“فيلم نور الله” حكاية عمل ديني للمخرج محمد كريم أوقفه نجيب محفوظ ومؤسسة السينما
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
كتب كمال الملاخ في سطر واحد خبرًا في صفحة الأهرام الأخيرة «فيلم نور الله .. اسم أول فيلم يخرجه محمد كريم بعد عودته إلى الإخراج، الفيلم تنتجه المؤسسة – ملون -، يستغرق 3 ساعات»[1]، بعدها غابت التغطية الصحفية للفيلم.
كان فيلم نور الله عملاً سينمائيًا هامًّا، فهو يشهد أول عودة للمخرج السينمائي محمد كريم بعد غيابٍ عن الإخراج دام 5 سنوات من آخر أفلامه قلب من ذهب؛ فضلاً عن أنه عمل ديني ضخم يتناول قصة معركة غزوة بدر، ومع ذلك فإن المشروع واجهته صعوبات جمعيها كان يمكن التأقلم معها وحلها لولا تقرير نجيب محفوظ بصفته الناقد الفني لشركة المؤسسة العامة للسينما.
كيف ظهرت فكرة فيلم نور الله ؟
أرادت مؤسسة السينما أن تعيد المخرج محمد كريم للواجهة مرة أخرى بعمل سينمائي ضخم يليق باسمها وباسمه، فوقعت عقدًا معه بتاريخ 9 مارس 1964م مفاده أن يخرج فيلمًا يختار قصته وموضوعه ومن يشاركه في السيناريو والحوار، ثم أرسل الشركة له بعض الأفكار ربما تعجبه، لكنه رفضها جميعًا لأنه لم يجد ما يستحق أن يعود به للإخراج.
وجد المخرج محمد كريم ضالته في الممثل الكبير عبدالوارث عسر والذي رشح له قصة من التاريخ الإسلامي عن غزوة بدر يكون بطلها الإسلام وهدفها أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف كما يدعي خصومه وإنما بمبادئه.
اقتنع محمد كريم بالفكر وبدأ العمل فاستعان بالكاتب والباحث محمد صبيح، وبدأ الجلسات التحضيرية في أغسطس سنة 1964م بالإسكندرية داخل فندق وفي بعض الأوقات داخل منزل محمد صبيح، وكانت الحماسة مليئة لدى الجميع بسبب اهتمام الشركة، خاصةً بعدما اتصل صلاح أبو سيف رئيس مجلس إدارتها وأخبره بأنه وجد سيدة متخصصة في الأزياء وسيتعاقد معها باسم الشركة، ورغم أن محمد كريم تحفظ على الموقف لأن العقد ينص (الشركة لا تتعاقد مع أي عامل في الفيلم إلا بعد موافقة كتابية من المخرج) لكنه تغاضى عن ذلك.
اقرأ أيضًا
عندما اهتم الملك فاروق شخصيًا بيوم مشاهدة فيلم قلبي وسيفي
أنهى محمد كريم كتابة السيناريو مع عبدالوارث عسر ومحمد صبيح، ثم دعا أصدقائه لقراءة السيناريو وكان أبرزهم عبدالحكيم سرور وجليل البنداري وصلاح أبو سيف وحلمي رفلة وولي الدين سامح، فيما اعتذر صلاح أبو سيف لانشغاله.
جاء صلاح أبو سيف بعد أن أنهى أعماله، وطالع السيناريو ليبدي اعتراضاته على المناظر لأنه ستتكلف كثيرًا من المال، وطلب حذفها، واضطر محمد كريم للموافقة حتى لا يموت المشروع، وفي 3 نوفمبر 1964م تسلم حلمي رفلة 5 نسخ من سيناريو الفيلم ليقدمها للرقابة، ليصل رد الرقابة في 5 يناير 1965م بالموافقة النهائية على الفيلم.
نجيب محفوظ يدخل على الخط
في مذكراته كتب محمد كريم بعد موافقة الرقابة « يتصور القارئ أنه ليس أمام البدء في التنفيذ شيء، ولكن لا، ابتدأ الأمر بأن أرسلت الشركة إلينا صورة خطاب من السيد نجيب محفوظ القصاص المعروف والناقد الفني للشركة يقول فيه عن فيلم نور الله (هذا موضوع غابت عنه أبطاله) ويقرر أنه غير صالح للإنتاج».[2]
رفض محمد كريم ملحوظة نجيب محفوظ وقال عنه في مذكراته «لم نعجب لرأي الأستاذ نجيب، فهو بعبقريته في فن القصص لا يستطيع أن يقيم السيناريو السينمائي حين يقرؤه، ولا يستطيع الحكم عليه إلا عندما يراه فيلمًا كاملاً معروضًا على الشاشة، فهو عندما يفشل الفيلم المأخوذ عن رواياته يقول أن السيناريست والممثلين لم يحسنوا عرض قصته ومعنى هذا أنه لا يدرك النقص».
وواصل محمد كريم سرد موقف نجيب محفوظ فكشف أن السيناريو الذي أرسل لنجيب محفوظ كان ملخصًا، واعتبر محمد كريم أن كلام نجيب محفوظ حول الملخص هو عذر أشد بعثًا للعجب لأنه حكم على ملخص دون أن يطلب السيناريو كاملاً.
بعدها اتصل محمد كريم بمؤسسة السينما ليطلب رأيهم في اعتراض نجيب محفوظ فكان ردهم: هذا لا يغير من رأيهم في صلاحية الفيلم ورأي نجيب محفوظ هو استشاري.
لاحقًا ظهرت اعتراضات على سيناريو الفيلم بتقرير من مؤسسة السينما ووضعه أحد كبار رجال الدين وقال بوجود 24 خطأ، وعاد عبدالوارث عسر ومحمد صبيح للمراجع فوجدوا أن السيناريو مضبوط وكلام تقرير الشركة خاطئ، ليقرر صلاح عامر رئيس مؤسسة السينما دعوة الشيخ عبدالحليم محمود عميد كلية أصول الدين، والدكتور عبدالعزيز كامل، ولم يبديا أي اعتراض على الفيلم.
بقيت المسائل راكدة إلى أن أرسل محمد كريم خطابًا لمؤسسة السينما وقال «لا أطيق أن أصبر أكثر من أسبوع واحد، فإذا مضى يوم الخميس 15 يوليو 1965م ولم أتلقى ردًا ينهي هذه الضجة المفتعلة فاسمحوا لي أن أكون متأكدًا أن الشركة تخلت عني وقررت عدم المضي في تنفيذ فيلم نور الله.
كانت تلك الرسالة مصدر غضب من صلاح عامر صبه على محمد كريم وقال أنه صاحب الكلمة وليس هو، ولم يعلق محمد كريم بأي كلمة، ولما أقيل صلاح عامر من رئاسة المؤسسة ونُقِل لرئاسة الشئون الهندسية في الإذاعة والتلفزيون، جاء خطاب من رئيس شركة فلمنتاج وكان حينها سعد الدين وهبة وطلب إعداد سيناريو فيلم نور الله، وهو الشيء الذي اعتذر عنه محمد كريم، ومات المشروع رسميًا في 16 إبريل 1965م.
[1] كمال الملاخ، من غير عنوان، جريدة الأهرام، عدد 1 يونيو 1964م، ص12.
[2] مذكرات محمد كريم .. 50 سنة سينما، إعداد: محمود علي، ج2، ط1، كتاب الإذاعة والتلفزيون، القاهرة، 1972م، ص247.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال