“المونولوجست سيد سليمان” كوميدان عانى من التنمر وبسببه ظهرت الرقابة على الأغاني
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
قامت فلسفة المونولوجست سيد سليمان في الكوميديا على قاعدة مفادها أن الإنسان يريد أن يضحك بعد يوم مليء بالمتاعب، ولابد أن يجد الإنسان ما يسعده من شيء دمه خفيف يراه ويسمعه.
مسيرة المونولوجست سيد سليمان
وثقت الصحفية عائشة صالح مسيرة الفنان سيد سليمان، منذ ميلاده في الإسكندرية سنة 1901م[1]، وكان أبوه من أثرياء عروس البحر المتوسط، وتحطمت إحدى سفنه في الحرب العالمية الأولى سنة 1914م عندما دمرتها الغواصات أثناء نقل البضائع من اليونان وتركيا عبر المتوسط.
على إثر تلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة ترك سيد سليمان المدرسة وعمل في المحاماة، ثم انضم بالهواية إلى إحدى الفرق التمثيلية في الإسكندرية، وكاد أن يسافر معهم للقاهرة لولا خشية أمين صدقي صاحب الفرقة من رد فعل أهل سيد سليمان، فانضم سيد سليمان لفرقة فوزي الجزايرلي بالإسكندرية وبعدها ترك الإسكندرية وجاء للقاهرة لينضم لفرقة البشلاوي، ومنها عرف فرقة نجيب الريحاني والتي عمل بها لمدة شهر، ثم عاد للإسكندرية بعد خطاب مؤثر من أبيه، لكن الهواية كانت أقوى فعمل مع فرقة جمجموم.
في العام 1926م بدأت حكاية سيد سليمان مع المونولوجات، فقد كان يضع أفكارها وأحيانًا يؤلفها ويلحنها، واشتهر سيد سليمان بسيد البربري عندما سجلت له شركة اسطوانات مجموعة من المونولوجات باللهجة البربرية والتي اكتسبها من اختلاطه بأهل الجنوب في المقاهي؛ وكان صيت سيد سليمان بعد عقد شركة الاسطوانات عنصرًا جعل والده يقتنع بموهبته.
عاد سيد سليمان للقاهرة ليعمل مع فرقة الريحاني ثم انضم لفرقة بديعة مصابني وألف له أبو السعود الإيباري عدد من المونولوجات أبرزها بريه من الستات دول يا بيه، وضمت بديعة مصابني لفرقته الملحن عزت الجاهلي وكان يلحن له المونولوجات إلى أن حدث سوء تفاهم بين سيد سليمان وبديعة لأنه كان يلاقي نجاحًا أكثر منها.
بدأ سيد سليمان عمله في السينما، عام 1935م عندما تعاقد في فيلم الطيارة لكن تم إلغاء الفيلم لينضم لفيلم أحلام الشباب وكان يقوم بدور خادم فريد الأطرش، ثم كرر نفس التجربة في فيلم شهر العسل، وبعدها قدم دورًا لافتًا في فيلم عنتر وعبلة حيث جسد شخصية شيبوب وأثار إعجاب المنتج جبرائيل تلحمي والذي قال له أنت في الفيلم كالملح في الطعام، وبعدها انطلقت مسيرته بين المسرح والسينما.
طلبه نجيب الريحاني ليعمل معه في رواية حكم قراقوش وبعدها قدم عددًا من الأدوار في مسرحية الدنيا على كف عفريت والدنيا لما تضحك، ولم يكن نجيب الريحاني يتدخل فيما يقول، وبعد فترة ترك الفرقة وعمل مع فرق ببا عز الدين وبديعة مصابني وصفية حلمي، ثم عاد لفرقة الريحاني، وواستقر سيد سليمان وكون أسرة وترك 3 بنات و3 أولاد، وكان أولاده الذكور هم فرج وكريم وسليمان، كان فرج محاميًا، بينما كريم خريج كلية زراعة والثانية بكلية دار العلوم.
الرقابة على الأغاني ظهرت بسببه
من الأشياء اللافتة في مسيرة سيد سليمان أنه في سنة 1927م قدم مونولوج بعنوان الشيخ جونسون، وحينها أثار جدلاً كبيرًا مجتمعيًا وأزهريًا، وكانت كلمات المونولوج تقول:
محسوبكم جونسون العايق * قوي في الأبهة لايق
ماشيء يتمختر بلطافة * للنزهة فكري رايق
بصيت لقيت قدامي * حاجة حلوة وزي البطة
قربت عليها بخفة * وغمزتها راحت ناطة
قالت لي هئ هئ هئ * قلت يا حوستي
أنا أموت أنا أدوب * إنت عروستي.
كان حينها سيد سليمان يرتدي بنطلون وقميص وسديري لبدلة سموكن وفوقة جبة حريرية وعلى رأسه عمامة وعلى إحدى عينيه مونوكل (دائرة زجاجية).
وحكى سيد سليمان عن ذلك المونولوج فقال كان المقصود بالمونولوج محاربة الذين يعاكسون السيدات في الطرقات، وكان يسوق فيه العظة لأن خلاصته أن الشيخ جونسون تكلم مع السيدة فأخذته لبيتها حيث أخبرت زوجها بمعاكسته لها فأعطاه علقة.[2]
ذاع المونولوج وسمع به رجال الأزهر فهاجوا وماجوا وبدأوا يهاجمون المقالات في الصحف وطالبوا أن يكون هناك رقابة على الأغاني بسبب المونولوج، واستجابت وزارة الداخلية للطلب خاصةً مع ظهور مونولوج ارخي الستارة اللي في ريحنا، ثم تم إرسال إنذار لسيد سليمان بعدم إلقاء المونولوج مرة أخرى.
سيد سليمان والتنمر
كان سيد سليمان يغضب عندما يراه الناس في الطريق ويضحكون بلا سبب، وكانت من أشد المواقف عليه يوم وفاة والدته وزوجته، لكن من أكثر الأشياء التي كانت تثير حزن سيد سليمان هو التنمر على لون بشرته وكان التنمر حينها يعرف بالتنكيت وكان أغلب رموز الوسط الفني يتنمرون عليه، وعبر عن ذلك في مقالٍ كتبه لمجلة الكواكب.[3]
فمثلاً زينب صدقتي كانت تقول: سيد سليمان ما اتولدش اسود كده، دا اتولد أبيض لكن أهله كانوا بيرضعوه زفت، أما نجيب الريحاني فسأله: هل أهلك كلهم سود ؟ فلما أجابه سيد بالنفي قال له الريحاني: على كده انت اللخطة السودا في تاريخ العيلة.
لم يتوقف التنمر على سيد سليمان بعد طاله حتى بعد موته فوالد ياسمين صبري ذكر أمرا حينما كان يعاتب ابنته، وقيامها بالكذب والتمثيل، مشيرًا إلى أنها أتقنت التمثيل من جد والدتها سيد سليمان.[4]
[1] عائشة صالح، ملك المونولوج زمان، مجلة الكواكب، عدد: 634، 24 سبتمبر 1963م، ص ص33–35.
[2] سيد سليمان، المونولوج الذي خلق الرقابة، مجلة الكواكب، عدد:40 ،6 مايو 1952م، ص37.
[3] سيد سليمان، رأس مالي سواد وجهي، مجلة الكواكب، عدد:5، يونيو 1949م، ص99.
[4] أحمد الريدي، لماذا قال والد ياسمين صبري لابنته: ممثلة كـ”جد والدتك”؟، موقع العربية، 17 يناير 2022م.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال