نشرة هنا افريقيا (عدد خاص عن الوضع في السودان)

نشرة خاصة عن السودان

قارتنا.. أفريقيا، مهد البشرية.. ففي قلبها هبط أسلافنا من القردة العليا لأول مرة من على الشجر ومشوا منتصبين، مهد الإنسانية.. ففي شرقها ظهر الإنسان العاقل لأول مرة، مهد المجتمع.. فعلى ضفاف نيلها أكتشف الإنسان الزراعة… فاستقر لأول مرة بعد ألاف السنين من الترحال، مهد التاريخ.. ففي شمالها الشرقي حيث مصب نيلها بُنيت أقدم الحضارات…. وبدء التاريخ.

قارتنا ضخمة وغنية ومتنوعة.. ومدهشة، عشان كده فكرنا نعمل تقرير إسبوعي عنها.. إيه اللي بيحصل فيها؟

ناخد فكرة عن أخبار ناسها، جيرانا وشركاتنا فيها، حتى اسماء بلادها ماتبقاش بالنسبالنا مجرد اسماء لمنتخبات عايزين نكسبها.. أو بنشجعها في المونديال، إنما تبقى معلومات وحكايات من لحم ودم.

الصراع على السلطة يدخل السودان في نفق مظلم

دخل السودان إلى نفق مظلم بعد اندلاع اشتباكات بين القوات المسلحة الرسمية وبين قوات الدعم السريع ولا يزال القتال مستمر حول المناطق الحيوية، أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة ومطار الخرطوم ومبنى التليفزيون، وقاعدة ومطار مروي العسكري، بالاضافة لإندلاع الاشتباكات في مناطق الهامش في دارفور في نيالا والفاشر ومنطقة كردفان.

منذ بداية الحراك الشعبي في السودان حاول العسكريون السيطرة على مقاليد الحكم، سواء بشكل مباشر أو عن طريق تقاسم السلطة مع المكون المدني، الذي منح العسكريين الفرصة للقيادة طوال الفترة الانتقالية، وبعد انقلاب البرهان على عملية التحول الديمقراطي في الخامس والعشرين من شهر اكتوبر 2021 سيطر المكون العسكري بشقيه القوات المسلحة وقوات الدعم السريع على الحياة السياسية بالتوافق مع بعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام.

الخطير في هذه الإشتباكات أن كل طرف يدعي سيطرته على المناطق المتنازع عليها، ويصعب التحقق من صدق أيا من هذه الإدعاءات في الوقت الراهن، حيث تدور رحي حرب ضارية على الأرض ويبدو أنها امتدت لتشمل الفضائيات ومواقع الانترنت الموالية والداعمة لكل طرف من طرفي الصراع المسلح، ولكن ومن خلال متابعة تطورات الأزمة السودانية يمكن ترجيح أن القوات المسلحة تلقت المفأجاة التي بدأتها قوات الدعم السريع بالسيطرة على قاعدة مروي العسكرية، التي تتواجد بها كتبية تابعة للقوات المسلحة المصرية لاجراء تدريبات مشتركة مع الجيش السوداني، وتم السيطرة على الكتيبة المصرية بواسطة قوات الدعم السريع واعلن المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية أنه يتم التواصل مع القوات المعنية لضمان أمن وسلامة القوة المصرية.

في هذه الأثناء توافقت كل القوى الإقليمية على ضرورة وقف اطلاق النار بين الجانبين وضمان سلامة المدنيين ووحدة الأراضي السودانية، في هذا السياق جاء بيان وزارة الخارجية المصرية للمطالبة بالإلتزام بأقصى درجات ضبط النفس والتوقف عن فتح جبهات جديدة للصراع المسلح الدامي في السودان،  وطالبت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بالعمل على التوصل إلى حل سلمي للصراع الذي تسبب في اغلاق مطار الخرطوم الدولي وإصابة طائرة ركاب سعودية وطائرة مدنية آخرى، وتوقفت بناء على ذلك حركة الطيران الدولية من وإلى السودان.

من جانبه طالب وزير الخارجية الأمريكي بوقف إطلاق النار، ووصفت الخارجية الأمريكية ما يحدث بأنه تصعيد غير مبرر وخطير على مستقبل العملية السياسية في السودان، فيما طالبت الأمم المتحدة والجامعة العربية بوقف إطلاق النار. لكن كل هذه المناشدات لم تلق أي استجابة من طرفي الصراع الدائر حيث يعتقد كل طرف إنه قادر على حسم الصراع لصالحه وبسرعة.

في حين أن ما يجري على الأرض يظهر أن هذا الصراع سوف يطول أمده، خاصة في حالة الاستقطاب الحاد التي يشهدها السودانيون حاليًا بين طرفي الصراع، فهناك من يتهم قوات الدعم السريع بالإستناد إلى دعم وتأييد فصائل من أحزاب الحرية والتغيير والمجلس المركزي بقيادة ياسر عرمان، فيما وجه قادة “قحت” إتهامات لرموز قادة الآخوان المسلمين بدفع القوات المسلحة السودانية للصراع بهدف التخلص من هيمنة قوات الدعم السريع على مصير التوصل لاتفاق نهائي لإحلال الحكم المدني في السودان.

بشكل عام خيوط المشهد السوداني متداخلة ومعقدة، وفي محاولة لتسهيلها نسبيا تعالوا نتعرف على أطراف الصراع.

البرهان

بطبيعة الحال الجيش النظامي مش محتاج تعريف، بوصفه المؤسسة الكلاسيكية المعروفة في معظم دول العالم، فهنكتفي بالتعريف بشخص الفريق البرهان.

أهم تعريف بالبرهان ويخص السياق الحالي للأحداث هو التعريف بفترة عمله كمستشار أمني لوالي غرب دارفور، فترة تم خلالها تحويل الجنجويد من ميليشية يقودها موسى هلال إلى قوة رسمية تحمل اسم “الدعم السريع” ويقودها “حميدتي”. عملية سياسية خطيرة كان مهندسها الأول هو البرهان اللي تولى تقديم حميدتي لقيادة نظام الإنقاذ الإسلامي. كمان كان -البرهان- هو مفتاح إرسال قوات تابعة للدعم السريع للمشاركة في الحرب الخليجية باليمن، وهي الخطوة اللي بتعتبر واحدة من أهم خطوات حميدتي لتكوين علاقات إقليمية قوية بشكل مستقل عن الدولة السودانية.

بالتالي إحنا مش بس بنتابع إنفجار وضع سياسي/عسكري خاطئ أنتجه نظام سابق، إنما صراع بين صانع وصنيعته.

حميدتي

فريق محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع.

هنا إحنا محتاجين نعرف بالأتنين، القائد والقوة اللي بيقودها، فهي قوة غير نظامية بشكل كلاسيكي.

في البدء كان الجنجويد

مليشيات الجنجويد، بعض المصادر نسبت تأسيسها للقائد الدارفوري موسى هلال بمعرفة الجنرال الراحل جعفر النميري، اللي حكم السودان عبر إنقلاب عسكري سنة 1969 واستمر في السلطة لسنة 1985، وهو اللي أخد توكيل تنفيذ مشروع الصحوة الإسلامية في السودان، وبدء في تنفيذه بإصدار حزمة من القوانين عرفت بـ قوانين سبتمبر.

وحسب مصادر تاريخية تانية فمليشية الجنجويد تم تكوينها، بقيادة موسى هلال، في منتصف التمنينيات.

في كل الأحوال الموثوق منه والمتفق عليه إن التأسيس تم في مناطق شمال دارفور بقيادة موسى هلال، وإن حميدتي إنضم ليها سنة 2004.

الفاشية الإسلامية في السودان

سنة 1989 نفذت بعض وحدات الجيش، بقيادة خفية من الإخوان المسلمين، وتم اختيار عمر البشير عشان يكون هو الواجهة، وتم تأسيس نظام الإنقاذ كنظام إسلامي-عسكري.

كأي نظام فاشي خلق الإسلاميين أجهزة أمنية موازية لأجهزة الدولة، زي قوات الـS.S في ألمانيا النازية والقمصان السود في إيطاليا الفاشية والحرس الثوري في إيران.

• الدفاع الشعبي.. كقوات موازية للجيش النظامي.
• الشرطة الشعبية.. كقوات موازية للشرطة المدنية.
• الأمن الشعبي.. كجهاز موازي للأمن الوطني والمخابرات.

وكلها اقتصرت على أبناء التنظيم ومنحتهم رواتب وسلطة ونفوذ ومزايا كبيرة.

ثم تم اكتمال عقد الأجهزة الأمنية الموازية بدرة التاج “الدعم السريع”، وهي التنظيم الوحيد غير الموالي لجماعة الإخوان “الكيزان”، إنما يتبع الرئيس المخلوع عمر البشير بشكل مباشر.

صناعة الحرب الأهلية

تصادف إنضمام حميدتي لقوات موسى هلال “الجنجويد” مع أعتماد البشير عليها في حربه ضد المعارضة المسلحة بإقليم دارفور، مستغلا أفريقانية معارضيه فقام بتغذية النعرات القبلية العروبية عند الجنجويد المكونين من قبايل المحاميد “قبيلة موسى هلال” والرزيقات “قبيلة حميدتي” والماهرية.. وغيرها من القبائل اللي بتنسب نفسها لشبه الجزيرة العربية. وبكده فتح البشير حرب أهلية عرقية في غرب بلاده في مقابل إخراس أي معارضة لسياساته.

إقرأ أيضا

قراءة في القمة المصرية الجنوب سودانية

إنقلاب في الخلا

سنة 2008 البشير عين موسى هلال مستشارا لوزير الحكم الاتحادي، عبد الباسط سبدرات، ثم تم تصعيد حميدتي ليكون الرجل التاني في المليشية الموالية للنظام، واللي نفذت مذابح وجرايم حرب بالنيابة عنه.

الخطوة التانية كانت إعلان بعض الجنجويد كقوة رسمية باسم “حرس الحدود” بقيادة الزعيم موسى هلال والبعض الأخر باسم “الدعم السريع” تحت قيادة الرجل التاني حميدتي، لكن مع ظهور الدهب في منطقة جبل عامر إنقلب حميدتي على قائده واستولى على عدد من مناطقه.. قبل أن ينتهي الأمر بمواجهة مباشرة دعم فيها النظام الحاكم القائد الجديد حميدتي، وتم نزع سلاح موسى هلال واعتقاله سنة 2017 وإيداعه سجن كوبر شديد الحراسة. وفضل هناك حوالي 3 سنين.. قبل ما يتم الإفراج عنه سنة 2020.

فساد وجرايم ضد الإنسانية.. وعلاقات دولية

أظهر حميدتي كامل الولاء للرئيس البشير، فحافظ على كونه قوة عسكرية مستقلة عن القوات المسلحة الرسمية، خلال الفترة دي زادت الاتهمات الموجهة ضد الدعم السريع، فهي في البداية وحتى قبل إنضمام حميدتي كانت الجنجويد تواجه إتهامات بالتورط في جرايم حرب متنوعة، الأمر اللي استمر حتى بعد تحولها لقوات رسمية.. إن كان في دارفور وقت حكم البشير أو عند فض اعتصام القيادة العامة بعد عزله.

تجنيد أطفال

أشار تقرير أمين عام الأمم المتحدة المقدم إلى مجلس الأمن، في أغسطس 2007، لتورط العديد من الأطراف داخل السودان في عملية تجنيد الأطفال، ومن ضمنهم قوات الدعم السريع. أمر تأكد بسبب مجزرة الأبيض اللي تورط فيها ستة من جنود الدعم السريع وحكم عليهم في أول درجة بالإعدام.. لكن في النقض تم تبرأة أتنين ثبت إنهم لم يحملوا السلاح وعدم إعدام أحد المذنبين لإنه وقت الجريمة كان “طفل”.

في السياق نفسه.. قوات الدعم السريع حطت نفسها على الخريطة الإقليمية بمشاركتها في الحرب باليمن، واللي رصد تقرير أتنشر في نيويورك تايمز لجوءها لاستخدام أطفال بين سن أربعتاشر وسبعتاشر سنة.

فساد

قوات الدعم السريع حطت نفسها على الخريطة الدولية بتعاونها مع الاتحاد الأوروبي في مكافحة الهجرة غير القانونية، لكن تقرير للصحفي الاستقصائي منعم سليمان، سنة 2018، كشف تورط قيادات وأفراد تابعين للدعم السريع في استغلال عملهم في المجال ده لتحقيق مكاسب من تهريب واستغلال الساعين للهجرة.

وبكده بقت قيادة قوات الدعم السريع، متمثلة في حميدتي، تمتلك علاقات استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، وعلاقات استراتيجية واقتصادية بدول الخليج، خصوصا المشاركة في عاصمة الحزم أو النشيطة في سوق الدهب والمعادن النفيسة.

بالتالي الأزمة دلوقتي بقت معقدة، فالدعم السريع مش مجرد مليشية ولا حتى قوة نظامية متمردة، إنما كيان مسلح له ثقله في موازين القوى إقليميًا ودوليًا. يعني الوضع بين اللاعبين الأقليميين والدوليين في المنطقة هيكون مش سهل، خصوصا وإن عددهم كبير ومصالحهم مختلفة وأحيانا متضاربة، وهو ده اللي هنحاول نغطيه باستفاضة في عدد خاص تاني عن الوضع في السودان.