقتل الإمام الشافعي قبل الكاتبة نشوى الحوفي – من الأقدم للأحدث – هم :-
أ) عبدالحكيم الفيتوري، الإمام الشافعي راح ضحية ضربة قاتلة من مالكي !!، موقع الحوار المتمدن، 13 يونيو 2008م.
    ب) سناء البيسي، الشافعى..أحرق قديمه ليشيّد جديده!، موقع الأهرام، 13 يونيو 2015م (وضعته في كتابٍ لاحقًا بعنوان عين اليقين، صدر عن دار نهضة مصر سنة 2019م)
ج)  أيمن سلامة، من قتل الإمام الشافعي “2”، موقع البوابة نيوز، 21 سبتمبر 2017م
[7] أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، المؤتَلِف والمختَلِف، ج4، ط/1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1406هـ / 1986م، ص1889–1890.
[8] أبو العرب محمد بن أحمد التميمي، المِحَن، تحقيق:- عمر سليمان العقيلي، ط/1، دار العلوم، الرياض، 1404هـ / 1984م، ص444–445.
[9] بن حجر العسقلاني، توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس، تحقيق:- أبو الفداء عبدالله القاضي، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406هـ / 1986م، ص185–187.
[10] فخر الدين الرازي، مناقب الإمام الشافعي، ص35.
[11] بن حجر العسقلاني، توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس، ص182.
[12] أبو أحمد بن عدي الجرجاني، الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق:- عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمد معوض وعبدالفتاح أبو سنة، ج1، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418هـ / 1997م، ص302.
[13] تواريخ تولية الولاة وعزلهم ووفياتهم مأخوذة من :-

 بن تغرى بردى، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج2، ط/1، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1349هـ / 1930م، ص ص161–178.

الكاتب

  • قتل الإمام الشافعي وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان